الرد على الحبشي

بسم الله الرحمن الرحيم
المــقــدمــة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضل فلا هاد له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

فقد تصدى للحبشي وطائفته جملة من أهل العلم لما رأوا ما في فتواه من الشذوذ والضلال وما في عقيدته من الزيغ والانحلال، حيث يستخدم الأحباش عصا غير المسلمين ويلوحون بها مهددين، ويتبعون غير سبيل المؤمنين، والخيانة والمكر بالمسلمين دينهم، والقرامطة والنصيريون أسوتهم وقدوتهم والنصارى حلفاؤهم، والحلولية طريقتهم، يتبعون سبيل كل فاجر وكافر، ويتنكبون طريق كل مؤمن على الطريقة الصحيحة سائر، فهم أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين. ولا ضير إن شاء الله من إعادة الرد، وقد تبدى لكل ذي بصيرة أن قد آن وقت الجد، لأن خطر هؤلاء قد عم واستشرى، وداؤهم استفحل مرات عشرا، فهل من بأس على من أراد فضحا لمذهبهم ونشرا ؟؟

ولست آلو جهدا في نهي من سلك مسلكهم، عن اتباع من صدهم الله عن السبيل وقدر مهلكهم، حتى لا يكونوا مثل الذين بين الله حالهم، وهتك محالهم: (وقالوا ربنا إننا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) وقال: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب). وأدعوهم إلى نبذ هذه الفرقة الضالة المضلة.

كما أننا نعلم أن غالبية المنتسبين إلى هذه الطائفة قد ضلل بهم إما عن طريق الصداقة أو عن طريق المصلحة أو عن طريق التقرب إلى العشيرة والقرابة العائلية والى هؤلاء نوجه هذا الكتاب قائلين لهم كان الأولى اتباع الحق والله أولى أن يخشوه، كما نكرر القول لهم بنبذ هذه الفرقة الضالة التي ثبت ضلالها ومروقها وثبت ذلك بتواتر الأخبار عنهم والنقول، وان في هذا الكتاب لدليلا على ما أقول، فإذا ما كان قارئة من أصحاب النفوس الأبية، ونزع ما في نفسه من الهوى والعصبية، فهو إن شاء الله من أولي البصائر معدود، فلا يَصُدَّنَّهُ عن إدراك ما فيه صدود. وقد كان الكثير من أصدقائي جزاهم الله كل خير يسألونني عن هذه الفرقة الحبشية، فكان جوابنا في البداية أنها فرقة بسيطة لا تقدم ولا تؤخر ولكن عند مراجعاتنا لكتب وإصدارات الشيخ عبد الرحمن دمشقية أخذنا نمحص الأمور ونتابع مزاعم هذه الفرقة فتأكد لنا ماهيتها ووضحت لنا أهدافها خاصة بعد أن وجدنا في إصداراتهم تكفير صريح لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ووجدنا كبيرهم الحبشي يتعقب شيخ الإسلام ابن تيمية فعمد إلى جيده فطواه والى بعض ضعيفه فرواه وانتقل بالهجوم إلى ابن القيم الجوزية والذهبي فكفر الجميع وانتقل إلى العصر الحديث فهاجم المصلح الإسلامي محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ونعته بأشد النعوت، ثم انقلب على علماء الإسلام فلم يترك سيد قطب ولا السيد سابق وكذلك الشيخ الشعراوي والقرضاوي وكذلك الشيخ البوطي وهاجم بمرارة الشيخ حسن خالد والشيخ ابن باز وهنا تبين حقيقة هذا الحبشي انه يهاجم رموز هذه الأمة فقلنا ماذا يبقى من الأمة إذا تم التشكك برموزها وعلماؤها المخلصين، هذا عدا تهجمه على الصحابة وتشكيكه بالكتاب والسنة وأحياؤه لمبدأ الجهمية بل وتنشيطه بعدما اندثر. والقول في هذه العجالة بان شفاء النفوس من سقمها وتخليصها من اكدارها لا يكون بالرجوع إلى أساليب فلسفية غير منتجة ولا مؤثرة وانما يكون بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأسلوب القرآن والسنة النبوية في الدعوة افضل الأساليب، ويتحقق بممارستها الشفاء والهدى والرشاد، وكل ما تصادم أو تعارض مع الكتاب والسنة الصحيحة المعتمدة من أقوال وآراء فلسفية وفذلكات كلامية فهو مردود غير مقبول وغير مأجور والله وراء القصد، وهذا رأي له أهميته ومغزاه لدى العلماء وطلاب العلم والدعاة.

وحاولت قدر جهدي أن أكون موضوعيا فأحضرت كتب الأحباش وعرضت مقولاتهم ومزاعمهم، وبينت الرد عليهم من الكتاب والسنة فليعذرني الاخوة إن قصرت واقول لهم إن حفظ حقوق التأليف والطبع قانون وضعي أما علوم الشريعة فلا يجوز احتكارها بل ونشجع على نشرها ابتغاء وجه الله قربة صالحة

واخيرا أقول اللهم ارحمنا وارحم والدي كما ربياني صغيرا.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب

كمال احمــد/ لاهــور

تـعريـف الحـبـشـي

ولد في مدينة هرر، وهي مدينة صومالية تقع في غرب الصومال، وكانت هذه المدينة قد احتلت من قبل الحبشة سنة 1304هـ – 1887م.

واسمه عبد الله بن محمد بوسف الشَّيبي، ولا أرى هذه النسبة إلا بالولاء، فبنو شيبة من بني عبد الدار، وهم من قريش، فما لهذا الحبشي وقريش، وما أكثر الأدعياء.

نشأ في الحبشة، وزعم إنه حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ عددا من المتون، وزعم أتباعه كعادتهم في الغلو فيه – أنه تفرد في أنحاء الحبشة والصومال بتفوقه على أقرانه في معرفة تراجم رجال الحديث وطبقاتهم، وحفظ المتون والتبحر في علوم السنه واللغة والتفسير والفرائض، وغير ذلك، حتى أنه لم يترك علما من العلوم الإسلامية المعروفة إلا وله فيه باع، ولذلك أجيز بالفتوى "بزعمهم" ورواية الحديث" وهو دون الثامنة عشره، وزعم انه أصبح مفتيا للصومال1، علما انه لا يوجد هذا المنصب في تلك البلاد.

وسبب نزوحه من بلده واستقراره في لبنان أنه كان مبغضا من أهل بلده حتى صار يلقب بـ"شيخ الفتنة" كما شهد بذلك بعض أقاربه، وذلك لمساهمته في فتنه كُلُب في بلاد هرر، بإيعاز من حكام الحبشة من أديس أبابا، حيث تعاون مع حاكمها أندارجي وهو من ألد أعداء المسلمين، وصهر هيلاسيلاسي ضد الجمعيات الإسلامية، وتسبب في إغلاق مدارس الجمعية الوطنية الإسلامية لتحفيظ القرآن، بمدينة هرر سنة 1367هـ، وصدر الحكم على مدير المدرسة إبراهيم حسن بالسجن مدة ثلاث وعشرين سنة مع النفي، وبالفعل تم نفيه إلى مقاطعة جوري طريدا سجينا وحيدا حتى قضى نحبه بعد سنوات قليلة، ثم انتهى الأمر بتسليم الدعاة والمشايخ إلى هيلاسيلاسي وإذلالهم فمنهم من فر إلى مصر ومنهم إلى الحجاز واستقروا بها.

وسبب هذا التعاون بين الحبشي وبين السلطة الحبشية ضد القائمين على مدارس تحفيظ القرآن: اتهامه لهم أنهم ينتمون إلى العقيدة الوهابية، فهو يحقد على أتباعها فاستعان بالكفرة عليهم.

وقد وصل إلى بيروت سنة 1369هـ، وظل فيها مغمورا كما هو مجهول النسب والتاريخ غير أنه انتسب إلى حركة فتح سنة 1976م، ثم اختفى مدة من الزمن ليعود شيخا وهاديا مبشرا !!

وقد سكن في المصيطبة ببيروت، وفي أواخر السبعينات بدأ بتدريس أصول عقديته لعدد من التلاميذ، كان من بينهم نزار الحلبي وسمير القاضي.

ويقول وليد عبد الباسط: إن الهرري بعدما قدم إلى بيروت وسكن أحد أحياء المصيطبة توجه بداية إلى مجموعات الأولاد التي تلهو في الشوارع بحيث كان يتطفل عليهم ويلعب معهم، وفي فترات الراحة كان يحدثهم عن الدين وتعاليمه.

ثم تكاثر الملتفون حوله وبالغوا في إعطائه أكثر مما يستحق، فهم يقدمون شيخهم إلى العوام على أنه العالم الجليل وقدوة المحققين، وأنه عدل على ما تقتضيه قواعد الجرح والتعديل، حتى زعموا بعد ذلك أنه من نسل فاطمة عليها السلام.

والمعروف أن هذا الحبشي لم يثن عليه أحد من أهل العلم من أهل السنة والجماعة المعتبرة أقوالهم، بل إنهم اتفقوا على تضليل هذا الشيخ "المزعوم" واتهموه بالكذب والانحراف عن منهج أهل السنة، فلا تنفعه شهادة اتباعه له، فيبقى هذا الحبشي في عُرف علماء الجرح... مجروح العدالة.

ولا يختلف اثنان من أولي الألباب أن مجيء الحبشي إلى لبنان من ساحل الشام أمر مدبر ومبيت من قبل، فهو ذو سوابق في إثارة الفتن وذو خبرة في صنع الضغائن والمحن.

ومما زاد في انتشار دعوته الضالة، الحرب التي وقعت في لبنان فانتهز هذه الفرصة وبرز من بين الأطلال والخرائب ينعب بالخراب، ومشى بين أشلاء القتلى كالغراب، فصاح في جهله الناس وعوامهم الذين ضعضعتهم الحرب، وحاق بهم الكرب، فاتبعته شرذمة منهم رأوا فيه منقذا من الضلال، غير منتبهين لما فيه من سيئ الخلال.

ولقد أثر في جهلة الناس تأثيرا بالغا وعمل الحكام على حماية هذه الفرقة الجديدة بطرق غير سديدة، وقووا نفوذها وضربوا كل من تصدى لها.

فلما رأوا أنهم ممنوعون، وأن الحكام عنهم يدافعون، تكاثر عددهم، وزاد نشاطهم حتى غدوا يمتلكون أكبر أجهزة أبحاث، ولهم مركز للمخطوطات، والمؤسسة الثقافية للخدمات، ومركز الأبحاث والخدمات، وجمعية المشاريع الإسلامية للخدمات، يقوم عليه كل من كمال الحوت وعماد الدين حيدر وعبد الله البارودي.

وبدأوا يحققون كتب التراث تحقيقا جهميا أشعريا، رائدهم في ذلك محمد زاهد الكوثري الجهمي، ويحيلون في تحقيقهم إلى اسم غريب لا يعرفه بله الطلبة الشداة، فيقولون مثلا: قال الحافظ العبدري في دليله.. تدليسا على الناس وكذبا حتى يظن من لا خبرة له أنه كالحافظ ابن حجر أو كالمزي والذهبي وهم يقصدون بذلك الحبشي.

وفي هذا من الكذب: أنهم جعلوا شيخهم قرشيا وهو حبشي، وجعلوه حافظا وهو زائغ، وأنهم أدرجوه مع الكبار وهو من الضلال الأصاغر.

الفقه الحبشي المزعوم

في هذا الباب نوجز مذهب الحبشي وما يعتقده مع ذكر لبعض آرائه الفقهية:

أنه يقدم علم الكلام على كل شئ، ويدعو أتباعه إلى الخوض فيه، مع علمه بذم السلف الصالح لهذا العلم، فهو يزعم أن علم كلامه سني وأنه شئ أخر غير علم الكلام الذي ذمه السلف من أئمة أهل السنة والجماعة كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك، وذلك خداع منه ليقبل الناس على كلامه بدعوى أنه علم كلام سني ! ويزعم أيضا أنه هو علم التوحيد !!

أنه يؤول صفات الله تعالى حتى يسير بها إلى التعطيل والجحد المحض، فهو في هذا من الجهمية المعطلة، الذين يفسرون اليد ويؤولونها بالقدرة، والقدم بقدم الصدق, والاستواء بالاستيلاء وغير ذلك.

وهذا الحبشي يجعل تأويله ضروريا، ويتهم مخالفة بأنه مشبه أو مجسم.

أنه جبري محض في مسائل القدر، يزعم أن الله هو الذي أعان الكافر على كفره وأنه لولا الله لما استطاع الكافر أن يكفر 2، وهذا هو نفس قول الجهمية الذين يقولون باضطرار العبد في فعله.

أنه في مسألة الإيمان من المرجئة الذين يؤخرون العمل عن الإيمان3، فعنده يظل الرجل مؤمنا وإن ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج وقال لا إله إلا الله ولو مرة واحدة في العمر.

أنه لا يقر بأن الله على كل شئ قدير، فهو يقول: "إن الله على غالب الأشياء قدير "4 وتولى كبر مسألة: هل الله قادر على نفسه.

إن هذه العقيدة تحمل في أثنائها بذور الإلحاد وجذور الزندقة.

أنه يقول بكلام الله النفسي، ولا يقر بأن القرآن كلام الله تعالى، فهو يزعم أن جبريل هو الذي أنشأ ألفاظ القرآن، بعد أن عبر عما في نفس الله وصاغه بكلام من عنده واحتج لذلك بقوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم)5.

فالقرآن عنده ليس كلام الله وإنما هو عبارة عن كلام الله، فنسب إلى ربه العجز عن الكلام، فتعالى الله الملك الحق عما يفتري الظالمون.

وبدعة الكلام النفسي هذه ابتدعها الأشعري وتقلدها من بعده من تقلدها.

أنه قبوري المعتقد عظامي النخلة، فهو يرى الاستغاثة بالقبور والتوجه إليها وطلب الحوائج من أصحابها، وأجاز التعوذ بغير الله تعالى كأن يقول المستعيذ "أعوذ بفلان"6، ويعتقد أن الأولياء يخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج من يستغيث بهم من الناس ثم يعودون إليها7. ويدعو إلى التبرك بالاحجار8. وزعم أن السجود للصنم كبيرة فقط وليس شركا9. فأساس معتقده هو الشرك الخالص.

أنه يميل إلى دين الرافضة، حتى إنه ليكثر من ذكر الفتن التي شجرت بين الصحابة، ثم ينصب نفسه قاضيا بينهم، متجانفا لإثم، مكفرا لبعضهم، وما أرسل عليهم حافظا.

ويكثر من التحذير من تكفير ساب الصحابة والشيخين على وجه الخصوص، وأن مذهب أهل الحق - بزعمه – أنه لا يكفر، وأنه لا يلتفت إلى من خالف هذا الرأي.

وهذه في الواقع دعوى باطنة وتوطئة لتكفير الصحابة الكرام إرضاء للروافض، ودعواه هذه إنما برزت في وقت بدأ الآخرون فيه بالجهر بسب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي ليست صدفة وإنما مؤامرة مقصودة مخطط لها.

أنه يكثر من سب معاوية ويجعله من أهل النار محتجا بما روي: (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) أي : عمار بن ياسر، فجعل معاوية من الدعاة إلى النار، ثم هو يأتي بالمنكر من الروايات التي تطعن في معاوية، ويدع الروايات الصحيحة التي تذكره بخير، فمن الروايات الطاعنة في معاوية التي استقاها من موارد الرافضة انه أوصى ابنه يزيد أن يقطع عبد الله بن الزبير إربا إربا إذا ظفر به، وأنه كان يتاجر بالأصنام إلى بلاد الهند.

أنه يدعو إلى القبول بحكم الفجرة على أي دين كانوا: نصيرية أم نصارى، بل إن من دينه ودين أتباعه تولى الذين كفروا، فهم جند لهم مخلصون، وأتباع موالون يدلون على عورات المسلمين، كالخونة الروافض الذين كانوا عونا للتتار حتى اجتاحوا بغداد واستباحوها، وكانوا عونا للصليبين ولكل عدو للإسلام والمسلمين.

أنه يقاوم الدعاة إلى تحكيم شرع الله والحكم بما أنزل الله، وقد وصف الذين يريدون إقامة دولة علمانية بأنهم أناس مسلمون ومؤمنون وأن مساعدتهم تجوز10. وأن المسلم الذي لا يحكم بشرع الله وإنما يتحاكم إلى الأحكام الوضعية التي تعارفها الناس فيما بينهم لكونها موافقة لأهواء الناس متداولة بين الدول أنه لا يجوز تكفيره)11.

وأن (من لم يحكم شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئا من فرائض الله ولا يجتنب شيئا من المحرمان لكنه قال ولو مرة في العمر: لا إله إلا الله فهذا مسلم مؤمن ويقال له أيضا مؤمن مذنب12.

ويرى أن الآية: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) خاصة اليهود13، وهذا هو نفس معتقد اليهود الذين كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ونفس دين (الذين جعلوا القران عضين).

أنه يرى أن الله تعالى خلق الكون وأرسل الرسل لا لحكمة، وأن من ربط فعلا من أفعال الله تعالى بالحكمة كأن يقول: إن الله خلقنا لحكمة أن ينسب إلى الله التعليل، وهذا في المعتقد الأشعري نقص لا يجوز وصفه به، وأن من زعم أن النار سبب الحرق والسكين سبب الذبح فهو مشرك قد جعل مع الله فاعلا آخر !!

