فاذكروني أذكروكم

 

فاذكروني أذكروكم

يمر المرء في حياته بأيام عِصاب يجد نفسه فيها في أشد الحاجة إلى الرجوع إلى الله، وعلى الرغم أن ذكر الله في كل حين هو طريق الفلاح والنجاح والرباح إلا أن الإنسان دائم النسيان حتى قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه وما أول ناس إلا أول الناس
فهو يشير أن اشتقاق الإنسان اللغوي من النسيان، وأن أصل كلمة الناس هو أيضاً النسيان على ما في هذا من اختلاف بين أهل اللغة، ويشير مرة أخرى إلى قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه :115] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وَنَسِىَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ » . [رواه الترمذي].
ونرى طريق الذكر في القرآن والسنة ومنهج الصالحين طريقاً لازماً مؤكداً، فيه ترويح للنفوس وشحن للهمة ودافع للصالحات ومانع للسيئات وحصن عن اليأس ونور في القلب بما يبني الإنسان ويجدد حياته ويجعله كل يوم في ثوب جديد، ويجعله قادراً على أداء مهمته في الأرض من عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس.
1- أما القرآن الكريم فنرى فيه قوله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْوَاشْكُرُوا لِيوَلاَتَكْفُرُونِ} [البقرة :152]، وقوله سبحانه : {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب :35]، وقوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواوَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال :45]، وقوله سبحانه وتعالى : {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت :45].
فهذه الآيات تدعونا إلى دوام ذكر الله في كل حركاتنا وفي كل حين وهذا نجده واضحاً في أمرين:
2- الأول في العبادات فبداياتها ذكر وجوهرها ذكر وختامها ذكر قال تعالى : {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى : 15]، وقال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ » [رواه مسلم]، وفي الصيام قال تعالى : {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة :185]، وقال سبحانه في شأن الحج : {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة :198] وقال تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة :203].
3- الثاني في العادات في السنة الشريفة التي جعلت قبل الطعام بسم الله، وفي نهايته الحمد لله ، وفي أول اللقاء السلام عليكم ورحمة الله، وهو ما يقوله المصلي في نهاية صلاته يستقبل بها العالم والحياة، وفي الانصراف من المنزل بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعند الدخول إلى المساجد اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج اللهم افتح لي أبواب فضلك، وجمع كثير من العلماء أذكار الصباح والمساء في كتب مفردة منهم النووي في كتابه « الأذكار » والشوكاني في « تحفة الذاكرين » وابن الجزري في « الحصن الحصين » وابن تيمية في « الكلم الطيب »، وابن القيم في كتابه « الوابل الصيب »، وغيرهم كثير حتى رصدوا كل حركة من حركات الإنسان ذكراً مخصوصاً له فيها.
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة عامة : « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ » . [رواه أحمد والترمذي وابن ماجة]، ومن الواقع المحسوس أن اللسان لا يكون رطبا مع كثرة الذكر بل يجف، ولكن هذا الجفاف المحسوس الملحوظ الذي هو عند الله هو الرطوبة المحمودة وهذا مثيل لقوله صلى الله عليه وسلم : « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ » . [متفق عليه] وقوله صلى الله عليه وسلم : « لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ - إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» . [أخرجه البخاري].
فمعلوم من الواقع أن خلوف الفم وهو رائحته الكريهة مما يحرص الإنسان على إخفائها، وقد يكرهها ويمل منها إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يلفت إلى حقيقة أخرى وراء الحس، وهو قيمة هذا الذي تكرهه عند الله {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء : 19]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في نفس هذا المعنى : « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ » . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ » . [أخرجه مسلم].
فإن الإنسان قد يكره الوضوء في البرد، ولكن مع كراهيته له فإن فيه الثواب العظيم، ويسأل كثير من الناس أنهم يفعلون الطاعة وهم لا يحبونها فهل هذه خطيئة ؟ والإجابة أن هذا محض الإيمان فإن الإنسان إنما يفعلها حينئذ لأنه يطيع ربه مع مخالفة هواه.
5- ومن أجل هذا الحديث كان مشايخنا يأمروا أن لا نشرب عبد الذكر حتى يبقى أثر جفاف الريق باقيا عند الذاكر فيشعر بشيء كبير من البركة، ويكون الفم مع جفاف الريق ما زال رطبا ليس باللغاب أو بالماء بل بذكر الله وأثر ذكر الله، وهذا المعنى وإن لم يرد صراحة في الحديث، وليس تكليفا مباشرا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الإمام الشافعي قد لاحظه في حديث الخلوف فقال بكراهية إزالة الخلوف بعد صلاة الظهر حتى يبقى المكلف في معية المسك الرباني إن صح التعبير.
6- أما منهج المسلمين في الذكر فقد أعلوا من شأن ما أسموه بالكلمات العشر المباركات وهي « سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله [وهذه الخمسة أسموها الباقيات الصالحات] استغفر الله، ما شاء الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، توكلت على الله » ثم توجت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب :56].
ومن هذه الكلمات العشر ما يذكر بها المؤمن بعد صلاته قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ » . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ مَرَّةً » .. [متفق عليه].
7- وسمت الكلمات الخمسة بالباقيات الصالحات تفسيراً لقوله تعالى : {المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف : 46]، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ » . قِيلَ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ » [رواه أحمد ].
8- إن ذكر الله بأسمائه الحسنى منهج تربية للإنسان، وسنعود إلى ذلك مرة أخرى لنرى ما استملت عليه هذه الأسماء من الجلال والجمال والكمال وكيف تتجلى على الإنسان في عمله الذي يعمر به الكون.