أن دينه التكفير، فكأنما وقف الحبشي على شفير جهنم وأخذ يقذف الناس فيها، فكفر كثيرا من أهل السنة والعلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، ومن الجدد الألباني وابن باز وسيد قطب ومحمد بن عبد الوهاب والقرضاوي والشعراوي وغيرهم يريد تشكيك الأمة بعلمائها.

وفي الحديث الصحيح: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)14

أنه يكثر من تلفيق الأكاذيب بحق من يخالفه، كنسبه إلى ابن تيمية بالقول: أنه لا مانع من أن يكون نوع الخلق غير مخلوق لله، وأنه يكفر المتوسلين بالنبي صلى الله علية وسلم، ويعني: المستغيثين بغير الله، تحريفا منه، وأنه يعتقد أن الله شبيه بخلقه، مع أن ابن تيمية يكفر من يشبه الله بخلقه، ويزعم الحبشي أيضا أن ابن تيمية يعتقد أن الله ترك مكانا من عرشه ليجلس علية النبي صلى الله علية وسلم، وأنه قد حكم بكفر المخالفين له في مسألة الطلاق، مع أن ابن تيمية قال: إنهم مجتهدون معذورون مأجورون عند الله.

وزعم المفتري الحبشي أن ابن تيمية يقول بقدم العالم، وأنه يشبه الله بخلقه، وأنه يقول: إن النبي صلى الله علية وسلم ليس له جاه، وأنه ينسب الحركة إلى الله، وأنه يقول: إن نار جهنم تفنى، ووصف الحبشي ابن تيمية بأنه كذاب أفاك في دعواه أن السلف قالوا "إن الله ينزل ولا يخلو منه العرش"، وأنه قال: إن الله مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء، وأنه قال: إن الله بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر منه، وأنه طعن في علي بن أبي طالب وقال: إن حروبه أضرت بالمسلمين، وخلص إلى أن ابن تيمية يحرف القرآن وشيخ الإسلام ابن تيمية بريء مما يأفكون وسوف نفند كل هذه الأكاذيب لاحقا.

وصحح الحبشي رواية ابن بطوطة الكاذبة وهي أنه لما دخل ابن بطوطة دمشق رأى ابن تيمية جالسا على المنبر فنزل عنه، وقال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا وهذا سوف نوضحه إن شاء الله لاحقا.

أنه في علم الحديث صاحب هوى، فإن كان الحديث يتعارض مع مذهبه، ولا يتناسب مع طريقته في الكلام سارع إلى توهينه وحكم بضعفه، أو قال: إنه من أحاديث الآحاد وعنده أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها، فمضى في تعطيلها كما عطل صفات الله عز وجل.

وإن كان الحديث مؤيدا لمذهبه ساق فرحا به ولو كان موضوعا أو ضعيفا، وسكت عن علته وأخفاها ويستشهد ببعض الأحاديث الضعيفة.

يبدو ذلك في كتابه: "المولد النبوي" الذي أكثر فيه من الموضوعات الشنيعة والأكاذيب الرقيعة، وكتاب "صريح البيان" الذي فاق فيه الرافضة لكثرة ما طعن في الصحابة وخصوصا معاوية.

أنه يتلفظ هو وأتباعه بألفاظ نابية وعبارات بذيئة في حق الله عز وجل15، وهذا من علامات انحرافهم وعدم وجود خشية لله في قلوبهم أو تقوى في صدورهم.

ولا داع لذكر هذه الكلمات البذيئة، فإنهم شهروا بها وإن زعموا أن غايتهم من ذلك تبينها للناس لكي يحذروا منها، مع أن النفور من الكلام البذيء موجود في الفِطَرِ السليمة، فكيف إذا كانت هذه الألفاظ منسوبة إلى الله تعالى؟

وما أضمر امرؤ شيئا إلا ظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه.

أنه وهو يحارب أهل السنة والجماعة ويذكر أئمتهم الأعلام بسوء ويكفرهم كما فعل مع ابن تيمية، فقد اتخذه عدوا مبينا، وكفره في كثير من المواضع، وكما فعل مع غيره من الأئمة الذين استقاموا على الطريقة، نراه معظما لملاحده الصوفية(الاتحادية منها والحلولية) أمثال ابن عربي وابن الفارض، وللغارقين في الجدب أمثال الشعراني، وللقبوريين والواقعين في الشرك أمثال زيني دحلان وأبي الهدى الصيادي ويوسف النبهاني وغيرهم، ويثني كذلك على عبد الغني النابلسي المحترق في الصوفية(الاتحادية منها والحلولية).

أنه يبيح الربا، وهو مخالف لإجماع الأمة في ذلك، ومخالف لصريح مذهب الشافعي الذي شنع على من أفتى به16.

أنه يبيح للمسلم أن يسرق جيرانه إذا كانوا نصارى أو كفارا.

ويجيز لعب القمار مع الكفار، ويجيز اللعب باليانصيب.

ويجيز للمصلي أن يصلي متلبسا النجاسة ولو كانت من بول أو غائط الكلب سنوضح هذا لاحقا بالتفصيل.

وأفتى بجواز لبس الصليب على صدر المسلم إذا خاف على نفسه من أذى الكفار.

ويجيز تأخير الاستنجاء إلى ما بعد الوضوء !

ويحث على السجود للأصنام، فقد سئل عن رجل يسجد لصنم، ولكن ليس لقصد العبادة فقال: "لا يكفر"17.

ويعتقد أن من رأى الرسول صلى الله علية وسلم في المنام فسيراه حقيقة في اليقظة ولو عند الموت، فقد سئل عن رجل رأى رسول الله علية وسلم في المنام فقال: "بشراه بأنه لا بد أن يرى النبي صلى الله علية وسلم حقيقة في اليقظة ولو عند الموت"18.

ويترتب على من رآه في اليقظة أن يكون صحابيا، وهذا باطل شرعا وبالفطرة.

ويشجع الناس على شتم الدهر، فقد سئل عن رجل يسب الدهر فقال: "ما علية شيء" فقال له السائل: فما معنى الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر"19 فقال: "أي أنا المتصرف في الكون لا أحد غيري يسيره"20

يدعو إلى الشك في صحبة من هم دون أبي بكر، كعمر وعثمان وعلي وغيرهم بقوله: "من أنكر صحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يكفر، أما من أنكر صحبة عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة فلا يكفر"21.

يجيز التداوي بالخمر.

يجيز دخول الحمامات العامة وكشف العورات.

يبيح للمرأة الخروج من بيتها منى شاءت.

يحرص على نشر الرذيلة ومساوئ الأخلاق بين النساء ومحارمهن من الرجال كالأخ والعم والخال وغيرهم حيث أباح لهؤلاء أن ينظروا إلى ثدييها وبطنها وفخذيها، ويشجع النساء على أن ينظرن إلى هذه المواضع منهن زاعما أن مقدار عورة المرأة مع النساء ومع محارمها من الرجال ما بين السرة إلى الركبة فقط. وإن الذين يقولون إن ما فوق السرة كذلك عورة فهذا القول ضعيف"22.

سئل عن رجل قال: أنا ملك من السماء، فقال الحبشي: يكفر وسئل عن إنسان يسب دين الرجل المسلم فقال: "إن كان يقصد سيرته لا يكفر"23.

يرى أن كل المسلمين على ضلال ما لم يعتقدوا عقيدته الزائفة، ولو صلوا وصاموا وفعلوا كل ما أمرهم الله به واجتنبوا كل ما نهاهم الله عنه ليسوا على شيء من الدين حتى يعتقدوا ضلاله، وقد سئل عن هذا فقال: "لاحظ له من الأجر قبل أن يهتدي إلى العقيدة الحقه"24 أي عقيدة الحبشي.

أنه يكثر الطعن في أئمة أهل السنة والجماعة كابن تيميه وغيره، كالإمام الذهبي، فهو يصفه بأنه خبيث، فقال: " وإذا قيل عنه خبيث فهو في محله"، ويصف محمد بن عبد الوهاب بأنه مجرم قاتل كافر25، وزعم أنه كان يعرض بالنبوة كل من يصلي على النبي صلى الله علية مسلم، وأن سيدا السابق مجوسي كافر وإن زعم أنه مسلم26، وسيد قطب من كبار الخوارج الكفرة، وانه كان صحفيا ماركسيا27.

يدافع عمن ثبت إلحاده في دين الله، وكتبه تشهد له بكفر مبتدع لم تقله اليهود ولا النصارى، والذي شهد العز بن عبد السلام وأبو حيان وابن حجر28 بضلاله وزندقته، وتصريحه بوحدة الوجود، والذي شحن كتبه بتأويلات القرامطة الباطنية وترهات الفلاسفة الإلحادية.

أنه يثني على عبد الغني النابلسي المتحمس لعقيدة ابن عربي وابن الفارض في وحدة الوجود وفي الاتحاد، وكان يصرح بأن هناك عوالم كثيرة في كل منها محمد مثل محمدكم، وإبراهيم مثل إبراهيمكم وعيسى مثل عيساكم29

يدافع عن يوسف النبهاني القاضي الذي كان يقضي بين الناس بأحكام القانون الفرنسي ويتظاهر مع ذلك بمحبة النبي صلى الله علية وسلم، وإنما هي محبة فيها غلو شديد ما أنزل الله بها من سلطان كما كان يتغنى بذكر الأولياء والكرامات، ومن عجائبه ما ذكر فيه : قصة الشيخ علي العمري الذي كان من كراماته أنه يخرج ذكره بيديه ويضعه على كتفه ويضرب به الناس وسوف نحقق هذا في موضع آخر داخل هذا الكتاب.

يثني على الباطنيين والقرامطة وغيرهم، وهو وأتباعه عين لهم على المسلمين، يدلونهم على عوراتهم، ويتزلفون للطواغيت ويعادون المؤمنين، كفعل الروافض أيام الصليبين والتتار، وكفعل الحلولية وموقفهم المخزي من التتار، فهم أذله على الكافرين أعزة على المؤمنين.

يجيز الاحتيال على الدين والتحاليل فيه، وفتاواه في ذلك كثيرة مبثوثة في كتبه وأشرطته مثل فتواه بتحريم شراء الكتب المخالفة للشرع، غير أنه أجاز بامتلاكها بطريق الحيلة، كأن يعطي المشتري صاحب الكتاب هدية مالية، فيمنحه صاحب الكتاب هدية أيضا30، وكذلك مسألة السبيرتو31، وفتواه في التخلف عن صلاة الجمعة باستعمال الثوم والبصل، وفتواه في تحريم الأموال المسروقة لتصير بالحيلة إلى مال حلال سائغ أكله.

يزعم أن النظرة الأولى للمرأة لا تحرم وإن دامت وطالت لا شيء فيها32 ! وأنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متى شاءت بغير رضا زوجها إذا كان لتعلم الدين قائلا: "تخرج بغير رضاه"33، ويجيز لها أن تخرج متعطرة وأن تتزين للناظرين34 إن كانت تفعل ذلك لمجرد الفرح بشبابها35. وأجاز الاختلاط بها36.

وأن يكلمها الرجل الغريب ولو من غير حاجة37، وأن يصافحها إذا كان ذلك بحائل.

وهم يفعلون ما يفعله الرفاعيون من ضرب بالشيش، وإدخال السفافيد الحديد في الأحناك والفم بدعوى الكرامة وما هي إلا استمتاع بالشياطين.

أثار هذا الضال وأتباعه فتنه تغيير القبلة في أمريكا وكندا، وحرفوا جهة القبلة 90 درجة، ثم صارت لهم مساجدهم الخاصة، وصاروا يتوجهون في صلاتهم إلى عكس الجهة التي يصلي إليها المسلمون في تلك الديار، ولم يقتنعوا أن الأرض كروية بل رأوا أنها منبسطة مسطحة مثلما ظنها البابا من قبل، ثم اعتبروها نصف كروية على شكل نصف برتقالة، ويضايقون في لبنان على المصلين يزعمون أن الانحراف إلى الشمال قليلا أصوب، لأن اتجاه القبلة منحرف حتى في لبنان، حتى صار شيخهم الفلكي الأوحد لكثرة تعصبهم له وهوسهم به حتى إنهم لا يجرؤن على مجرد مناقشة أقواله، وإن هم لم يصرحوا بعصمته بلسان المقال، فإنهم يطبقون ذلك فعلا بلسان الحال.

يصر أتباع الضال على إسماع أنفسهم القراءة في الصلاة لانغماسهم في الوسوسة ويترتب على هذا الفعل المنهي عنه مفاسد كثيرة، والرسول صلى الله علية وسلم قال: " لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن".

ومن أكاذيب شيخهم أنه زعم أنه يمتلك خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يظهره للعامة فينكبون عليه مقبلين.

الأحباش من اتباع هذا الضال لا يصلون وراء أئمة المساجد من أهل السنة والجماعة وينتظرون فراغ الإمام من الصلاة، ثم يقيمون جماعة أخرى.

ومعلوم أنه لا تجوز صلاة النافلة إذا أقيمت صلاة الفريضة، وهؤلاء إنما هم دعاة إلى الشقاق والفتنة المعروفة تاريخيا عن الحبشي، فمتى كان خطيب الجمعة يقاطع وهو يخطب ويشوش عليه، هذا ما فعلوه كثيرا، وقد فعلوا ذلك مع مفتي لبنان حسن خالد، كفروه وهو يخطب الجمعة على المنبر.

بل إنهم يضربون أئمة المساجد ويتطاولون عليهم، ويرغمونهم قسرا على السماح لهم بإلقاء الدروس في المسجد، وإذا رفضوا يطردونهم منه، وإذا أعطى الشيخ السني درسا رأيتهم يرفعون من أصواتهم عمدا لكي لا يتمكن من التدريس مع حصول تشويشهم.

بل لقد بلغ بهم الأمر إلى إطلاق النار في المساجد وبالغوا في أذى الناس من شتم وضرب وإهانة حتى نفروا عباد الله من حضور المساجد.

وقد فصلت مجلة الشراع اللبنانية ذلك فذكرت تقريرا بعنوان " الصراع على المساجد في لبنان" أشارت فيه إلى حوادث عديدة قام بها الأحباش في المساجد من ضرب بالأيدي وطعن بالسكاكين وإطلاق النار في بعض الأحيان، مما أدى إلى إرهاب المصلين وإلى إغلاق بعض المساجد38.

للأحباش فرقة كبيرة يرأسها الموسيقار شماعة يتقربون إلى الله بالدف والرقص، الذي يجتمع عليه المتبرجات من النساء المختلطات بالرجال يصفقن للإيقاعات الموسيقية " يزعمون أنها إسلامية !!" ثم صارت هذه الفرقة وسيلة للتقرب من الحكام وليس إلى الله عز وجل، وهذا هو الهدف الذي أنشئت هذه الفرقة من أجله: التغني.. بالحكام.

رفع العتب في تبيان ما ألف الحبشي وما كتب

صدرت للحبشي كتب عديدة وجميع كتبه محتواها لا يوافق غلافها منها:

إظهار العقيدة السنية شرح الطحاوية، وفيه يصرح بأن القرآن هو كلام جبريل وعبارته مستدلا بقوله: (إنه لقول رسول كريم)39.

وفيه أن" قوله تعالى: (إن الله على كل شئ قدير) تعني أن الله على غالب الأشياء قدير"40. أن كونه على كل شئ قدير مجاز وليس بحقيقة، وصرح بكفر من يقول: إن الله يتكلم بصوت، مع تصريح الأجلة من أئمة السلف أن الله يتكلم بصوت كأحمد والبخاري وغيرهما.

بغية الطالب في معرفة العلم الديني الواجب. زعم أتباع الحبشي أنه من تأليف شيخهم وهو من تأليف عبد الله بن عيسى الحضرمي. ويشتمل على طامات وعجائب، من ذلك أن من يملك ألوف الألوف من العملة الورقية فلا زكاة عليه، وأن الزكاة لا تجوز إلا في الذهب والفضة، وفيه تعليم الحيل في الدين، وفيه جواز أن يصلي المصلي وهو متلطخ بالبول والعذرة بدعوى التيسير على العباد، وفيه تجويز خروج المرأة متزينة متعطرة (لتفرح بشبابها..) ولو بغير إذن زوجها.

التعقب الحثيث: رد فيه على الشيخ الألباني وكفره لأنه يقول ببدعة السبحة.

الدليل القويم على الصراط المستقيم، فيه يكفر ابن تيمية ويزعم أنه يقول: (إنه لا مانع من أن يكون نوع العالم مخلوقا لغير الله)، ويجيز فيه الاستغاثة بالأموات، وكل من هو دون الله وأجاز أن يستعيذ الإنسان بغير الله، وأن من يقول العرش بالرحمن أفضل ممن يقول: (الرحمن على العرش استوى) فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وهو يسلك طرق الجهمية والمعتزلة في هذا الكتاب مع قوله بأنهم أعداؤه.

صريح البيان، وهو كتاب يحتوي على الشاذ من الأقوال من جواز أكل الربا من الكفار الحربيين، وجواز خروج المرأة من بيتها متزينة متعطرة تعبق ريحها، وأنه يجوز للرجل أن ينظر إليها ويختلط بها ويصافحها ويجالسها، وينهى عن تسمية مفاخذة المرأة الأجنبية بالزنا41، وما ورد في الحديث أن العين تزني يقول زاعما هذا من باب المجاز.

وفيه سب لمعاوية وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، وفيه يحتج بروايات لوط بن يحيى أبي مخنف وسعيد الضبي وغيرهم من الشيعة الذين أكثر الطبري من الرواية عنهم في تاريخه. وزعم أن معاوية ومن معه يرتكبون الكبائر، وأنه كان يتاجر بالأصنام ويبيعها إلى الهند وكل هذا مرضاة للشيعة.

المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية: حكم فيه بكفره وزيغه وادعى أن كان يسب عليا وأنه يقول في النبي صلى الله عليه وسلم: ليس له جاه، وأن زيارة قبره معصية، وأن نار جهنم تفنى وأن الله بنفس حجم عرشه لا أكبر ولا أصغر، وزعم أن أحد الصالحين كشف عن قبر ابن تيمية فوجد ثعبانا جاثما على صدره وتجرأ الحبشي حتى بتكفير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

المولد النبوي، وفيه يروي أكاذيب وخرافات لا يصدقها ذو مسكة من عقل منها: زعمه أن الملائكة اعترضت على الله وضجت لأنه أمات أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وبقي يتيما، فقال الله لهم: اسكتوا أيها الملائكة … وغير ذلك من الطامات والعظائم.

النهج السوي في الرد على سيد قطب وتابعه فيصل مولوي. في هذا الكتاب يحكم بكفر سيد قطب لقوله إن من احتكم إلى غير شريعة الله فهو كافر. وفيه يحكم بكفر الشيخ المولوي الطرابلسي ويرد على فتواه في النهي عن اقتناء التلفزيون وعن الاختلاط بالنساء، وعن السفر إلى بلاد المشركين من غير ضرورة، وعن النظر إلى المرأة الأجنبية.

ثم يزعم الحبشي بالقول: (انظروا كيف يحرف هذا الرجل دين الله؟)

كتب ومؤلفات لاتباع الحبشي

الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية - طبع عالم الكتب - جمعه ولفقه كمال الحوت باسم: كمال أبو المنى، حين كان يعمل في عالم الكتب، وطرد منها بسبب تصرفه في نصوص بعض المؤلفين بشهادة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة.

التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني.

وهو نفس الرسائل السبكية لكنه عدل في مقدمته قليلا.

بهجة النظر: وهو أسئلة فقهية وأجوبتها.

المؤلفات والردود الإسلامية على الحبشي

الرد على عبد الله الحبشي للشيخ عثمان الصافي.

الحبشي: شذوذه وأخطاؤه لعبد الرحمن دمشقية.

الرد على عبد الله الحبشي لعبد الرحمن دمشقية.

شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية.

استواء الله على العرش: لأسامة القصاص.

الاستواء بين التنـزيه والتشويه: للأستاذ عوض منصور.

إطلاق الأعنة في الكشف عن مخالفات الحبشي للكتاب والسنة للشيخ الهاشمي.

رسالة في الرد على الحبشي في موضوع إعانة الله للكافرين على الكفر: لعدنان ياسين النقشبندي، وهي رد على رسالة الحبشي: "إعانة الكافرين على كفرهم" وغير ذلك.

القول الناسخ في الحبشي بأنه في العلم راسخ

ادعى الحبشي أنه من الراسخين في العلم وكرر ذلك أتباعه المضلل بهم، وفي هذا ما فيه من الكذب والغرور والغلو والتبجح الذي ينافي حقيقة الحال.

فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الراسخون في العلم حقا لم يكن أحدهم ليقول إني من الراسخين في العلم، لما يعلمه من أن قائل هذا القول سينسب إلى الغرور والجفاء والتعالي والتعالم.

فليس من المأثور عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد ابن ثابت وأبي هريرة وأبي بن كعب ومعاذ وأبي موسى وأبي سعيد أن أحدا قال منهم أني من الراسخين في العلم.

ولا قال ذلك موسى عليه السلام حين سئل عن أعلم أهل الأرض. والحبشي يوهمه شيطانه أنه من الراسخين في العلم فيصدق. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) وقالت: "كان من رسوخهم في العلم أن أمنوا بمحكمه ومتشابهه ولم يعلموا تأويله"42

وعن أبي نهيك الأسدي أنه قال: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، "إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة، وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوه"43

وعن طاووس اليماني قال: كان ابن عباس يقول: "وما يعلم تأويله إلا الله. ويقول الراسخون في العلم آمنا به"44. وعن مالك بن أنس في قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله" قال: ثم ابتدأ: "والراسخون في العلم يقولون آمنا به"، وقال مالك: "وليس يعلمون تأويله"45 وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"، "إن الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا".

فالثابت أن أحدا من الخلق لا يعلم تأويله إلا الله، والمقصود بالتأويل ها هنا تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وكيفية الغيب، كالذي أعده الله لعباده الصالحين في الجنة، لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر، فذاك الذي أخبر به لا يعلمه إلا الله، فهذا النوع الأول. والنوع الثاني من التأويل الذي يكون بمعنى التفسير.

والنوع الثالث هو تأويل أهل الكلام والجدل من الجهمية وغيرهم الذين يقولون: إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله وأن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها، فأولوا اليد بالقدرة والاستواء بالاستيلاء وغير ذلك.

ولما رأى الحبشي في هذا النوع الثالث متمكنا له – أي بالتأويل الذي هو صرف النصوص عن ظواهرها، وحسب الآية متصلة ‍‍‍‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‍‍بجهالة ! فما الذي يمنع أن يكون من الراسخين في العلم ؟؟

فارتكب بهذا أخطاء جسيمة كل خطأ أعظم مما يليه، ولا يخرج من واهية حتى يقع في أشد منها، وذلك لانحرافه عن منهج أهل السنة والجماعة واتباعه الفتنة منهجا.

فالأول : أخذه بمنهج التأويل الباطل المظنون.

والثاني : زعمه أن هذا التأويل هو ما أراده الله على الحقيقة.

والثالث: ‍‍‍قال الله (وما يعلم تأويله إلا الله) فيرد الحبشي قائلا: أنا أعلم تأويله.

والرابع:زعم زورا أنه من الراسخين في العلم.

وهو إنما يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل كتاب الله تعالى وإن الراسخين في العلم لم ينفوا صفات الله ولم يؤولوها تعطيلا لها بل آمنوا بمحكمه ومتشابهه.

أفيكون من الراسخين في العلم من يؤول الاستواء بالاستيلاء، وهذا مالك أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله: (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى، فقال مالك قولته المشهورة التي قبلتها الأمة وأجمعت عليها والسؤال عنه بدعة (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب).

أما قول الحبشي: "يجوز تأويل صفات الله لأجل صرف العامة عن الجسمية" فهو مخالف لقول مالك وإجماع الأمة.

أفيكون راسخ في العلم منحرفا عن إجماع الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"؟

والعامة الذين يسلمون بهذه الآيات والأحاديث ويؤمنون بها كما جاءت لا يشبهون ولا يعطلون فهم الراسخون المهتدون.

ومن قال لك: إن العامة تتوهم الجسمية، وما أرى هذا إلا شيطانا ألقاه على فيه هذا الحبشي فصار يتوهم ذلك.

قال السيوطي:"وأما الغالبية من الصحابة والتابعين وأتباعهم خصوصا أهل السنة فذهبوا إلى أنه لا يعلم تأويله إلا الله، ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة"46. نعم هذا هو حال الحبشي وأتباعه: زائغون ومبتغو فتنة " أما حبشيهم فهو من الراسخين في الجهل وإشعال الفتن على المسلمين.

زبده الأفكار في الرد على من طريقه الفتنة والاستنكار

لما أفتى الشيخ فيصل المولوي بتحريم اقتناء المرناء (وهو التلفاز) ضاق الحبشي بهذه الفتوى ذرعا وقال: "فعلى هذا ما سلم بيت من بيوت المسلمين تقريبا من الحرمة والمعصية"47 وكذلك لم يحتمل فتواه في التحدث مع البنات من أجل الدعوة إلى الإسلام وأنه لا يجوز لأن حجة تبيلغ الدعوة للنساء مدخل كبير من مداخل الشيطان، فعقب الحبشي على ذلك بقوله: "وهذا الكلام مخالف لدين الله". ثم أخذ يسوق ما يثبت بزعمه جواز الاختلاط، ثم قال: "وهذا يبطل قول فيصل المولوي أن المرأة إذا تعلمت قيادة السيارة من رجل أجنبي مع وجود محرم لها أو رفيقة لا تسلم من الإثم لكن أقل ذنبا بكثير من عدم وجود محرم ويبطل ادعاءه – أي المولوي – أن على المرأة أن تتعلم في مدارس النساء"48.

واستنكر فتوى المولوي أنه ينهي عن السفر إلى بلاد المشركين إلا لضرورة ماسة، كطلب علم ونحوه، فقال الحبشي: " أي آيه أو حديث شرعي فيه ما ادعاه المولوي من هذا الحكم؟ فانظروا إلى هذا الحبشي كيف حرف دين الله"49.

وأنكر عليه فتواه بحرمة النظر إلى المرأة الأجنبية سواء بشهوة أو بدون شهوة لنهي الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، فقال الحبشي: "فالعجب من رجل تزيا بزي أهل العلم وتصدر بمنصب قاض يفتي للناس، فأنا نطالبه أن يظهر دليلا"50. فإنكاره الأول يرد عليه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب أو صورة"51، والثاني وقد سبق الكلام لنا فيه، والثالث نرد عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لقد برئت ذمة الله ممن أقام بين المشركين بين ظهرانيهم"52، والرابع آيات الأمر بالغض من الأبصار؛اما قرأت هذا يا حبشي.

عــجــائــب الفتاوى للحبشي
بيان المحذور لمن تكلم في الصلاة بالنذور

يقول الحبشي ببطلان الصلاة لمن تلفظ بحرف زائد عن الصلاة بطريقة عفوية كأن يقول "أي" أو "أو" أو "آه"، كمن يشكو من وجع، أو يحس بألم فجأة فيقولها بغير قصد، وهذا لا يبطل الصلاة عند أهل السنة والجماعة ولكن الحبشي يبطلها53.

ومع هذا التشدد نراه يتهاون في ناحية أخرى، فيقول بعد هذا الكلام: "ولا تبطل الصلاة بالكلام الذي هو نذر، فلو قال:نذرت لله أن أصوم الخميس لم تفسد صلاته"54. وهذا مخالف لقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) [البقرة: 238]، ومخالف لقول النبي صلى الله علية وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"55.

الثــورة على من أجــاز كشــف العــورة

وزعم الحبشي أنه "يجوز دخول الحمام العام ولو كان فيه كشف العورات، ويحفظ بصره ولا يلزم الإنكار إلا في السوأتين، وأنه لا ينكر على من يصلي بالكلسون فقط"، فلو صلى رجل وجسده مكشوف كله إلا السوءتين فصلاته عند الحبشي صحيحة، هذا مع فتواه بأن الفخذ عوره"56 بينما صرح بأن "الفخذ ليس بعورة"57 في مكان آخر فتناقض مع نفسه سبحان الله فغدا مريديه لا يعرفون اهو عورة أم لا.

والصواب أن هذا من كلام رسول الله صلى الله علية وسلم، فقد قال لرجل: "غط فخذك فإن الفخذ عوره"58، ولكن هذا الحبشي لا يقر له قرار، فهو كما قيل:

يوما يمانٍ إذا لاقيت ذا يَمَنٍ وإن لقيت مَعَدِّياً فعدناني

فتواه في إتيان الخنثى الذي هو لا ذكر ولا أنثى

أفتى الحبشي بأن إتيان الخنثى الذي لم يتبين كونه ذكراً أم أنثى في رمضان لا يفطر لوجود آلتين فيه لم يتبين أيهما الأصل فيه، أما الخنثى الذي اتضحت ذكورته أو أنوثته فإن الجماع في أحد قبليه مفطر59.

وتابع قائلا: "إن جومعت الخنثى الواضح بآلته الزائدة لا يفطر" أي أنه إذا ثبتت خنثته فإن إتيانه لا ينقض الصوم، ويلزم من كلامه أن اللواط غير مفسد للصوم لأن مؤخرة الخنثى تعتبر عنده آله زائدة وليست أصلية.

وفتواه هذه التي يتبجح بها أتباعه إنما استمدها من شياطينه الذين يوحون إليه بفتواه لأنه لا سابقة لهذه الفتاوى إلا من الشياطين.

وفتوى حبشية في تأخير زكاة الفطر

قال بلال الحميصي أحد أتباع الحبشي في زكاة الفطر أنها "يحب أداؤها قبل غروب شمس يوم العيد"60.

فمن أين أتى بهذا وقد أجمع العلماء على أن زكاة الفطر إنما تجب قبل صلاة العيد، واتفقوا على حرمة إخراجها بعد الصلاة مع اختلافهم في أنها تجزئ أم لا، والصواب أنها لا تجزئ، وأنها تعد حينئذ صدقة من الصدقات، وكذا قرر ابن حزم وغيره من علماء الملة الاسلامية، فإذن يعتبر قول هذا الجاهل المتحبش ضربا من اللغو.

والحكمة من زكاة الفطر كما ذكر العلماء أن يكفى من يتصدى للسؤال في ذلك اليوم أي في نهار العيد، فلا يتسولون، فإذا أخرت زكاة الفطر إلى مغيب الشمس انتفت تلك الحكمة.

الدمار على محلل القمار

أجاز الحبشي للمرء المسلم "أن يلعب بالقمار مع الكافر وأجاز له سلب أمواله"61 ولا يجيز هذا مع قول الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) [المائدة19].

فما بال هذا يجيز الرجس ويقر التلبس به، فهو إذ يجيز القمار مع الكافر يبيح أخذ الربا من الكافر والزنا بالكافرات … هلم جرا فهو كالذين ذكرهم الله تعالى فقال: (الذين جعلوا القرآن عضين) [الحجر91].

فهل يوجد في العقل الصريح آكل للربا من غير أن يوكله أو لاعب بالقمار لا يخسر؟ ولو افترضنا وجوده، فكيف حل القمار والربا والزنا مع إجماع المسلمين قاطبة على تحريمها ؟

فتوى الحبشي للحث على الكسل وترك العمل

ويرى الحبشي أن لا غبار على من ترك العمل تكاسلا وهو يقدر عليه فقال:"لو ترك الشخص العمل وهو قادر عليه غير معتمد على السؤال من شخص معين أو على التسول بل كان غير متعرض لذلك واثقا بربه أنه يسوق إليه رزقه فلا إثم عليه"63.

ولا أدري كيف يسوق إليه رزقه وهو متنصل من أسباب الرزق، نعم يسوق إليه رزقه ولكن بالذل وببذل ماء الوجه، وقد قال عمر بن الخطاب:"يقعد أحدكم عن طلب الرزق وقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة" وخير من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع ويأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس"64.

الرد على من خالف في تعيين ليلة القدر

من عادة الأحباش المخالفة في كل شيء، فلو قيل لهم: إن الشمس تشرق من جهة الشرق لقالوا :تشرق من جهة الغرب، فقد أجمع المسلمون في جميع أقطارهم وفي كافة أعصارهم على أن التماس ليلة القدر إنما يكون في العشر الأواخر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر، فإني قد رأيتها فنسيتها"65 وهذا الحديث في حكم المتواتر، فقد روي اللفظ الأول منه عن ابن عمر وأبي بكرة وأبن عباس وأبي سعيد الخدري وجابر بن سمرة وغيرهم.

ومع هذا فقد أفتى المدعو إبراهيم الشافعي أحد ضُلاَّلهم بغير هذا فقال:"إن الصحيح من الأقوال في التماس ليلة القدر أنها تلتمس في ليلة الرابع والعشرين من رمضان"66، هذا مع أن إجماع الأمة الإسلامية على غير ذلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من كان متـحريها فليتحرها في السبع الأواخر"67. وفي رواية:"من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين"68. وفي لفظ "التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين"69.

وفي رواية صحيحة:"التمسوها في العشر الأواخر، في تسع تبقين أو سبع تبقين، أو خمس تبقين أو ثلاث تبقين أو آخر ليلة"70.

وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها تكون في وتر، فما بال هذا الشافعي المتحبش قد جعلها في شفع؟.

إرشاد الأنام في دحض قول من قال بإمكانية رؤية النبي في غير المنام

سئل الحبشي عمن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقال:"بشرا إنه لا بد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم ولو عند الموت"71.

وهذا القول مخالف لما أجمع عليه أئمة أهل السنة والجماعة من أنه لن يره صلى الله عليه وسلم أحد يقظة، كما بين ذلك ابن حجر العسقلاني إذ نقل عن القرطبي صاحب "المفهم" أنه "يلزم منه بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، وأن يخلو قبره من جسده، وأن يزار مجرد القبر وسلم على غائب". وقال:"وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل"72.