الإمام العلامة :على جمعة

الحب الذي اشتقنا إليه

 

الحب الذي اشتقنا إليه

الحب شعور إنساني عظيم، يدل على الحياة، كما يدل على الإنسانية، وهو أحد مشتقات الرحمة وآثارها، فالرحيم هو الذي يحب، ومن أحب دل على أنه رحيم، والحب عطاء، والحب كرم، والحب حالة فريدة؛ ولذا قالوا : من أحب لا يكره، وإذا فُقد الحب دل ذلك على فقد الرحمة، وإذا فُقدت الرحمة فلا تسأل بعد ذلك عن مدى الفساد في الأرض، ومدى الظلم المنتشر ومدى التدهور المستمر.
1- إلا أن الحب في الإسلام تعدى كونه شعوراً وأحاسيس إلى كونه فريضة وواجباً، وتعدى الحب بمعناه الفردي بين الرجل والمرأة إلى معناه الشامل الذي يجعله مقياساً للحياة، وأساساً للسلوك، ومفتاحاً للأخلاق، فالحب للحياة بأشيائها وأحداثها وأشخاصها ومبادئها أمر مقرر في القرآن الكريم، ولكن بعد تحويله إلى طاقة فاعلة للخير والحق والقوة والتعمير.
2- ولنبدأ بما يحبه الله، وما لا يحبه وهي مجموعة من الآيات التي ترسم دستور الحب الحقيقي غير المزيف؛ حيث يختلط الحب حينئذ بالشهوة والرغبة ويختلط حينئذ بالمصلحة الخاصة المشبوهة في حين أن الحب الحقيقي شفاف، دائم، قد يشتمل على الشهوة دون فساد، وقد يشتمل على المصلحة دون أنانية، وقد يشتمل على الغاية دون خيانة، إنه حب اشتقنا إليه.
فيقرر القرآن حب الأشياء ولا يجعلها دليلا على الخير دائما يقول الله تعالى : {وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة :216]، ويقول سبحانه : {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص :56]، ويقول في حب المبادئ : {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور :22].
3- فما يحب الله ؟ قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يحب التَّوَّابِينَ وَيحب المُتَطَهِّرِينَ} [ البقرة :222]. وقال سبحانه : {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} [آل عمران :76]. {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [ البقرة : 195]. {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [ آل عمران :146]. {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [ المائدة :42] {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران :159]. وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف :4].
4- فهذه ثمان صفات أخبر القرآن الكريم بأن الله يحبها في عباده، فهو يحب من عبده إذا أخطأ أن يرجع عن خطئه، حتى لو تكرر الخطأ أو الخطيئة، فهو يقبل التوبة من عبادة ويعفو عن كثير، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) [رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك]. والتوبة فلسفة كبيرة في عدم اليأس وفي وجوب أن نجدد حياتنا وننظر إلى المستقبل، وأن لا نستثقل حمل الماضي، وإن كان ولابد أن نتعلم منه دروساً لمستقبلنا، لكن لا نقف عنده في إحباط ويأس، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. التوبة فيها رقابة ذاتية تعلمنا التصحيح وتعلمنا التوخي والحذر في قابل الأيام، وهي من الصفات المحبوبة فلنجلعها ركناً من أركان الحب.