التنفير من المسارعة في التكفير

سئل هذا الحبشي عمن يقول في الشيء الغالي الثمن:"هذا سرقة" فقال:"إن قال هذا عن المغالاة الفاحشة في الثمن من باب التشبيه لا يكون في ذلك ردة، وأما من يقول هذه سرقة من غير مغالاة للثمن لمجرد أنه ما وافق هواه فهذا كفر !!!"73.

فانظر إلى ألفاظ الردة والكفر التي يستعملها الرجل في غير مواضعها.

فتوى الحبشي في تعلم الاحتيال

قال الحبشي لمن أراد شراء الاسبرتو للتداوي، وشراؤه حرام عندهم ولو كان بغرض التداوي، فأجاز أن يحتال المشتري فيقول للبائع:"بعني هذه القنينة بكذا، ليس الاسبرتو الذي فيها فإني آخذه من غير مقابل بهذا المبلغ وإنما هو ثمن القنينة" وقال:"وهذه حيلة يراد بها التخلص من الحرام"73.

فتأمل هذا المفتي الذي لا يرعوي، والإشفاق لحال الذين يستفتونه ويتبعونه.

الاضطهاد للمثبط عن الجهاد

ساق الحبشي حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها"74 ثم قال:"وواقعنا اليوم مصداق للحديث فإن ما عندنا من السلاح اليوم لا يبلغ عُشر عُشر ما عندهم، ففي هذه الحال ليس فرضا علينا أن نجاهد بالسلاح"75.

نقول: فبأي شيء تجاهد؟ وهذا عنده أن يترك العدو ينتهك الحرمات ويغتصب الديار ولا يجاهد بالسلاح، لأن الذي عنده منه أكثر مما عندنا بكثير!!

ولا غرو فهو من أولياء الشيطان الذين يخوفهم فيعتمدون عليه في كل أمورهم، يقول الله تعالى(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين)"آل عمران 175.

وهذا مما يثبت أنه هو وأتباعه طائفة مأجورة تدعو بما يملي عليها أسيادها من دهاقنة الكفر والإلحاد، وليس ببعيد عن البال ذلك القادياني السيء الذكر الذي كان يدعو إلى نبذ الجهاد، فهل هذا هو امتداد لذاك؟أم تناسوا نصر المسلمين في معركة بدر على قلة العتاد والرجال وان النصر هو من عند الله.

فتوى الحبشي بتعليق الصلبان

أفتى الحبشي بجواز تعليق الصلبان لمن ذهب إلى بلاد الكفار إذا هو خاف على نفسه من أذاهم76.

فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار في شيء من أمور دنياهم فقال:"من تشبه بقوم فهو منهم"77 ولا شك أن الحرمة تكون أعظم إذا كان التشبه في أمور الدين، والصليب من أمور دين الكفر، كما أنه قال:"برئت ذمة الله ممن أقام بين المشركين بين ظهرانيهم"78.

المنافحة عن ترك المصافحة

وأباح الحبشي للرجل وضع يده بيد أية امرأة، واشترط أن يكون ذلك بحائل79.

ولا ندري كيف يتم ذلك إلا أنه استدراج إلى المصافحة والملامسة المنهي عنها، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"80.

ثم على فرض أنه تمت المصافحة بينهما بحائل، فإن هذا لا يمنع الشهوة، ولا يمنع إطلاق المصافحة على هذا الفعل، وهذا الانحراف لا يصدر إلا عن شخص يسره أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صافح امرأة واحدة، وفي حديث عائشة، قالت:" والله ما مست يد النبي يد امرأة قط"81.

وعن أميمة بنت رقيقة قالت: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال لنا:" فيما استطعتن وأطقتن"، قلت: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا، قلت: يا رسول الله بايعنا، قال سفيان: يعني: صافحنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"82.

ما يؤمن به الحبشي وفرقته من جواز مراهنة الكافر وسرقته

أفتى بجواز المراهنة، وأن جواز ذلك يكون من المسلم في حق الكافر مستدلا بمراهنة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة على غنم83، وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركانة غنمه.

وأجاز الحبشي سلب أموال الكفار ولو بطريق القمار متأثرا بالمتأخرين من الفقهاء كأبن عابدين. قال:" وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالا بالقمار فذلك المال طيب عند ابي حنيفة ومحمد بن حسن الشيباني رحمهما الله". واستدل بمراهنة ابي بكر للمشركين يوم نزلت: (آلم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)84. وتجاهل قول الصحابي الراوي:"وذلك قبل أن يحرم الرهان"85.

أقول فكأنه يظن أن المسلم دائما فائز في مراهنته ومقامرته، فماذا لو خسر يا حبشي أم أنت ضامن الربح للمسلم على الدوام؟.

وسئل عن قوم عندهم مزرعة وجيرانهم غير مسلمين هل يجوز سرقة زروعهم وبقرهم؟ فأباح ذلك للسائل بشرط أن لا تؤدي سرقته إلى فتنة86.

فكيف يعلم أن سرقته لا تؤدي إلى فتنة، وكيف يوقع هذا الحبشي المسلمين في ما لا تحمد عقباه، وكيف لو وقع هذا السارق بأيدي الكفار؟.وهل دليله في هذا منقول من كتاب أو سنة، ومن ثم هل هذه من أخلاق المسلمين.

الرأي المصيب في تحريم اليانصيب

بادئ ذي بدء يحرم الحبشي اليانصيب على المكتفى الغني، ويجيز للمحتاج أن يأخذ ما يحتاجه مما ربحه باليانصيب ويوزع الباقي على المستحقين، فهذا المال بمنزلة المال الضائع، ويجوز إنفاق المال الضائع على المرافق العامة للمسلمين.

أقول: وهذا من جنس التواءاته السابقة التي لا يخشى فيها الله ولا اليوم الآخر. والثابت أن اليانصيب حرام تعاطيه من فقير أو غني، ولو لم يكن فيه من شر إلا أنه يبقي المرء يعيش في خيال مترقبا الكسب الحرام تاركا للعمل الحلال.

وفتوى الحبشي بتحليل شرب الجعة

روى أبو صهيب المالكي عن أخ له أنه رأى أحد أتباع الحبشي يشرب كأسا من الجعة (التي تسمى الآن البيرة) فقال: يا فلان ألم تعلم أن شرب الجعة حرام في الإسلام. فقال:لكن شيخنا الحبشي أجاز شربها لمن يستطيع أن يشرب كمية كثيرة ولم تسكره وأنا إذا شربت هذا الصندوق كله لم يؤثر فيَّ شيئا87!!

فتأمل هذه الفتوى وقارنها بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أسكر كثيره فقليلة حرام"88.

وقارن كذلك بقوله:"يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها"89 ثم تيقن أن هؤلاء القوم هم طلاب دنيا يسعون وراء شهواتهم ويبيحون لأنفسهم كل ما تشتهي، يعزون كل فجور إلى شيخهم.

ومن الأدلة على ذلك كيف يملأ أتباع هذا المارق الشواطئ وهم شبه عراة وخصوصا ما يفعلونه في مسبحهم المعروف في القلمون جنوب مدينة طرابلس اللبنانية الذي لا يتورعون فيه عن كبيرة ولا يرعوون عظيمة، وهذا الشاطئ منسوب إلى مؤسسة رئيس جمعيتهم في الشمال المدعو طه ناجي.

وفتاوى أخرى شاذة للأحباش

زعم أنه يجب استقبال القبلة بكل البدن، فلا يجزئ ببعض بدنه90.

وقال:" ومن الجائز عند دفن الميت أخذ شئ من تراب القبر ثم يقرأ عليه سورة القدر سبع مرات ثم يوضع في الكفن أو في القبر خارج الكفن فلا بأس بذلك" وزعم أنه "يسن تلقين الميت"91.

وزعم أن الماء الخارج من فم النائم نجس، وأنه يجب غسل اللحم لإزالة الدم"92.

وذكر أنه يسن تقديم الاستنجاء على الوضوء فإن أخر الاستنجاء إلى ما بعد الوضوء صح"93.

وذكر أن هذا من السنة افتراء على الله وعلى رسوله والله عليم بالظالمين.

وزعم "أن عليا كان يلبس الصوف في أشد الحر، ويعرق في يوم البرد الشديد"94.

التنفير من الصفير

أفتى الحبشي بوجوب تشديد مخارج السين والصاد لأنهما من الأحرف المستقبحة بزعمه، فقال:"وأولى الحروف عناية بإخراجها وهي الصاد (الموالاة) وذلك بأن لا يفصل بين شيء منها وما بعده فصلا طويلا أو قصيرا بنية قطع القراءة (والترتيب) أي الإتيان بها على نظمها المعروف، وأولى الحروف بالعناية وهي الصاد…"95.

وقد شدد عليهم في ألفاظ النية حتى صار تشديدها عندهم في الصلاة الشغل الشاغل، وشق عليهم أداء تكبيرة الإحرام عند الدخول في الصلاة، فترى أحدهم يكبر مرارا وتكرارا، وهو غير متيقن من تلفظه بها، وأصل هذه الوسوسة شيخهم الذي قال: (والتشديدات) وهي أربعة عشر (والصواب أربع عشرة) شدة فمن ترك واحدة لم تصح صلاته".

فأين هذا من سيرة سيد المرسلين وأصحابه، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن التكلف، فقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"هلك المتنطعون" وقد أمر الله تعالى رسوله بأن لا يكون من المتكلفين فقال: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) [ص:86]. وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الدين يُسر ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُلجة"96.

وقد قال الشيخ الفتوحي الحنبلي:"قد أتعب الموسوسون أنفسهم في ألفاظ النية التي أحدثوها، واشتغلوا بمخارج حروفها، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء إنما كان ينوي بقلبه فقط وكذلك أصحابه، فاستحوذ الشيطان على طائفة وشغلهم بمخارج حروف النية ليصرف قلوبهم عن الحضور مع الله تعالى الذي هو روح الصلاة" وهذا ما نقله عنه الشعراني وأضاف "وكان الشيخ شمس الدين اللقاني المالكي يقول:"لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء لمقتهم ولو أدركهم عمر رضي الله عنه لضربهم، ولو أدركهم أحد من الصحابة والتابعين لبدعهم وكرههم"97.

واشتغال المرء بالوسوسة يصرفه عن الخشوع في الصلاة وعن تدبر التلاوة، حتى شكى غير واحد من أتباعه من كثرة الوسوسة عند الشروع في الصلاة، واضطر بعدهم إلى إعادة تكبيرة الإحرام مرات عديدة من أجل أن توافق ألفاظ النية تكبيرة الإحرام.

العارض المنجس في تفنيد فتواه بجواز صلاة المتلبس بالشيء النجس

أجاز الحبشي الصلاة بالنجاسة ولو من بول كلب وعذرته، سواء كانت النجاسة على ثوب المصلي أو بدنه، فقال:"فلو كان المقلد شافعيا فإنه يقلد المالكية، لأن المعتمد جواز التلفيق في العبادة بين مذهبين، فيجوز للمصلي الصلاة بما مسه ريق الكلب من ثيابه وبدنه وبوله وعذرته، ويجوز له أن يأكل من غير غسل ولو خالط بها ريق الكلب، لأن دين الله يسر لا عسر"98.

وقد اعتمد في فتواه على فتوى لمصطفى العدوى المالكي وفتوى أخرى ليوسف الزيات المالكي، هذا ولا فرق عنده بين النجاسة المغلظة والمخففة، مع العلم أن من أوائل السور التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي سورة المدثر، وأولها: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر) "المدثر1-4" وقال أيضا: (والله يحب المطهرين)"التوبة: " وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور)99 وقال: (الطهور شطر الإيمان)100.

وقال: "طهور إناء أحدكم إذا ولع فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب"101. وبينما نراه يبيح الصلاة بالنجاسة، فقد تشدد هذا الحبشي فيما لا يوجب التشدد، وتنطع فيما لا يوجب التنطع، وادعى أنه إذا أصاب بول الغلام يد أمه أثناء وضع الحفايض فإنها ترتكب إذ ذاك كبيرة من الكبائر102. وقال ايضا: إن قشرة البرغوث أو القملة أو البقة نجسة نجاسة غير معفو عنها، فلو صلى المصلي بشيء من ذلك فصلاته باطلة علم بذلك أم لم يعلم103!

فسبحان واهب العقول، وتبارك الله الذي نبرأ إلية من هذا الفقه الأخرق والفتاوى المتناقضة.

وفتوى الحبشي بجواز من أراد التخلف عن الجمعة بأكل الثوم والبصل

من الفتاوى التي اشتهرت وطبقت الآفاق، هي فتوى الحبشي في جواز أكل البصل والثوم لمن أراد التخلف عن صلاة الجمعة، وبهذه الحيلة يتخلص من أراد منهم التخلف عن الجمعة من الإثم، ولينطبق عليه النهي الوارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"104.

وفتواه هذه من جنس الحيل اليهودية حين أمروا ألا يعدوا في السبت وما صنعوا في القرية التي كانت حاضرة البحر، وكذلك ما جمعوا من الشحوم واستحلوا بيعه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله اليهود، إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها، وإن الله إذا حرّم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه"105.

والواقع أن هذا ناشئ من بغضهم لأهل السنة والجماعة وكراهيتهم، فإنهم أي الأحباش يتجنبون الصلاة خلف أهل السنة والجماعة، فترك صلاة الجمعة عندهم أفضل ألف مرة من الاقتداء بمن هو من أهل السنة والجماعة أو بمن يرى ما يرى شيخ الإسلام ابن تيمية من عقيدة تدحض باطلهم، فهم أهل بدعة، والبدعة والسنة… لا يلتقيان.

وقد ذكر أبو صهيب المالكي في "المقالات السنية" أنه كان الأحباش يوم الجمعة خارج مسجد من مساجد أحد البلاد -مدينة سيدني – ولم يدخلوا هذا المسجد لأداء صلاة الجمعة، وإذا بهم ينتظرون حتى يفرغ الناس من أداء صلاة الجمعة ثم بدءوا بتوزيع مناشيرهم على الناس، وسألهم أحد المسلمين:"كيف تزعمون أنكم على الحق وأنتم لم تصلوا الجمعة مع المسلمين؟ وإذا كنتم تكفرون إمام هذا المسجد فلماذا لا تصلونها في مسجدكم مسجد الضرار؟ أم أن شيخكم الضال الحبشي قد أفتى لكم بعدم وجوب صلاة الجمعة عليكم؟ من أجل توزيع المناشير الضالة على الناس" فأجابه أحد الأحباش بكل تبجح:"نعم ليس علينا صلاة لأننا ندافع الآن عن الحق" أي من أجل توزيعهم لبيان شيخهم فقد سقطت عنهم صلاة الجمعة106.

وقد جاء في التحذير من ترك صلاة الجمعة أحاديث عديدة منها:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لينتهين أقوام عن ردعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين"107.

وقال أيضا:"من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه"108.

وقال:"لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم"109. وفي هذه الرواية نص: الجمعة.

تحايل الحبشي على مــا حرم الله من تعاطي الخمر

أفتى الحبشي لمن يرغب في استعمال الخمر للوقود أو التداوي أو للمعاقرة ونحو ذلك أن يستعمل حيلة كأن يقول للبائع: يعني هذه القنينة بكذا، ليس الاسبيرتو الذي فيها فإني آخذه من غير مقابل بهذا المبلغ، وإنما هو ثمن القنينة، ثم قال: وهذه حيلة يراد بها التخلص من الحرام110.

وسئل الحبشي عن حكم شرب الخمر فقال: "عند بعض الفقهاء لا يجوز التداوي بالخمر في حال من الأحوال، ويجوز عند بعضهم إعطاء المريض جرعة من الخمر لإساغة اللقمة بالنسبة لمن أصيب بالغصة، يجوز أن يسيغ

اللقمة بالخمر، وقال بعضهم: يجوز التداوي بالخمر إن لم يوجد دواء غيره"111.

وقد ورد من حديث أم سلمة أنها قالت: نبذت نبيذا في كوز فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال:"ما هذا؟ قلت: اشتكت ابنه لي، فنعت لها هذا فقال:"إن الله لم يجعل شفاءكم فيها حرّم عليكم"112. وذكر هذا الحديث البخاري معلقا عن ابن مسعود، وأورده الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق".

ومن حديث وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها، وكره أن يصنعها وقال:"إنه ليس بدواء ولكنه داء" ولكنه وفي رواية ابن حبان:"إنما ذلك داء وليس بشفاء".

فانظر يا أخي إلى أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبينها جيدا، وتأمل الفرق بينها وبين ما يهرف به هذا الدعي الحبشي وما يرمي إليه من فتح لأبواب الشر والفساد.

وفتوى الحبشي بجواز اتباع الهوى والزنا

بلغنا أن أتباع هذا الحبشي ممن يقيمون في بلاد الكفر يخرجون مع النساء الكافرات ويزنون بهن، ويزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك:نكاية في دينهن. وهو في الواقع والحقيقة اتباع للهوى والشهوات.

وقد سئلوا عن دليلهم في هذه المسألة وعلى أي شيء اعتمدوا في زناهم بالكتابيات فأجابوا: إن مستندهم الشرعي هو إجماع الفقهاء على جواز أخذ مال الكتابين الحربيين ونكاح نسائهم، وإذا به يشير إلى رأي محمد بن الحسن الشيباني الذي أخذ به شيخه من قبل.

مع أن الفرق بين رأي محمد بن الحسن وبين ما يفعله هؤلاء فرق كبير، فإن تقسيم السبايا منوط بالإمام المسلم، يعطي كلا حسب بلائه في الجهاد وليس ثمة جهاد هاهنا ولا سبايا، بل زنا وبغايـا وشهوات.

ثم إن الخليفة المسلم عندما يعطي أصحاب البلاء نصيبهم، لا يطأ الرجل منهم سبيته إلا بعد الاستبراء.

وفتوى الحبشي بالاختلاط

وقال الحبشي:"وجاء في "الموطأ" هامش "التاج والإكليل" لمحمد بن يوسف العبدري (1/499) أنه سئل مالك:هل يجوز أن يأكل الرجل وزوجته مع رجل آخر، فقال مالك: لا بأس بذلك، إذا كان ذلك على ما يعرف من أمر الناس"113.

والذي يريد أن يخلص إليه أن اختلاط الرجال بالنساء ليس حراما، ويقول للناس هذا دليلي من الحديث النبوي أو من كلام الأئمة فيلبس على الناس دينهم.

وقال أيضا: فمن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العلماء يتبين لنا أن اختلاط الرجال بالنساء إذا لم يكن فيه خلوة ولا تضام ولا تلاصق ونحو ذلك لا يكون حراما"114.

وهذا الذي يجهر به إنما هو مرحلة من مراحل الزنا، وقد قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) نهى عن الاقتراب من الزنا، لأن الاقتراب منه يؤدي لا محالة إلى ارتكابه وفعله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".

والأحباش إنما يتبعون شيخهم في تجوزيهم للاختلاط ولو عن طريق التدرج، لأن النتيجة واحدة وهي رضا شيخهم عنهم، فالاقتراب يؤدي إلى التضام والتلاصق حتما، وقد قال احمد شوقي:

خدعوها بقولهم حسناءُ والغواني يغرُّهُنَّ الثناءُ

نظرةٌ فابتسامةٌ فسـلامٌ فكلامٌ فـموعدٌ فلقاءُ

وقيل: ومعظم النار من مستصغر الشرر.

البينة في الرد على فتوى الحبشي بجواز خروج المرأة متبرجة

قال الحبشي:"وقال القرطبي ما نصه:يجوز خروج المرأة متزينة إذا لم تقصد التعرض للرجال بل أرادت الفرح بنفسها، وهذه المسألة في الحقيقة إجماع لأن العروس لما تزف تكون في زينة". "وقال إمام المالكية عبد الله المغربي المعروف بالحطاب في كتابه "مواهب الجليل" 115 : ولها أن تتزين للناظرين، بل لو قيل بأنه مندوب ما كان بعيدا، ولو قيل: أنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد"116.

وقال: وقال البهوتي117 : ولها حلق الوجه وحفصه نصا والمحرم إنما هو نتف شعر وجهها، ولها تحسينه وتحميره ونحوه ما فيه تزيين له"118.

وقال: وقال القفال الشاشي119: ويحرم على المرأة أن تصل شعرها بشـعر نجس، فأما إن وصلته بشعر طاهر أو حمرت وجهها أو سودت شعرها أو طفرت أناملها ولها زوج لم يكره"120.

فلهج بهذا ونحوه وتناسى قول الله تعالى: (ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب 33]. وكذلك أمره للقواعد من النساء: (غير متبرجات بزينة) [النور 60].

فقد أمر الطاعنات في السن أن لا يبرزن زينتهن متبرجات، فما بال اللواتي يردن الفرح بأنفسهن، إن الحرمة هنا تتضاعف.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأَمَةٌ أو عبد أبِقَ من سيده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم"121

ولما جاءت أميمة بنت رقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه، فبايعها على أن تترك أشياء منها أن "لا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى"122.

وعلى هذا فإذا وضعت المرأة على وجهها المساحيق وحمرت وجهها وصفرت، أو تنمصت وأبدت ذلك كله للرجال، أو كانت تخرج تمشي بين الرجال أو كان لها مشية فيها تغنج وتخلع، أو ألقت الخمار على رأسها ولم تشده فيداري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها، أو خرجت وريحها تعصف، كل هذا من التبرج الحرام المنهي عنه.

ومما يلحق بالتبرج: إذا خرجت المرأة وأبدت شيئا من ساقيها أو فخذيها أو ثدييها أو وصفت عجيزتها أو حشتها قطنا لكي تبدو ضخمة للناظرين، أو لبست من الثياب ما يشف أو يصف، أو تخلعت في مشيتها.

ولقد ابتلى المسلمون بدعوات داعرة مشبوهة كان مصدرها الكفرة، ثم أخذها عنهم أمثال الأحباش، فطمس الحجاب الشرعي ودرس العفاف إلا قليلا، فليس يرى المرء في الشوارع إلا هؤلاء المبتذلات اللواتي يتكسرن في مشيتهن ويلبسن من ضيق الثياب ما يصف سؤاتهن … فإلى الله المشتكى ولعن الله من يحلل ذلك لهن.

وفتوى الحبشي للمتبرجات

قال الحبشي المنسوب إلى هرر :"وأما إذا خرجت المرأة متعطرة أو متزينة ساترة ما يجب عليها من بدنها، ولم يكن قصدها ذلك – يعني فتنة الرجال – فليس في ذلك أكثر من الكراهية التنزيهية، أي: أنها لا تعصي"123. وزعم أيضا أن من يفهم من حديث "أيما امرأة استعطرت" تحريم التطيب للمرأة، أنه ليس إلا واهما"124.

والذي عزز هذا الكفر الخاطئ عند الأحباش ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فنضمخ جباهنا بالمسك المطيب للإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا"125.

ومع أن هذا صحيح إلا أن الاستدلال به لهذا الوجه لا يجوز، لأنهن لم يكن يخالطن الرجال أثناء الحج بل كن يطفن بمعزل عنهم.

وجاء في رواية " أن عائشة رضي الله عنها كانت تطوف حجرة – أي بمعزل – من الرجال لا تخالطهم"126.

وقول عائشة:"فيراه" دليل على أن هذا الطيب اللواتي كن يتطيبن به إنما هو من النوع الذي له لون ولكن لا رائحة له.

ونص الحديث الذي أبطله الحبشي:"أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية وكل عين زانية"127.

والمعلوم أن فتنة النساء فتنة عظيمة، والمرأة فتنة من غير طيب واستعطار، فكيف مع الطيب، فإنها إذا مرت بمجالس الرجال فقد هيجت شهوتهم وصرفتهم عما هم فيه من تدبير أمور العيش وفتنتهم عن العبادة، وإذا مرت بطلبة علم شغلتهم عن الحفظ والتحصيل، فهي فتنة دائمة، ومكوثها في بيتها خير لها وللناس.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب وخاتما من ذهب مغلفا بطين، ثم حشته مسكا، وهو أطيب الطيب، فمرت بين المرأتين فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا"128.

يعني أنها أفاحت رائحة المسك على الرجال لتفتنهم، ومعلوم أن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"129، فهذا إذا خرجت للصلاة ولم يكن قصدها فتنة الناس، فكيف إذا كان قصدها من الخروج فتنة الناس.

وقال صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد ليوجد ريحها لم يقبل منها صلاة حتى تغتسل اغتسالها من الجنابة"130. وفي رواية:"… فيوجد ريحها …"131

ومرت امرأة بأبي هريرة رضي الله عنه وهي تعصف ريحها فقال: يا أمة الجبار، المسجد تريدين؟ فقالت: نعم، قال: ولو تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل"132.

ففي هذه الأحاديث كفاية لمن أراد الهداية أما صاحب الفتن فأنه يقوم بتحليل ما حرم الله ورسوله.

وفتوى الحبشي بجواز لبس المرأة الضيق من السراويل

أفتى الأحباش بجواز لبس المرأة المتحجبة للسراويل واللباس الضيق، فقد قال أحد رؤسائهم وهو نزار الحلبي :"يقولون إن فتيات الأحباش يرتدين سراويل الجينـز، قال: ونحن لا نرى في ذلك عيبا لأننا نجمع بين الموضة والسترة"133.

وهذه الفتوى مخالفة للقرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقول أئمة أهل السنة والجماعة وذلك:

لأن في ذلك تشبها بالرجال، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لعن الله الرجل يلبس لبـسة المرأة والمرأة تلبس لبسـة الرجل"134 وقال أيضا:" لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء"135، وقال :"لعن الله الرَّجُلَة من النساء"136. وقال:"لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء"137.

وثانيا: لأن السروال الضيق يصف جسم المرأة، وقد يكون شفافا يري ما تحته، وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قبطية كثيفة، فرآه بعد فقال له:"ما لك لم تلبس القبطية؟" فقال أسامة: كسوتها امرأتي، فقال صلى الله عليه وسلم:" مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها"138.

ثالثا: لأن في الجينـز تشبها بالكافرات، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقوم فهو منهم" وواضح أن هذا من ثياب الكافرات اللواتي لا يؤمن بالله بإبداء سؤاتهن علانية. .

ولا تمنع ثخانة الثياب أحيانا من الشفافية، فقد يكون ثخينا إلا أن فيه ثقوب وفتحات تشف عما تحته، والنساء اللواتي يخشين الله واليوم الآخر لا يرتدين هذا الذي جمع بين الحرام والعيب.

فتوى الحبشي وتحريضه للزوجة بالعصيان

وقد أباح الحبشي للمرأة أن تخرج من بيتها ولو لم يأذن لها زوجها، وأجاز لها السفر من غير إذن زوجها لتعلم العلم واستفتاء المشايخ في أي وقت، قال"تخرج بدون رضاه" وهو بذلك يفتح بابا من أبواب الشر ويدعو الزوجة إلى النشوز والعصيان وهو يقدم طاعة المشايخ على طاعة الزوج.

ثم تأمل يا أخي المسلم هذا الخروج إذا كان مصحوبا بالتبرج والتزين الذي احله، فتكون هذه الخارجة من بيتها شهابا من فتنة يحرق حيث يمرق.

وهو لا بد وأن يكون مصحوبا بذلك، يؤيد ذلك قول الحبشي:"اعلم أن خروج المرأة متزينة متعطرة مع ستر العورة مكروه تنـزيها دون الحرام، ويكون حراما إذا قصدت المرأة بذلك التعرض للرجال لتستميلهم إلى معصية، وأما إذا خرجت متعطرة أو متزينة ساترة ما يجب عليها ستره من بدنها ولم يكن قصدها ذلك، فليس في ذلك أكثر من الكراهة التنزيهية، أي أنها لا تعصي"139 … "وكل من يفهم من الحديث تحريم التطيب للمرأة فلا يكون إلا واهما"140؛ ولكن استفهامنا وتساؤلنا كيف يعلم من يشتم ريحها من الرجال بقصدها ونيتها هذا ما ننتظر جوابه من الحبشي في فتوى جديدة.

والحديث الذي عناه هو قوله صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية"141.

ولو اقتصر الأمر على الخروج من غير إذن الزوج لكفى به حرمة، فكيف إذا أضيف التبرج والتعطر والتزين إلى ذلك بله الخلوة بالمشايخ، فاللهم عفوك.

فتوى الحبشي بقبح الاستنجاء

أفتى الحبشي بقبح الاستنجاء باليد اليسرى، وقال:"وما يفعله بعض الناس عند الاستنجاء من الغائط من أن يأخذوا بالكف اليسرى ماء ثم يدلكوا به المخرج فذلك قبيح"142. وبنحوه مسجل بصوته.

وقد مدح الله تعالى في كتابه العزيز رجالا يقومون بهذا الفعل من التطهر، فقال: فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) [التوبة ] فبين أن حاضري المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم رجال يحبون أن ينظفوا مقاعدهم بالماء إذا أتوا الغائط143.

ولما نزلت: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال صلى الله عليه وسلم:"ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به" قالوا: يا رسول الله إنا نستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط.

والمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء في إحدى الروايتين.

وقد جاءت رواية الاستنجاء بالماء والاستطابة به عن عويم بن ساعده وعبد الله ابن سلام وخزيمة بن ثابت وغيرهم من الصحابة، وعن الشعبي وقتادة والحسن البصري ومحمد بن عبد الله بن سلام وشهر بن حوشب وموسى بن ابي كثير وعطية العوفي وابن زيد وعطاء وغيرهم من التابعين.

وعن أنس قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل وأنا غلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء"144.

وقال سلمان رضي الله عنه:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو ببول أو نستنجي باليمين"145.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتيته بماء في تور أو ركوة استنجى ثم مسح يده على الارض"146.

وفتوى الحبشي بجواز أخذ الربا

أفتى الحبشي وأتباعه بجواز أخذ الربا إذا كانت الدار دار حرب، فقال:"عند الإمام محمد بن الحسن الشيباني يكفي لكون الدار دار حرب إظهار أحكام الكفر على وجه الاشتهار". وعليه فقد أجاز هو وأتباعه أخذ الربا في البلاد التي اعتبروها.. هم.. ديار حرب ليست بديار إسلام كالسعودية ولبنان.

وقال في معرض إجابته على مجموعة من الأسئلة:"فإن وضعته –أي وضعت المال في مصرف الربا- فتكون قد وافقت مذهب هذين الإمامين الجليلين –يعني: أبا حنيفة، وتلميذه محمد بن الحسن الشيباني- ما عليك حرج، والأحسن أن لا تضع أموالك، فتتوكل على الله وتضعه في البيت، فإن كتب الله عليه الضياع فلا بد من ذلك، وإن حفظه الله يحفظ، ولكن إن لم يكن عندك قوة على هذا التوكل فضعه في بنك ليس له مساهم مسلم، بل يكون كل المؤسسين كفارا، ضعه هناك وخذ عليه فائدة، هذا إذا أردت أن تستفيد، فإن تحققت الاستفادة فإنه يجوز"148، انظر كيف يشجع بهذه الفتوى الخبيثة تشجيع المصارف الأجنبية الربوية وحرمان المصارف الإسلامية التي تقوم على المشاركة الربحية وفيها نصيب من الربح أو الخسارة وهي حلال.

واستمع إلى قول الله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) [البقرة 276]، وقوله: (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة 278-279وقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة 275].

وروى ابن جرير بإسناده عن ابن جريح قوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) قال: كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن مالهم من ربا على الناس، وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع، فلما كان الفتح استعمل عتَّاب ابن أسيد على مكة، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير، فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتَّاب بن أسيد، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا …) فكتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتَّاب، وقال:"إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب"149.

وعن السُّدِّي قال: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف150.

وأول ربا وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربا العباس عمه كما بين ذلك في خطبته. وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، فقال:"لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، هم فيه سواء"151 , وكيف من يفتي بتحليله هذه الايام فسبحان الله.

وعمدة المجيزين لأكل الربا في دار الحرب، فتوى لبعض الأحناف الذين استدلوا على ما يقولون بحديث:"لا ربا بين مسلم وكافر حربي"، وهذا الحديث لا أصل له في شيء من كتب الحديث على الإطلاق.

ثم إن الإمام أبا حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن أجازا للمسلم أخذ الدرهم بدرهمين ولم يجيزا للمسلم أن يدفع في الدرهم درهمين.

فرد عليه الأوزاعي وقال:"الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك، وكان أول ربا وضعه ربا عمه العباس بن عبد المطلب" وقال:"وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستحل ذلك" الأم للشافعي 7/358

وقد خالف أبو يوسف شيخه أبا حنيفة فقال:"القول ما قال الأوزاعي لا يحل هذا ولا يجوز" ثم قال:"أبو حنيفة أحل هذا لأن بعض المشيخة حدث عن مكحول …".

أي أن هذا الحديث روى مرسلا، والمرسل من باب الضعيف.

وقال الشافعي:"القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف …"

وأبو حنيفة الذي تعزى إليه دقائق الفقه وبدائع الاستنباطات لم يكن من أهل الحديث النبوي، وقال الجويني:"إن بضاعة أبي حنيفة في الحديث مزجاة"152.

ويكفي في الترهيب من عاقبة الربا قوله صلى الله عليه وسلم :"الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه".

ومذهب الجمهور أن الأحكام لا تتغير باختلاف الديار.

وقديما قال اليهود:"لا تقرض أخاك بربا وأقرض الأجنبي بربا"153.

ولست أحسب مسلما يؤثر أخلاق يهود ودناءاتهم على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ما ورد في الكتاب والسنة وإلا من كان يكيد للمسلمين فأنه يحلل مبدأ يهود أعلاه في الربى للمسلمين على غير المسلمين.

وفتوى الحبشي بأنه لا زكاة في العملة الورقية وأنها لا تجوز إلا في الذهب والفضة

يرى الحبشي أن لا زكاة في العملة الورقية المستعملة في هذا الزمان، وأنها غير داخلة في الكنـز المراد من قوله تعالى: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ثم لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [التوبة34].