5- والله يحب أيضا المتطهرين في ظاهرهم وباطنهم، فإن كانت التوبة من قبيل الطهر الباطني، فإن النظافة من الطهر الظاهر، والنظافة في الجسد والثياب والأثاث والمكان جزء لا يتجزأ وركن ركين في عبادة الله عند المسلمين {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة :125]، ولنجعل الركن الثاني هو التطهر، وهو معنى يمكن أن يتحول إلى إجراءات محددة في حياتنا على مستوى الأمة وعلى مستوى الجماعة، وعلى مستوى الفرد.
6- فإذا اتصف الواحد منا بالتوبة والطهر فإنه يتصف بالتقوى وهي الخوف الناتج من الحب وليس الناتج عن الخشية، فالتقي هو الذي يخاف أن يغضب حبيبه، وهو الذي يخاف على حبيبه، وهو الذي يمتنع عن كل ما يؤذيه ويسارع في هواه.
لو كنت حقا حبه لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
7- وإذا كان التقي يبدأ بنفسه، فإن المحسن يتعدى إحسانه لغيره، ولذلك أحب الله المحسنين، وثواب الفعل المتعدي نفعه إلى غيره أكبر وأحسن من الفعل الذي قد يكون قاصراً. إن هذا يدل على نسق مفتوح، مفتوح على الناس، مفتوح على العالم، مفتوح على الآخر، فهذا ركن رابع من أركان الحب.
8- فإذا فعلنا ذلك فلابد من الصبر والمثابرة والاستمرار فإن (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) [متفق عليه] والصبر صفة تتحول إلى ملكة راسخة في النفس، والله يحب الصابرين أي أنه لا يحب الحائر المتردد الذي يبدأ العمل ثم يتركه، وهو الركن الخامس من الحب.
9- والعدل أساس الملك، ولذا فإن الله يحب العدل ويأمر به ويرشدنا إلى أنه قيمة مطلقة لا تتغير ولا تتبدل كما يراها بعض من عبد المصالح وأخرج الله من حياته، فأصبح بذلك ظالماً والله لا يحب الظالمين بل يحب المقسطين هل هذه الحقيقة أصبحت لدى بعض البشر محل نظر أو مناقشة ؟ يبدو من تصرفاتهم أنها أصبحت كذلك، فعلى هؤلاء أن يدركوا أن الحب قد فقد أحد أركانه إذا فقد العدل ولا حقيقة للشيء بدون ركنه.
10- فإذا أضل الناس أو قدر الله عليهم حرمانهم من نعمة الحب ودخلوا في غيره من الكراهية فعلينا ألا ننساق إليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تكونوا إمعة تقولون : إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا) [رواه الترمذي والطبراني في الكبير].
11- إن هذه الصفات هي التي تعد ناشر الخير والسلام، تعد المجاهد في سبيل الله : الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر الذي يريد أن يمنع الشر ويرفع الطغيان والعدوان، وحينئذ لا نجد المفسد الذي يدعي الإصلاح، ولا المرجف الذي يدعي الإسلام قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة :204-205]. ولا نجد من يلبس الحق بالباطل قال سبحانه : {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيـلاً} [الأحزاب :60-61].
(والترجمة الدقيقة لكلمة [Terrorism] هي كلمة [الإرجاف] في العربية، واسم الفاعل مرجف وجمعها المرجفون، وليس الإرهاب الذي هو بمعنى قوة الردع وليس الإفساد في الأرض، وهذا بالمناسبة من قبيل تحرير المصطلح).
هذا جانب من الحب وله جوانب أخرى.