قال الهرري:"وهذه العملة المستعملة في هذا العصر لا تجب فيها الزكاة عند الإمامين الشافعي ومالك وتجب عند أبي حنيفة لأنها تروج رواج الذهب والفضة" وقال:"كيف يعترض على الإمامين ومأخذهما النص، فليس للحنفي أن يعترض على مذهبي الإمامين"154 وقال أيضا:"لا زكاة في الأثمان غير الذهب والفضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر غيرهما"155.

وأقول: ومما يثبت أن هذا من أهل الأهواء والأمزجة هو رفضه لقول أبي حنيفة هاهنا، مع أنه ذاك خطأ، والصواب مع من خالفه فيها.

وهب أن بلدا يتعامل أهله بألوان مختلفة من الأثمان، فهل يتعاملون بالذهب والفضة وبالعملة الورقية، فما على مريد منع الزكاة فيه إلا أن يستبدل ما يمتلكه من الذهب والفضة بالعملة الورق.

أما علمت أيها الحبشي أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وأنها قرنت مع الصلاة في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرنها كذلك فقال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"155.

ألم يبلغك أن أبا بكر رضي الله عنه قد قاتل مانعي الزكاة، وأنه استحل قتلهم بمنعهم الزكاة.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن:"وأعلمهم أن الله قد افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"156

وهذه العملة الورقية لا يصلح للتعامل بغيرها في هذا الزمان، ومستندها إنما هو من الذهب والفضة، ورائجة في كل أنحاء الأرض، فهي إذن مال، وهي تندرج في قوله صلى الله عليه وسلم:"من أعطى زكاة ماله …"

وقال الحبشي لمن يمتلك مالا –يعنى ذهبا أو فضة- :"قبل حولان حوله له أن يصرفه- أي يأخذ عملة ورقية بدله- ولو بوقت قصير". وقال:"هذا ليس حراما وإنما مكروه فقط"157.

وجاء في فتواه هذه أيضا :"بشر الصيارفة بأنه لا زكاة عليهم". بدلا من حثهم على إتيان الزكاة التي أمر الله بها، والتي هي حق للسائل والمحروم كما قال تعالى : (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) [المعارج 24-25]، والصيارفة نوع من الناس يعبدون المال، فزادهم هذا ضغثا على إبالة، فهم لا يؤتون الزكاة أصلا، وفي سير الصالحين من السلف أن أحدهم أتى الصيارفة فقال" ابشروا معشر الصيارفة، فقالوا: بشرك الله بم؟ فقال: ابشروا بالنار والحبشي بهذه الفتوى يختلق فتنة في المجتمع الإسلامي حيث يزداد الفقراء فقرا بسبب هذه الفتوى الشاذة.

فتوى الحبشي بتحليل الدخان لأتباعه

أفتى الأحباش بجواز شرب الدخان في جوابهم لأحد السائلين:"فصل العلماء في أمرها فقالوا إنها تحرم على من يعلم أنها تضره، وذلك لأن الله حرم على الإنسان أن يتعاطى ما يضره، وقالوا: مع كونها ليست حراما لمن لا تضره يكره له تعاطيها، لأنها مضيعة للأنفاس التي ينبغي استعمالها في الخير كذكر الله تعالى"158.

وهذه الفتوى مخالفة لقوال علماء أهل السنة، وإنما استنبط العلماء حكم تحريم الدخان من القرآن والسنة.

وأما استدلالهم من القرآن فهو من مثل قوله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) [المائدة4]، وقوله: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) [الأعراف 157]، وقوله: (ولا تبذر تبذيرا) [الإسراء 27]، وقوله: (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء 29].

وهذا الدخان لا شك في أنه من الخبائث، ومن شك في ذلك أو غالط، فقد خالف الحسن والذوق، حيث أجمع الأطباء بالمطلق على أنه ضار بالصحة، وجميع المبتلين به لا ينكرون هذا بالمطلق لما يرونه من آثار ضارة على أبدانهم وعقولهم وجميعهم يخافون أن يتعاطى أبنائهم هذه الخبائث.

وأما استدلالهم من السنة فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم" أنه نهى عن كل مسكر ومفتر"159 والدخان من المفترات الفظيعة التي تنهك الجسد وتفتك به. وقد صح عنه أنه قال:"لا ضرر ولا ضرار"160. وقال صلى الله عليه وسلم:"لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه"161. وقال صلى الله عليه وسلم:"وكره لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"162. وقال صلى الله عليه وسلم:"من أكل ثوما أو بصلا، فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"163.ورائحة هذا الدخان كريهة وبإضافة إلى النقص في المال الذي يهدر في هذا الخبث بدلا من إنفاقه فيما هو نافع، وإلى رائحته التي تؤذي كل من تصل إليه وخاصة الأطفال، والإدمان الذي يحصل لمتعاطيه فيظل مستعبدا لهذا الرجس، فإذا ما حاول الفكاك منه والانفلات يعجز عن ذلك لتغلغله في العروق والدم ووصوله إلى الشغاف.

ثم إنه مخل بالمروءة، فصاحبه فَسْل لا يصبر على فقدانه يجيع عياله ولا يبالي إلا بالحصول عليه ويضطر إلى طلبه من أرذال الناس وسفلتهم.

وهو يورث الفتور في الأطراف، فهو إذن نوع من المخدر ولكن تـخديره أقل تأثيرا من المخدرات المعروفة.

هذا وقد حرم الدخان طائفة كبيرة من العلماء منذ أن ابتلى به المسلمون ودخل ديارهم عن طريق النصارى من الكفار، وممن حرمه: الإمام محمد بن عبد الوهاب، وعبد الرحمن الفاسي، وابن علان ومحمد العيني وعبد الرحيم الغزي وسالم السنهوري وأبو مسعود وابراهيم بن جمعان والهدل وعمر بن أحمد المصري وعيسى الشهاوي والقليوبي والبجيرمي وإبراهيم اللقاني، ومحمد الخواجه واحمد البهوتي وعبد الملك العصامي وتلميذه محمد علامة.

ثم محمد بن ابراهيم والسعدي وأبو بطين وشلتوت والحمامي والشعراوي وغيرهم الكثير من علماء المسلمين.

وحتى كافة الشركات المصنعة للسجائر في العالم تحذر منه وتقر وتعترف بأنه سبب رئيسي لامراض القلب والسرطان ثم يعود مفتي الأحباش ويحلله.

وعرف من مذهب الحبشي وأتباعه أنه مذهب متناقض متذبذب، فبينا نراه في حين من الأحيان لينا متهاونا نراه في حين آخر متنطعا متشددا، وسبب ذلك عندنا أنه يلبس لكل حالة لبوسا، كما قال الشاعر:

يوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يَمَنٍ وإن لقيتَ مَعَدِّيّاً فعدناني

وبما أني أثرت هذه القضية، فإن عليَّ إثباتها، وإن لم أفعل فلا يؤخذ بكلامي:

فقد جوز الحبشي الصلاة بما مسه ريق الكلب من ثيابه وبدنه، وكذلك بوله وعذرته، ويجوز له أن يأكل بيده من غير غسل ولو خالط بها ريق الكلب164.

ثم ادعى أنه إذا أصاب بول الغلام يد أمه أثناء وضع الحفايض فإنها ترتكب إذ ذاك كبيرة من الكبائر165. وقال أيضا: إن قشرة البرغوث أو القملة أو البقة نجسة نجاسة غير معفو عنها، فلو صلى المصلي بشيء من ذلك فصلاته باطلة علم بذلك أم لم يعلم166.

ويتهم الحبشي الذهبي بأنه متساهل في رواية الحديث وأنه يأتي بأحاديث غير ثابتة من غير تبيين لدرجتها من حيث الصحة167.

ويأتي بالكثير من الروايات الضعيفة والموضوعة خصوصا إذا وافقت مذهبه، لا سيما روايات الفتن وما شجر بين الصحابة والتي اعتمد فيها على غير الثقاة مثل لوط بن يحيى وهو أبو مخنف وسعيد الضبي وغيرهما من الشيعة، والتي جعلته يتنقص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل معاوية وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص168.

ومن أراد التيقن من اعتماده إيراد الطامات فلينظر كتاب "المولد النبوي" له، وهو محشو بالموضوع والمكذوب الذي يميل إليه ويرمي به الذهبي زورا، ومن جملة مزاعمه في ذلك ما يلي :

لما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالا للذي في بطنها، وكانت إذا جاءت تستقي من بئر يصعد الماء رأس البئر إجلالا لرسول الله، قالت: وكنت اسمع تسبيح الملائكة حولي ثم أتاني ملك فقال: إنك قد حملت بسيد المرسلين.

وهذا القول من تخريف الحبشي فكيف تعلم آمنة ذلك، وكيف يتنـزل عليها الملك؟ أم هذا من كرامات الحبشي!!.

ولما مات عبد الله ضجت الملائكة إلى بارئها، وقالت: إلهنا يبقى نبيك وحبيبك يتيما؟ قال الله تعالى: اسكتوا يا ملائكتي169!!.

ويستطرد الحبشي قائلا… قالت آمنة: لما كان أول شهر من شهور حملي إذ دخل عليَّ رجل حسن الوجه طيب الرائحة، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: مرحبا مرحبا بك يا محمد.

ولست أريد الاستطراد، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "المولد النبوي" للحبشي، ليرى بنفسه كيف تتم صناعة وفبركة البدع.

ولا يرى الحبشي الأخذ بأحاديث الآحاد خصوصا إذا لم توافق مذهبه، وفي ذلك هضم لمعظم السنة النبوية، وقد أخذ بها الأفذاذ من علماء الأمة وعملوا بها، وهو في جانب آخر يأخذ بالضعيف والموضوع من الروايات كما ذكرنا آنفا، بل إنه يستشهد على أمر مهم من العقيدة في الاستواء ببيت من الشعر نسب لشاعر نصراني مخطول فتأمل مزاعم هذا المهرف.

يكفر الحبشي وأتباعه أئمة المسلمين كابن تيمية بسبب تمسكه الحرفي والنقلي بالكتاب والسنة وتهجمهم عليه رحمه الله بسبب عقيدتهم الفاسدة وهم بالبدع والضلال أجدر والصق.

وعلى نقيض ذلك يدافعون عمن ثبت تكفيره كابن عربي الذي حكم عليه معاصره القاضي العز بن عبد السلام بالزندقة والانحلال، وقد سأله عنه ابن دقيق العيد، فقال العز بن عبد السلام:"ابن عربي شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا"170. واتهمه الحافظ ابن حجر بالقول بوحدة الوجود المطلقة والتعصب للحلاج171.

نهى الحبشي عن التنطع في أمور الصلاة والطهارة، وعد ذلك من الوسوسة قائلا:"والتعمق والتنطع معناهما واحد وهو التشديد في الطهارة والصلاة ونحوهما من أنواع العبادات وقد قالوا: إن للموسوسين شيطانا يضحك عليهم ويستهزئ بهم"172.

وأفتى بوجوب تشديد مخرج السين والصاد لأنهما بزعمه من الأحرف المستقبحة، ثم علمهم التلفظ بها بطريقة مستقبحة، وقد أدت تعاليمه هذه إلى وسوسة جماعته في التلاوة الشيء الكثير، فتجد بعضهم يكرر تكبيرة الإحرام مرارا، ولا يتمكن من الانتهاء من التكبير واجتياز مرحلته إلا بشق الأنفس، أفلا يضحك الشيطان من هؤلاء إذ اتخذتهم سخريا.

وزعم هذا الحبشي أن أكثر الصحابة كانوا مقلدين لا يستطيعون استخراج الأحكام من القرآن والسنة173.

وقال أتباع الأحباش: إن شيخهم مجتهد، وذهبوا إلى أبعد من ذلك فزعموا أنه سلطان العلماء !؟.

تجريد الذات الإلهية من الصفات عند الأحباش
الماهية في توحيد الألوهية

التوحيد عند الحبشي ومن اتبعه هو توحيد الربوبية فقط، وهو يدعى أن تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية بدعة وضلالة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، وزعم أن هذا من ابتداع ابن تيمية، وقال:"إن الله منفرد في الخلق والإيجاد والتدبير، فلا مساهم له في اختراع المصنوعات وتدبير المخترعات"174.

ونقول : وهذا التوحيد آمن به مشركو العرب ولم يخالفوه في ذلك، فهم كانوا مقرين بأن الله وحده الذي خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر وأرسى الجبال وجعل الليل والنهار دائبين ونزل من السماء الماء، أجل كانوا يؤمنون بكل ذلك، والدليل عليه من قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) [لقمان25]، وقوله: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) [العنكبوت 61 ]، وقوله: (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) [العنكبوت63]. وغير ذلك من الآيات.

ولم يقل المشركون إن أصنامهم وأوثانهم شريكة لله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، بل كانوا مقرين بأن آلهتهم مخلوقه، ولكنهم كانوا يتخذونها شفعاء وزلفى ويتقربون بعبادتها إليه، كما قال: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) [الزمر 3]. وكانوا في تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".

ومع اعتقادهم بأن الله هو الذي يحيى ويميت ويخلق يرزق، فقد استحقوا الخلود في النار، لأن ذلك لا يكفي لصحة التوحيد.

ويدعى هذا التوحيد "توحيد الربوبية" ولا بد أن يقترن ب"توحيد الألوهية" وهو توحيد الله عز وجل بإفراده بالعبادة، وأنه إن كان هو الخالق الرزاق المحيي المميت، فهو الذي ينبغي أن يفرد بالعبادة وحده، وأن يتوجه إليه وحده بالدعاء والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة، وأنه الإله الذي ينبغي أن يألهه كل الخلق ولا يشركون معه شيئا.

ولم يفرق الحبشي بين هذين النوعين، وزعم أن توحيد الألوهية هو توحيد القدرة على الاختراع والتدبير، وأن من أقر بأن القادر على الاختراع هو واحد فقد أتى بالدين الخالص واستدل على توحيده هذا بقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء 22].

ولم يكتف بذلك بل زعم أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية بدعة وضلاله لا دليل عليها من كتاب ولا سنة وأنه من ابتداع ابن تيمية.

ومن أنعم النظر في تفسير ابن جرير وجد خلاف ذلك، فقد قال عند قوله تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) أي إفراد الله بالربوبية والعبادة، وعند قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم فاعبدوه) قال: أي: أفردوا له الألوهية والربوبية، وفي قوله تعالى: (وما أرسلناك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). قال: أخلصوا إلي العبادة وأفردوا إلي الألوهية.

وهو – أي الحبشي – قد قسم التوحيد إلى أقسام ثلاثة:

أولا: نفي الكثرة المصححة للقسمة عن ذات الله، وهي تفسير الأحد الصمد بزعمه.

ثانيا: نفى النظير عنه في ذاته وصفاته.

ثالثا: أنه منفرد في الخلق والإيجاد والتدبير، فلا مساهم له في اختراع المصنوعات وتدبير المخترعات175.

وهذا الثالث هو ما كنا بصدده آنفا.

وهذا التقسيم يتفق مع تقسيم المعتزلة للتوحيد حرفا بحرف176.

أما الأول وهو نفي الكثرة المصححة للقسمة عن ذات الله فمصدره يوناني وعبارة افلوطين هي:"والكثرة لا توجد فيه بأي اعتبار، كما أن التركيب لا يتطرق إليه بأي وجه من الوجوه، وهو لهذا بسيط كل البساطة، كما هو واحد في الذات وحدة مطلقة"177.

وعن هذا أخذ فلاسفة الإسلام ومتكلموهم، ومنهم الفارابي الذي قال:"واجب الوجود، ولا ينقسم بأجزاء القوام مقداريا كان أو معنويا، وإلا لكان كل جزء من أجزائه إما واجب الوجود فيتكثر واجب الوجود"178. وقال ابن سينا:"واجب الوجود لا ينقسم في المعنى ولا في الكم".الإشارات 109

ومقصود الحبشي أن يجعل ذات الله مجردة من كل صفة تجعل له حقيقة، وهذا هو أساس التجهم والاعتزال المبني على إنكار صفات الله عز وجل، دعامتهم في ذلك ما قاله أفلوطين وهو أن وصف الله بشيء يؤدي إلى التكثر في ذاته مما ينافي وحدته، وهذا من أشنع الإلحاد والضلال، فإن تجريد الله عن صفاته سبيل إلى نفيه وكان هدفي أن أبين أن الحبشي هذا ينقل أفكار افلوطين حرفيا وكأنها مسلمات.

ولا عجب من تناقض هؤلاء الكفرة، فإن أفلوطين مع حرصه على أن لا يصف الله بصفة تقتضي الكثرة المصححة للقسمة، فإنه قد وصف الله تعالى بأنه خيَّر محض، فتناقض مع قوله:"فإننا لا نصفه بأنه جوهر ولا عرض، لأن الجوهرية والعرضية من الأمور النسبية، فوصفه بأنه جوهر يستلزم تصور الذهن لعرض معه إذا ما تصوره جوهرا، لأن الذهن لا يقف عندئذ على تصور أنه جوهر فقط، بل يندفع لتصور مقابله معه وهو العرض، وذلك من غير شك يقتضي تكثرا في مرتبته"179.

وقد فسر الحبشي معنى الواحد: الذي لا صفة له ولا قسيم له في ذاته، ولا جزء له، هو قوله تعالى: الأحد والصمد.

وقد ثبت وصف الأحد على غير الخالق في التنزيل، وهو قوله: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) [التوبة 6]، وقوله: (ذرني ومن خلقت وحيدا) [المدثر 11]، وقوله: (ولا يشرك بعباده ربه أحدا) [الكهف 110].

ومن قال: إن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمى أحدا، فقد كذب وغلط وخالف لغة العرب، فلقد رأيت من الآيات أن لفظ الأحد أطلق على المخلوقات متصفون بصفات كثيرة تؤدي إلى الكثرة، وهم مع ذلك لا ينفكون عن العرض والجوهر والحوادث.

وأما الثاني من أقسام التوحيد عنده فهو نفي النظير عن الله في ذاته وفي صفاته. ومراده من هذا نفي صفات الله، فإذا قرأ في كتاب الله تعالى: (إن الله كان سميعا بصيرا) وقرأ قوله: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) [الإنسان 2]. فلا يلزم من وصف الله لنفسه بالسميع والبصير، ووصف الإنسان بالسميع والبصير أن تستوي الصفتان بنفس الدرجة، لأن بصر الإنسان وسمعه ليس كبصر الله وسمعه، لأن الله تعالى: (ليس كمثله شيء)، وليس يلزم من تواطؤ اللفظ تواطؤ المعنى، لذلك فإن نفي النظير عن الله في صفاته يكون في حقائقها لا في مسماها.

ولولا الاشتراك اللفظي في الصفات لما استطاع المؤمن أن يفهم الصفات الإلهية التي وردت في الكتاب والسنة، فليس ثمة مماثلة بين ذات الله وبين الذات المخلوقة، ولا بين وجود الله ووجود المخلوقات، ولا يقتضي إثبات ذات الله ووجوده تلك المماثلة، وكذلك فإن إثبات صفاته لا تقتضي مماثلتها بصفات خلقه.

وهذا التقسيم الذي قسمه بعيد عن طريقة السلف في تفسير التوحيد، خصوصا تقسمه الصمد بأنه:الذي لا ينقسم، فليس يوجد هذا في تفسير ابن عباس ولا في تفسير أحد من الصحابة أو التابعين الذين عنوا بالتفسير، ولكن يوجد أمثاله عند الفارابي وابن سينا وافلوطين وغيرهم من الفلاسفة.

ولم تتطرق هذه الأقسام إلى بيان توحيد الألوهية وهو الحد بين الشرك والإيمان وهو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، فكلهم كانوا يدعون الناس إلى إفراد الله بالعبادة، ويقول كل منهم: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، فأين التوحيد في أقسام الحبشي التي نقلها عن الفلاسفة الدهريين.

البراهين المبطلة لعقائد المعطِّلة

ومن مذهب الحبشي ومن اتبعه التعطيل الخالص والتجهم المحض في صفات الله تعالى، فالصفات عنده ثلاث عشرة صفة، منها صفات لم تثبت في كتاب ولا في سنة كالقيام بنفسه ومخالفة الحوادث، وإنما أخذت عن أصل يوناني كما أوضحنا سابقا نقلها عنهم فلاسفة الإسلام الذين تأثروا بهم.

وعندهم "أن من يثبت الصفات لله تعالى من غير تأويل فهو أضر على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان"180.

وجاء في مجلتهم181، في تفسير قول الله تعالى: (والسموات مطويات بيمينه) [الزمر 67]، قالوا: بيمينه: أي: بقدرته… واليك رد علماء الأمة عليهم هذا القول فقالوا: إنه يؤدي أن تكون لله قدرتان، فإنه قال: (لما خلقت بيدي) [ص 75]، وقال: (بل يداه مبسوطتان) [المائدة:64]، وكذلك لا يجوز أن يقال: إن الله خلق آدم بنعمتين، والله تعالى لا يخلق الخلق بمخلوق.

قال البيهقي:"قال الله عز وجل: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) بتشديد الياء من الإضافة، وذلك تحقيق في التثنية، وفي ذلك منع من حملها على النعمة والقدرة، لأنه ليس بتخصيص لتثنية ولا في قدرته معنى يصح، لأن نعم الله أكثر من أن تحصى"182والحمد والمنة لله رب العالمين.

وروى ابن عساكر عن ابي الحسن الأشعري قوله عن المعتزلة:"وأنكروا أن يكون لله يدان"183 مع قوله: (لما خلقت بيدي).

وقد قرر الحبشي وجوب تأويل صفات الله تعالى، وأنها ذكرت في الكتاب والسنة على سبيل المجاز، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ولو كانت أسماء الله وصفاته مجازا يصح نفيها على الإطلاق، لكان يجوز أن الله ليس بحي ولا عليم ولا قدير ولا سميع ولا بصير ولا استوى على العرش ونحو ذلك. ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز إطلاق النفي على ما أثبته الله تعالى من الأسماء الحسنى والصفات، بل هذا جحد للخالق وتمثيل له بالمعدومات. وقد قال أبو عمر بن عبد البر:"أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدثون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج فينكرونها ولا يحملونا على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود لا مثبتون والحق فيما قاله القائلون بما نطق به الكتاب والسنة وهم أئمة الجماعة".

ثم قال شيخ الإسلام:"وهذا الذي حكاه ابن عبد البر عن المعتزلة ونحوهم، هو في بعض ما ينفونه من الصفات، أما فيما يثبتونه من الأسماء والصفات كالحي والعليم والقدير والمتكلم، فهم يقولون: إن ذلك حقيقة، ومن أنكر أن يكون شيء من هذه الأسماء والصفات حقيقة إنما أنكره لجهله مسمى الحقيقة أو لكفره وتعطيله لما يستحقه رب العالمين، وذلك أنه يظن أن إطلاق ذلك يقتضي أن يكون المخلوق مماثلا للخالق، فيقال له: هذا باطل، فإن الله موجود حقيقة، والعبد موجود حقيقة، وليس هذا مثل هذا، والله تعالى له ذات حقيقة، والعبد له ذات حقيقة، وليس ذاته كذوات المخلوقات، وكذلك له علم وسمع وبصر حقيقة، وللعبد علم وسمع وبصر حقيقة، وليس علمه وسمعه وبصره مثل علم الله وسمعه وبصره، ولله كلام حقيقة، وللعبد كلام حقيقة وليس كلام الخالق مثل كلام المخلوقين". وقال ايضا:"ولله تعالى استواء على عرشه حقيقة، وللعبد استواء على الفلك حقيقة، وليس استواء الخالق كاستواء المخلوقين"184.

والحبشي وأتباعه يقولون: يصح إثبات صفة اليد، ولكنهم لا يثبتون على الإثبات، فإثباتهم ذر للرماد في العيون، فسرعان ما يناقضون أنفسهم ويقولون: ويصح تأويلها على أنها النعمة والقدرة ولا ينكر على المتأولين، فهم مُثبِتون.. ولكن للتأويل.

وصفات الله عز وجل لا يجوز فيها تعدد الاحتمالات، والتأويل كله إنما يعتمد في أساسه على الظن(إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) [يونس36]، وقد اعترف الحبشي بذلك وأن التأويل لا يفيد القطع185 فان كان لا يفيد القطع فلماذا تذهبون إليه سبحان الله.

وقد ورد في السنة ما يثبت حقيقة اليد، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون، ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون"186. وفي رواية:"ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون".

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ (والسموات مطويات بيمينه) ذات يوم على المنبر، قال:ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر، يمجد الرب تعالى نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم … فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا: لَيَخِرَّنَّ به.

وقد تأول الحبشي أيضا آيات المجيء والإتيان. فالمجيء في قوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفا صفا) [الفجر22]، والاتيان في قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور) [البقرة 210]. فقال: وجاء ربك: أي: وجاء أمره، وأن يأتهيم: أي: يأتي أمره187.

فلو كان قوله: (وجاء ربك والمَلَك) يعنى به: جاء أمر ربك لبين الله تعالى ذلك وأوضحه كما أوضحه في آيات كثيرة منها. (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) [هود40]، و(يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك) [هود70]، و(فإذا جاء أمر الله قُضي بالحق وخسر هنالك المبطلون) [غافر78] وغير ذلك من الآيات.

وفي السنة ما يعضد الذي في القرآن، فعن أبي هريرة ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "… فيأتيهم الله فيقول لهم: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه".

وروى ابن جرير عن ابن عباس حديثا طويلا يقول فيه: "… فإذا نثروا على وجه الأرض فزعوا منهم، فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا وهو آت…" يقولون هذا القول أكثر من مرة، ثم يقول: "… فيجيء الله فيهم والأمم جِثِيٌّ صفوف…"188.

وكذلك الإتيان فليس يصح أن يكون إتيانه أمره، لأن الله تعالى قد فصل بين إتيان الله وبين إتيان أمره، فقال: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك، أو يأتي بعض آيات ربك) [الأنعام 158]. وكذلك كان مراده في الآية الأخرى: أي: إتيانه هو إذ قال: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور) [البقرة 210].

وروى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي"189.

وروى ابن جرير الطبري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا، وذلك قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام …)190.

ثم روى عن ابي هريرة "… حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة ولهم رجل من تسبيحهم"191.

واخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر وابن ابي حاتم، عن ابن عباس في هذه الآية، قال:"يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات"192.

وروى ابن جرير عن مجاهد في هذه الآية: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) قال: هو السحاب لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي فيه الله يوم القيامة.

والله تعالى لا ينزل آية إلا وفق مراده، ولا يطلب من العباد الإيمان بما لم يبينه.

هذا وإن الذي دعى هذا الحبشي إلى هذا التعطيل هو التزامه بقواعد فلاسفة اليونان ونصوصهم، وهم الذين يستنكرون نسبة التغير إلى الله، فقد قال أرسطو:"إن كل حركة لا بد لها من علة محرِّكة، يجب أن يكون في النهاية محرِّك غير متحرك وهو علة كل حركة"193.

ونسبة التغير والانتقال إلى الله بدعة لم يأت بها كتاب ولا سنة، غير أن المعطلة من الجهمية والمعتزلة وأحفادهم الأحباش فهموا من الذي يقول بإتيان الله ومجيئه أنه يعني التغير والانتقال، والذي عليه جمهور أهل السنة إثبات ما أثبته الله لنفسه، وقد قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

ويقول الحبشي:"فيحتم العقل تنـزهه عن الانتقال بالغضب والرضا"194.

وقد أثبت الله في كتابه صفه الغضب في مواضع كثيرة منها قوله: (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله) [النحل 106] وقوله: (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) [الفتح 6]، وقوله: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) [المجادلة 14] وغير ذلك من الآيات.

وأثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصفة أيضا، فعن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا برسول الله"195.يشير إلى رباعيته. وقال:"اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم"196.

وفي حديث الشفاعة عن ابي هريرة والذي يذكر فيه فزع الناس إلى الأنبياء يستشفعون بهم عند الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"… فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله …"197

وأثبت الله صفة الرضا في مواضع كثيرة من كتابه أيضا، منها قوله: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) [المائدة 119] و[التوبة 100] و [المجادلة 22] و [البينة 8]، وقوله: (فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) [التوبة96]، وقوله: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم) [آل عمران 162]، وغير ذلك.

وأثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصفة أيضا، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم افضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك"198.

ولسنا ندري من أين أتى هذا الحبشي بالانفعال، فإنه قول عظيم وافتراء مبين، ومن أين أتى به، ورضا الله وغضبه لا يكونان بزعمه إلا مصحوبين بالانفعال، ونسي هذا الحبشي أن ما يلزم صفات المخلوقين لا يلزم صفات الخالق تعالى، فكيف اطلع إلى ذات الله سبحانه وتعالى وعرف أنه ينفعل، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

فصل التأكيد على إثبات علو الله ومعارضة الحبشي لذلك

ربما يدحض حجة الحبشي وأتباعه الأحاديث النبوية الكثيرة، وفيها يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم علو الله على عرشه فوق سبع سماواته وأنه في السماء.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله سلى الله عليه وسلم قال:"الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"199.

وقد عارض الحبشي هذا الحديث الصحيح بحديث آخر:"الراحمون يرحمهم الرحيم ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء". وأراد بذلك أن أهل السماء هم الملائكة، وأن الله ليس في السماء.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا، يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون: جئنا من عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك، …"200.

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء"201.

وعن أنس أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: "زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات،

وفي خطابها النبي صلى الله عليه وسلم:"زوَّجنيك الرحمن من فوق عرشه"202.

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله سلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة:"ألا هل بلغت فقالوا:نعم، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها إليهم ويقول "اللهم فاشهد"رواه مسلم 2/890.

وفي رواية لمسلم: فقال بإصبعه السبابة برفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس ويقول:"اللهم اشهد" ثلاث مرات203.

وفي رواية البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يرفع رأسه إلى السماء ويقول "اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت"204.

وهذا يرد تأويل الحبشي وزعمه أن سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم الجارية كان عن تعظيم الله ومكانته في نفسها.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها زوجها"205.

وعن عمران بن حصين، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"يا حصين كم إلها تعبد اليوم؟ قال: سبعة في الأرض وإله في السماء، قال:"فإذا أصابك الضر من تدعو؟" قال: الذي في السماء، قال:"فإذا هلك المال من تدعو؟" قال: الذي في السماء. قال:"فيستجيب لك وحده وتشركهم معه؟"206

وفي رواية أنه قال للحصين:"كم تعبد اليوم إلها؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء. قال:" فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟" قال: الذي في السماء207.

وفي حديث المعراج الطويل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"… فرجعت، فمررت على موسى فقال بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسأله التخفيف لأمتك. قال: فرجعت فوضع عني عشرا" وهكذا كان كلما يرجع إلى موسى يقول له موسى:"ارجع إلى ربك"، حتى قال له موسى:"بم أمرت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخمس صلوات كل يوم"، حتى قال:"فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى"208.

فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع إلى عظمة الله وعلوه شأنه ومكانته (وهذا مقتضى تأويل الحبشي) وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"فلم أزل ارجع بين ربي وموسى" إذا لم يكن في السماء شيء كما يدعيه هذا الدعي إذ عنده أنه من قال إن الله في السماء فقد جعله في حيز وجهه، وعلى هذا فلا يجوز للحبشي أن ينكر على من يقول: إن الله في السماء، لأن قائلها إنما وصف الله بما وصف به نفسه.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الروح :"… ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تعالى…"209.

وفي رواية:"حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الرب تبارك وتعالى"210 وهذا معنى قوله:"تعرج الملائكة والروح إليه".

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضوعا لقوله كأنه سلسة على صفوان…"211.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون"212.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعو لي فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"213.

وعن أبي سعيد وأبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"… ولا يصعد إلى الله إلا الطيب"214. ولا يصعد إلى الله شيء عند الحبشي ولا ينزل منه شيء كذلك، وهو قد تأول صفة النزول بنـزول الملك، فيقال له: الملك يقول: من يستغفرني ومن يدعوني ومن يسألني؟.

وعن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم :"إن الله على عرشه فوق سماواته، وسماواته فوق أرضيه مثل القبة"215.

وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله سلى الله عليه وسلم قال:"الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة ومن فوقها العرش"216.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، كتبه على نفسه فهو مرفوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي"217.

وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل".

وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له، فليقل: ربنا الذي في السماء تقدس اسمك…".

والواقع أن الأحاديث التي تثبت ان الله تعالى في السماء كثيرة، وأنه فوق السماوات السبع مستو على عرشه بائن من خلقه.ونسأل جهمية التعطيل هؤلاء الأحباش ما معنى يعرج إليه ومعنى يرفع أليه وانه فوق وقولهم في كل صلاة سبحان ربي الأعلى وأننا ننتظر منهم الجواب على هذا.

نظرية الحبشي في الإرجاء

يرى الحبشي "أن الإيمان هو مجرد اعتقاد في القلب وأنه لا يشترط صحة إسلام المسلم النطق بل يكفي الاعتقاد"218.

وقال:"فمن لا يؤدي من فرائض الله ولا يجتنب شيئا من الحرمات، ولكنه قال ولو مرة في العمر: لا إله إلا الله، فهذا مسلم مؤمن، ويقال له أيضا: مؤمن مذنب، وأن استحضار بقية الإسلام كالصلاة والصيام ليس بشرط في تحقيق الإيمان" 219 فنقول عندئذ ما الفرق بين من قال أسلمنا ومن قال آمنا.

وقد بين الله تعالى تلازم العمل والاعتقاد في آيات كثيرة منها: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) [الكهف 107] وكقوله: (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا) [الأنفال 3-4]. وقوله: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) [البينة 5].

وقول الحبشي هذا هو نفس قول المرجئة الذين قالوا: إن الإيمان هو قول واعتقاد فقط لا يزيد ولا ينقص.

وقد جعل الله الصلاة من الإيمان فقال: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي: صلاتكم، وبهذا فسرها ابن عباس وسعيد بن المسيب وحماد بن زيد والسدي، أنهم قالوا في الآية: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي: صلاتكم التي صليتموها ببيت المقدس220.

وقد روي عن الإمام احمد بن حنبل أنه كان يقول:" الإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا". وقال الإمام احمد أيضا:"الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، زيادته إن أحسنت ونقصانه إن أسأت"221.