د.على جمعة

نعمة الحياة

نعمة الحياة

خلق الله عز وجل لنا الحياة منة منه لنا‏,‏ فجملها وزينها‏,‏ استضافنا فيها فأكرمنا وأحيانا ورزقنا وهدانا‏,‏ والحياة بهذه الصفة هي هبة ربانية ومنحة صمدانية‏,‏ أرشدنا الله – سبحانه وتعالى- كيف نتعامل معها‏..‏ وكيف نتمتع بها‏,‏ أرشدنا – سبحانه وتعالى- لما فيه صلاح دنيانا‏..‏ كيف نضعها وما أولوياتها‏..‏ أمرنا الله ونهانا وبين لنا وثبتنا في كتابه وفي سنة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- فجعلنا لا ننسى نصيبنا منها‏,‏ وأمرنا بالتأمل والتفكر فيها‏, ‏وجعل ذلك من سمات عباد الرحمن الذين يذكرون الله كثيرا‏.
‏ ربنا – سبحانه وتعالى- يضع دستور ذلك كله فيقول‏: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ} [القصص‏:77].
‏ فالمسلم هو الذي يحب الحياة حبا حقيقيا‏,‏ يعرف قيمتها ويعرف منة ربه عليه بها‏,‏ ولا يتجاوز شأنها‏,‏ ولا يضعها في قمة اهتمامه فتحجبه عن الله‏,‏ المسلم هو الذي يدرك معنى الحياة‏..‏ وليس الذي يتعلق قلبه بالدنيا‏,‏ فحب الدنيا من الوهن‏..‏ وحب الحياة ينزع الوهن من القلب‏,‏ قالوا‏:‏ وما الوهن؟ قال – صلى الله عليه وآله وسلم-‏:‏ (حب الدنيا وكراهية الموت) ‏(سنن أبي داود‏),‏ فالمسلم يحب الحياة لكن لا يلهيه هذا الحب عن حب الحياة الآخرة فهي الحيوان‏,‏ وهي الحقيقة‏,‏ وفيها الخلود‏,‏ ونرجو فيها رضا الله –سبحانه وتعالى-حتى يدخلنا جنته وحتى يقينا عذابه وغضبه‏.
‏ المسلم هو الذي يحب الحياة وليس المفسد هو الذي يحب الحياة‏,‏ فالمفسد هو الذي يحب الشهوات {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ} [آل عمران‏:14],‏ ربنا - سبحانه وتعالى- يأمرنا بالنية الصالحة في كل ما نفعل‏,‏ سواء كان الذي نفعل راجعا إلينا أو راجعا إلى أهلنا‏,‏ أو راجعا إلى غيرنا‏,‏ أو راجعا إلى أقاربنا وجيراننا‏..‏ كل ذلك {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} [غافر‏:14].
قال - عليه الصلاة والسلام-‏:‏ ( إنما الأعمال بالنيات‏,‏ وإنما لكل امرئ ما نوى) ‏(صحيح البخاري ومسلم‏),‏ وقال‏:‏ ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في - يعني‏:‏ فم – امرأتك ‏(صحيح البخاري ومسلم‏),‏ وأخبر أن الإنسان يثاب حتى في شهوته التي يضعها في حلاله‏,‏ فقال‏:‏ ( وفي بضع أحدكم صدقة‏ ),‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال‏:‏ ( أرأيتم - يعني أخبروني - لو وضعهافي حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) ‏(صحيح مسلم‏).‏
خلق الله الخلق وأمرنا أن نتمتع به في حله ولذلك يقول – سبحانه وتعالى-‏: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف‏:31],‏ أمر ونهى‏, {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف‏:31‏ ـ‏32],‏ يعلمون الحق ولا يلبسونه بالباطل‏,‏ ولا يدجلون على الناس بأن المسلم يكره الحياة‏,‏ لأن المسلم في أصل عقيدته يرى الحياة منة من الله‏,‏ فهو يحب الحياة لحب الله‏,‏ لكنه لا يحب الفساد لأنه جل جلاله لا يحب المفسدين ‏{ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف‏:31]..‏ المسلم يحب الحياة لأنه لا يجد حجابا بينه وبين ربه‏,‏ ولا ينسى نصيبه من الدنيا فيتمتع بها وبطيباتها وبحلها كما أمره الله‏,‏ ولا يعدو فوق ذلك‏,‏ ويجعل كل تصرفه لله‏,‏ وقلبه معلق في حالة دائمة بالله‏,‏ فهو يفعل لله ويترك لله ويقوم لله ويقعد لله‏,‏ هذا هو المسلم الذي يحب الحياة‏.
أيها المسلم تمسك بهذه الآية الدستور وتأمل فيها وسر عليها‏: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ‏}..‏ ثانيا‏: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}..‏ ثالثا‏: {‏وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ}..‏ رابعا‏: {وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ},‏ ولا تطع أحدا من المفسدين‏,‏ ولا تعد عيناك عن المؤمنين‏,‏ فإن الله – سبحانه وتعالى-‏ يرضى عنك برضاه ويهديك بهدايته ويرحمك برحمته‏,‏ قال –سبحانه وتعالى- : {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة‏:10],‏ وقال‏: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج‏:77].
‏ وقد فرض الله – سبحانه وتعالى- علينا خمس صلوات في اليوم والليلة‏,‏ وليس هناك دين قد علق أتباعه قلوبهم بربهم كالإسلام‏,‏ فهم على صلواتهم دائمون‏,‏ وفي الصلاة أمرنا ربنا بالقراءة والركوع والسجود‏,‏ وأمرنا - وبين ذلك- أن نبتعد عن الفاحشة والمنكر‏,‏ وأن نلهج بذكره‏,‏ وأن نفعل الخير كله‏,‏ ولا يأمر دين أتباعه كما أمر الإسلام بذلك كله‏,‏ فقلب المسلم معلق بربه‏,‏ فالحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام التي قد منحها لنا من غير بحث‏,‏ ومن غير حول منا ولا قوة‏..‏ نجاك فاشكر الله‏,‏ وأول كلمة في الفاتحة {الحَمْدُ للهِ} [الفاتحة‏:2]‏ كلمة عجيبة غريبة‏,‏ وكأن كل الحمد إنما هو لله جل جلاله‏,‏ وكأنما جميع أجناسه إنما هو لله‏,‏ وكأنما هي كلمة جامعة تعبر عن منهج المسلم في الحياة‏,‏ فالحمد لله على نعمة الإسلام.

د.على جمعة

الحرب على النقاب

 

الحرب على النقاب

عاد الجدل على اشده مرة اخرى حول النقاب بعدما اصدر شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي قرارا يحظر النقاب في المدارس والمعاهد الأزهرية معتبرا أن النقاب عادة وليس عبادة.واشتدت الأزمة بعدما استغلت وزارة التعليم العالي قرار شيخ الأزهر وقررت هي الاخرى حظرا على النقاب في الجامعات والمدن الجامعية. وفجرت هذة القرارات موجة من الجدل بين من يرى احقية شيخ الأزهر في استصدار هذا القرار على اعتبار أن النقاب ليس من الدين كما افتى بذلك شيخ الأزهر وبين من يرى أن النقاب شريعة اسلامية في الأساس مهما اختُلف حولها وأنه من الواجب احترام حرية المنتقبات في ارتداء ما يحلو لهن.والغريب أن بعض من يرفض النقاب يرى نفسه حرا في رفضه كشكل وهيئة وكمعتقد .. فيما لا يرى أي حق للمنتقبات في اختيار ما يلبسن.والحقيقة أن قرارات شيخ الأزهر ومن بعده وزير التعليم العالي تذرعت بحجج واهية مثلما قال وزير التعليم العالي أن المجتمع لن يرحمه إذا حدثت أي حادثة بسبب النقاب.هناك من علماء المسلمين من قال ان النقاب واجب وبالتالي لا نستطيع ان ندعو المسلمات الى عدم ارتدائه لمجرد انه لا يعجبنا، فالأمر يتعدى كونه حرية شخصية الى كونه امرا شرعيا. قد نتفق أو نختلف مع نظرتنا نحو النقاب لكن هذا يجب أن يظل مجرد رأي شخصي لا يجب فرضه على احد. فمادام الأمر خلافيا لا يمكن فرض وجهة نظر دون الاخرى، فلماذا يرجح شيخ الأزهر الأراء التي تقول بأن النقاب ليس واجبا ويهمل الأراء الاخرى؟ فقد اختلف العلماء قديماً وحديثا في حكم النقاب على قولين:
الأول: يجب على المرأة ستر وجهها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه عورة، وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي. الثاني: استحباب النقاب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية - منذ زمن بعيد - أنه يجب على المرأة ستر وجهها عند خوف الفتنة بها أو عليها.ويقول العلامة يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: "أن أقل ما يمكن أن يقال في النقاب أنه جائز، وأن من قال بأن النقاب بدعة أو حرام فهو جاهل بأصول شريعة الله عز وجل". ولذا لا يمكن اعتباره عادة قديمة أو مخالف للشريعة وبالتالي منعه بقرار.
ويتبع القرضاوي بقوله: " الرأي الآخر الذي يقول بوجوب تغطية الوجه، قال به عدد من العلماء القدامى، وعدد من العلماء المعاصرين، ومن رأت أن تأخذ بهذا الرأي، وأن النقاب فريضة فلا يجوز لأحد أن ينكر عليها صنيعها، كما لا يجوز لها أن تنكر على من سترت جميع الجسد إلا وجهها".وكان الشيخ محمد سيد طنطاوي حينما كان مفتيا للديار المصرية يقول بأن المرأة من حقها أن تلبس النقاب كيفما تشاء فهذا من الكمال ولا أحد يستطيع أن يمنعها...ولما تولى منصب شيخ الأزهر قال بأنه عادة! ويرى الشيخ فرحات المنجي، وهو من علماء الأزهر، عدم فرضية النقاب شرعاً ولا النهي عنه أيضا، رافضاً استصدار أي فتوى أو قرار يمنع ارتداء النقاب إلا إذا صدر قرار يفرض ارتداء الحجاب "كما هو معمول به في إيران". وحتى لو ابتعدنا عن النقاب كأمر ديني ونظرنا اليه نظرة اخرى نجد أنه ليس من حق شخص أو دولة او حكومة او مفكر او جاهل . ليس من حق أحد ان يمنع أحد من ارتداء ما يراه مناسبا لعقيدته ورؤيته بناء على الدستور والقانون وحقوق الانسان. فالدستور المصرى ينص على:
- الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع
- تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
- المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
ومواد حقوق الانسان تنص على:
- لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة.
إن هذة الحرب المستعرة على النقاب ليست في الحقيقة سوى حرب على المحافظين أو الملتزمين من المسلمين، فمعركة النقاب اليوم قد تصبح غدا حربا على اللحية باعتبارها رمزا للتطرف وقد يخرج قائل فيقول أنها عادة عربية قديمة لا اصل لها في الدين!
أما إذا كان الغرض الحقيقي – كما يقول شيخ الأزهر – هو الحرب على "التطرف" ممثلا في النقاب فلماذا لا يحارب "التسيب" و"التفريط" ممثلا في التبرج وإذا كان بالإمكان إصدار قرار يفرض على الفتيات عدم ارتداء زي معين فلماذا لا نجبر الجميع على ذلك؟

لاستقامة

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى .
فإنه واجب على كل أحد أن يستقيم على دين الله تعالى .
ُسئل صديق الأمة وأعظمها استقامة؛ أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) عن الاستقامة فقال: ألا تشرك بالله شيئا.
وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ زوغان الثعالب.
وقال عثمان بن عفان (رضي الله عنه): استقاموا: أخلصوا العمل لله.
وقال عليٌّ، وابن عباس (رضي الله عنهم): استقاموا: أدوا الفرائض
أصل الاستقامة:
قال ابن رجب رحمه الله تعالى (جامع العلوم 193): "أصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، وقد فسر أبو بكر ( رضي الله عنه) الاستقامة في قوله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.
بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره؟
الأمر بالاستقامة:
قال تعالى: فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم. وقال تعالى: ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا). وقال تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). ثبت في المسند وسنن ابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال حط لنا رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ( وأِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ). وقال تعالى: ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه).والمعنى: فاسلكوا الطريق الموصل إليه، واطلبوا مغفرته.وأمر بها نبي الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد أخرّج الطبراني والحاكم من حديث عبد الله بنِ عمرو بن العاص ( رضي الله عنهما ): أنَّ معاذَ بن جبل أراد سفراً، فقال: يا رسولَ الله أوصني، قال: « اعبد الله، ولا تشرك به شيئاً ». قال: يا رسول الله زِدني. قال: « إذا أسأتَ فأحسنْ »، قال: يا رسول الله زدني. قال: ( استقم ولْتُحْسِنْ خلقك).وعن سفيان بن عبد الله الثقفي (رضي الله عنه) أنه قال: قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: ( قل آمنت بالله ثم استقم).
ثمرات الاستقامة:
الأجر الجزيل:
قال صلى الله عليه وسلم : « اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا » رواه مالك في الموطأ وابن ماجة.
الرزق الوفير:
قال مطرف: معناه ولن تحصوا مالكم من الأجر إن استقمتم.
الحفظ في الدنيا والآخرة، والبشارة عند الموت بعدم الخوف والحزن، والبشارة بالجنة.
قال تعالى: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم).
فكيف تتحقق الاستقامة؟
بالدعاء:
ونحن نقول في كل ركعة: ( اهدنا الصراط المستقيم ).
بالصبر على الطاعة:
قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا{ (آل عمران: 66-68).
بإتباع السنة:
قال تعالى: ( وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم).
بالإيمان:
قال تعالى: ( وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم).
بإتباع القرآن:
قال تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم).
أسأل الله أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يسددنا، ويوفقنا لكل خير. وصلى الله تعالى على نبيه الأمين.

جميع الحقوق محفوظة © الماسة