وقال الحسن البصري:"ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل"222.

وكان مالك يقول:"الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"223.

وقال الثوري:"خالفنا المرجئة في ثلاث نحن نقول إن الإيمان قول وعمل وهم يقولون الإيمان قول بلا عمل، ونحن نقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: أهل القبلة عندنا مؤمنون وأما عند الله فالله أعلم، وهم يقولون نحن من عند الله مؤمنون".

وقال البخاري:"لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء، فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" [فتح الباري 1/46-47].

وقال ابن أبى حاتم:"إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وما يحتج على أهل الإرجاء بآية أحج من قوله تعالى:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة".

وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة وقال:"والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلهم عليه" وكانوا قد قالوا: نصلي ولا نزكي. فقال له عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه، إلا بحقها وحسابه على الله". فقال أبو بكر:"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة حق المال وقد قال: إلا بحقها". فهل يريد هنا الرجل من المسلمين أن يشهد أحدهم الشهادتين مرة واحدة في العمر ثم هو بعد ذلك لا يقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة ولا يصوم رمضان ولا يحج البيت ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا يعمل الصالحات، ثم يكون من بعد ذلك من أهل الجنة؟ وماذا يقول حين يسمع هذه الآية: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) [الفتح4].

وأبو الحسن الأشعري الذي ينتحل الحبشي الانتساب إليه لا يخالف في هذا الباب جمهور الأئمة من أهل السنة، فهو يقول:"وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"224.

والقول بلا عمل ممقوت عند الله تعالى، فقد قال: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف 2-3] وقال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) [الأنعام 158].

فعلى هذا الأساس لا يكفي قول لا إله إلا الله مع التلبس بالمعاصي وترك الفرائض كالصلاة والزكاة والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ثم كيف يكون من المسلمين من أجترح الكبائر وعمل بسائر المعاصي ثم قال لا إله إلا الله، محمدا رسول الله أمام الناس، ثم أبطن الكفر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". فالإيمان يزيد وينقص.

ومن المعلوم أن المشركين من عرب الجاهلية كانوا يقرون بإله معبود وهو الله تعالى لكنهم أشركوا مع الله، فهل جعلهم قولهم بإله معبود من المسلمين؟ وهل هذا ينطبق على فرعون وقد آمن عندما أدركه الغرق. فهل تعدونه على قوله هذا من المسلمين؟؟.

الرد على أصحاب الأهواء الذين غيروا معنى الاستواء

قال الحبشي:"إن بعض أهل الحق يقولون في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) أي: قهر، وبعضهم عبر بـ:"استولى"، وهذا أشرف أنواع التأويلات وأقربها إلى الصواب"225 هذا بزعمه. ويعنى بأهل الحق: الجهمية والمعتزلة.

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر"أن المعتزلة قالت: استوى: أي: استولى على العرش، وأن المشبهة قالت: استوى: أي: استوى كاستوائنا، فسلك أبو الحسن طريقا وسطا بينهما"226.

وزاد الحبشي:"ثم استوى، لحدوث العرش لا لحدوث الاستواء"227.

وهذا غلط بين لأن حدوث العرش كان قبل خلق السموات والأرض، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"كان الله ولم يكن قبله شيء، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض"228 فتبين إن قوله بأن: (ثم استوى على العرش) هو حدوث العرش" قول غير صحيح، لأن الله خلق العرش قبل خلقه السموات والأرض.

وقال الحبشي أيضا:"فتبين أن تفسير استوى باستولى ليس فيه تجسيم لله، ولا نسبة نقص، لأن الاستيلاء بمعنى القهر"229.

وحكى عن السبكي أنه قال:"المقدم على تفسير الاستواء بالاستيلاء لم يرتكب محذورا ولا وصف الله بما لا يجوز عليه"230.

وهذا مخالف لعقيدة الأشعري، لأن أبا الحسن أنكر على المعتزلة تأويلهم الاستواء بالاستيلاء، قال:"وقالت المعتزلة استوى أي استولى، وقال:"وليس استواء الله على العرش استيلاء كما قال أهل القدر". (مقالات الاسلاميين157و211)

وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قالوا: تفسيره عندنا أنه استولى عليه وعلاه، قلنا: فهل من مكان لم يستول عليه ولم يعله حتى خص العرش من بين الأمكنة بالاستيلاء عليه وكرر ذلك في مواضع كثيرة من كتابه؟ فأي معنى بخصوص العرش إذا كان عندكم مستويا على جميع الأشياء؟"231.

وحدث داود بن علي، قال:"كنا عند أبي الأعرابي، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما معنى(الرحمن على العرش استوى) قال: هو على عرشه كما أخبر، فقال الرجل: ليس كذلك إنما معناه: استولى، فقال ابن الأعرابي: اسكت وما يدريك ما هذا، العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قبل استولى والله تعالى لا مضاد له، وهو على عرشه كما أخبر"232.

وفي المناظرة التي جرت بين بشر المريسي وعبد العزيز المكي، قال عبد العزيز:" أيكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه؟ فيلزمك أن تقول: المدة التي كان العرش فيها قبل خلق السموات والأرض ليس الله بمستول عليها" وسأل أحمد بن أبي داود القاضي الجهمي أبا عبد الله محمد زياد الأعرابي فقال: يا أبا عبد الله يصح هذا في اللغة ومخرج الكلام؟" وفي رواية:"أتعرف اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال: لا أعرفه" شرح اللالكائي 1/92.

وأنكر ابن الجوزي أن يكون هذا البيت مما يعرف قائله فقال:"البيتان لا يعرف قائلهما كذا قال ابن فارس اللغوي، ولو صح فلا حجة فيه لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا نعوذ بالله من تعطيل الملحدة ".(زاد المسير 3/213)

وقال الأشعري أيضا:"وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وأنه تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه… وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما قالوا كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأنه قادر على كل شيء" ثم قال:"وكذا لو كان مستويا بمعنى الاستيلاء لجاز أن يقال: هو مستو على الأشياء لا على العرش فقط، فبطل أن يكون الاستواء بمعنى الاستيلاء"233.

اعتماد الأحباش على بيت من الشعر لمعنى الاستواء

وعمدة هذا الحبشي وأتباعه بيت من الشعر نسب للأخطل النصراني:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

فقالوا: إن معنى استوى ها هنا: استولى، ووافقوا الذين استدلوا به من قبل كالمعتزلة وغيرهم، وهذه أول مرة في التاريخ الإسلامي تؤخذ فيه العقائد من بيت شعر وهذا التفسير الحبشي فيه الكثير من الخطل للأمور.

وهذا البيت من الشعر مصنوع ليوافق مذهبهم في النفي والتأويل، قال ابن الجوزي: لم يعرف قائل هذا البيت.

وقال ابن حزم:" وهذا فاسد – يعني الاستدلال بهذا الشعر – لأنه لو كان ذلك لما كان العرش أولى بالاستيلاء عليه من سائر المخلوقات ولجاز لنا أن نقول:"الرحمن على الأرض استوى" لأنه تعالى مستول عليها وعلى كل ما خلق، وهذا لا يقوله أحد، فصار هذا القول دعوى مجردة بلا دليل"234.

ومعنى (استوى على العرش) حسب تأويلهم المعطل: استولى عليه، فأصبح مالكا للعرش قاهرا له بعد أن لم يكن كذلك، فتعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا.

رأي الإمام مالك وعلماء الإسلام بالاستواء

وأحسن الأجوبة وأشرفها ما أجاب به مالك بن أنس، فقال يحيى ين يحيى: "كنا عند أنس بن مالك فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله، (الرحمن على العرش استوى) فكيف استوى؟ قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرُّخَصاء ثم قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه، وما أراك إلا مبتدعا، فأمر به أن يخرج"235. وروى بنحوه عن ابن وهب.

"وسئل ربيعة الرأي عن قول الله تبارك وتعالى: (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول والاستواء غير معقول ويجب علي وعليك الإيمان بذلك كله"236.

وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة:"استوى بلا كيف"237.

وذكر الذهبي في كتاب "العلو" وغيره بالأسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) قالت: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر"238.

وقال سفيان بن عيينة:"كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه". وقد سئل عن الاستواء فقال:"الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق".(مختصر العلو للذهبي:165)

وروى الدارمي والحاكم والبيهقي بأسانيدهم إلى علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول:" نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته على العرش استوى، بائن من خلقه ولا نقول كما قلت الجهمية".

فصل الاستواء

قال ابن جرير الطبري:"وأما قوله تعالى: (ثم استوى على العرش)، أي: ثم علا عليه"239.

وعن ابن مسعود في قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء) قال:"إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه ماء"240.

وعن ابن عباس (استوى إلى السماء)

وسأل ابن أبى داود ابن الأعرابي:"أتعرف في اللغة استوى بمعنى استولى؟ قال: لا أعرفه"241.

وقال عبد القادر الجيلاني:"وأنه ينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش، لا على معنى القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معنى العلو والرفعة كما قالت الأشعرية، ولا على معنى الاستواء كما قالت المعتزلة"242.

وقال الشوكاني:"قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى) قال: قد اختلف في معنى هذا على أربعة عشر قولا، وأحقها وأولاها بالصواب مذهب السلف الصالح أنه استوى سبحانه عليه بلا كيف، بل على الوجه الذي يليق به سبحانه، مع تـنـزهه عما لا يجوز عليه"243.

دليل الكتاب والسنة إن الله في السماء وإنكار الحبشي ذلك

كفر الحبشي وأتباعه كل من يؤمن بأن الله في السماء فوق عرشه، وعنده لا يجوز القول بهذا لأن ذلك يعني أنه محصور في السماء محدود فيها، وأنه في حيز وفي جهة، فيقتضي ذلك أن السماء أكبر منه.

وقد كان الحبشي يحذر الناس من الافتتان بتأويل من أسماه بالضال والمضل ويعني به شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه من أمثال ابن أبى العز الحنفي244. وقال:"إنه قد شرح هذه العقيدة شارح زائغ دعا فيها إلى الضلال والكفر"245. وقال:"إن ابن أبي العز وغيره قالوا بأن الله في السماء". وتأول قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء) فقال: إن المقصود بها جبريل أو الملائكة" إظهار العقيدة السنية ص 58. وهذا يذكر بزائغ آخر من الجهمية كان من قبل هذا يقول:"المقصود بها خاسف سدوم"246.

فقد جاء في تفسير هذه الآية عن ابن عباس: (أأمنتم من في السماء) قال:"أأمنتم عذاب من في السماء وهو الله عز وجل"تفسير ابن جرير 6/29، فمن اصدق ابن عباس أم الحبشي.

وقال ابن جرير الطبري: (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) قال: "وهو الله: (أن يرسل عليكم حاصبا) وهو التراب فيه الحصباء الصغار"تفسير ابن جرير 6/29.

وقرن ابن قتيبة(أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) بالآية (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا) وقال: هكذا قال المفسرون وهي كذلك عند أهل اللغة في المعنى وإن كانوا قد يفرقون بينهما في الأماكن" تأويل مشكل القرآن 546.

وكذلك فعل ابن كثير وقال:"وهذا يؤيد قولنا بأن بين هاتين الآيتين تشابها كبيرا، يبطل تأويل الآية الأولى على أن الذي يخسف ويرسل حاصبا هو جبريل أو الملائكة"247.

أما القرطبي فقال:"قال ابن عباس: (أأمنتم من في السماء): أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه"248.

وقال المراغي:"(أأمنتم من في السماء) أي: أمنتم أن يخسف ربكم بكم الأرض كما خسفها بقارون"249.

ولم يقل الله في كتابه: (أأمنتم) ونحوها إلا إذا كان المعني بذلك هو الله، وليس غيره، كقوله: (أفأمنوا مكر الله) [الأعراف 99]، وقوله: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) [يوسف 107]، وقوله: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض) [النحل45]، وقوله: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض) [النحل45].

وقوله تعالى: (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) مقرون بقوله: (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا) كما بين ذلك ابن قتيبة وغيره، ومن زعم أن الآية تعني جبريل فيلزمه جعل الآية التي قبلها: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) هل تعني جبريل أيضا، وهذا من أفظع الشرك.

وقوله تعالى: (أن يرسل عليكم حاصبا) لا يجوز في حالة من الأحوال أن يكون جبريل هو المرسل، والله تعالى وحده الذي يرسل، وانما جبريل مرسل (بفتح السين).

ويقول الله تعالى في كتابه ذاكرا صفات المؤمنين: (ولا يخـشـون أحدا إلا الله) [الأحزاب 39] كيف يقول ذلك ثم يقول لهم: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ويعني بذلك الملائكة أو جبريل، أفيمدح الله الذين لا يخشون إلا الله ويخوفهم بجبريل وبالملائكة؟!.

ومن الأدلة على أن الله تعالى في السماء حديث الجارية الذي رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي قال: كانت لي جارية ترعى غنما قبل أُحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صللتها صلة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا اعتقها؟ قال:"ائتني بها" فأتيته بها، فقال لها:" أين الله؟قالت: في السماء قال:"من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال:"أعتقها فإنها مؤمنة"250.

وهكذا فإن الله تعالى قد وصف نفسه بأنه في السماء، وأقر ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وأثبته بإقراره الجارية على قولها وشهادته لها بالإيمان.

وامتناع الحبشي وأتباعه عن القول بأن الله في السماء سببه أنهم يأتون بما يقاس على المخلوقين ويلزمون الناس باستعماله في حق الله تعالى وهذا هو التشبيه والتجسيم بعينه، فالله تعالى لا يقاس بالخلق، وهذا أحد أبواب التشبيه وهو (ليس كمثله شيء)، فإذا رأوا أن كونه في السماء يجعله في حيز، كما يوجد المرء في حجرة من حجر داره، فوقعوا فيما أنكروه من التشبيه الباطل، ثم عطلوا الثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن لم يقر بأن الله في السماء فقد أعظم على الله القول إذ يقول: (أأمنتم من في السماء)، وكذب نبيه صلى الله عليه وسلم الذي سأل الجارية"أين الله؟" فقالت: في السماء.

إنكار الحبشي لبعض أصحاب الرسول

قال الحبشي:"من أنكر صحبة أبي بكر بالقلب، أي اعتقد أن أبا بكر ليس صاحبا لرسول الله فقد كفر، أما من أنكر صحبة عمر أو صحبة علي فلا يكفر، وذلك لأن الله ما نص في القرآن على صحبة عمر أو علي أو عثمان، أما أبو بكر فقد نص الله على صحبته في القرآن، فقال تعالى: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، فقد أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا هو أبو بكر، فمن شك في ذلك وفسر هذا الصاحب بغيره من الصحابة فقد كفر، لأن ذلك يتضمن تخوين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتضليلهم، وفي ذلك هدم للدين، والقرآن أثنى عليهم، وذلك بقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)"251.

فهو يقول: القرآن أثنى عليهم، ثم يزعم أن من أنكر صحبتهم فلا جناح عليه، والواقع أن مذهبه في الصحابة كمذهبه في صفات الله عز وجل: النفي والتعطيل، فإن هذا الذي أورده مقدمة لنكران الصحابة أصلا، فالرافضة تعتقد كفر الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة منهم، وهذا الحبشي يجحد الصحابة كلهم إلا واحدا.

وقد يقول معترض: كيف تُقَوِّلُه ما لم يقل؟ والجواب: إن هذه الفتوى تحمل في طياتها إنكار الصحابة، فهو لا يستطيع القول: لا وجود للصحابة، ولكن بمثل هذه الفتوى يدخل في روع أتباعه أن إنكارهم لا يترتب عليه شيء ولا يدخل من أنكرهم في الكفر. وهو لا يفاجأ الناس بفتاواه، ولكن يتدرج بهم، فبينا نراه يزعم أن الصحابة لا يستطيعون استخراج الأحكام من القرآن والسنة، إذا بنا نراه لا ينكر على من أنكر وجودهم!!

تجرأ الحبشي على أصحاب رسول الله

اتبع الحبشي في الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية ما يراه الروافض من تكفير لمعاوية وتفسيق، هذا مع طي الزمان لتلك الفتنة، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب صحابته فقد قال:" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ من أحدهم ولا نصفيه"251.

وقال أيضا:"الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي"252.

وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن تلك الفتنة فقال:"تلك فتنة قد طهر الله منها سيوفنا وأيدينا، أفلا نطهر منها ألسنتنا؟"253.

وكان الإمام احمد إذا سئل عما وقع من الفتنة يقرأ: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) [البقرة 134]. وكان يقول:" من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه، كان مبتدعا حتى يترحم عليهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما، رحمهم الله أجمعين، ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والمغيرة كلهم وصفهم الله تعالى في كتابه فقال: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) [الفتح 29]، صفوا الله بما وصف به نفسه واحذروا الجدال مع أصحاب الأهواء وعليكم بالكف عن مساوئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"254.

وقال عبد الله بن احمد:"سألت أبي عن رجل بشتم رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما أراه على الإسلام"255.

وكان بعض التابعين يقول:" إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كشف الستر اجترأ على ما وراءه".

وقال أبو بكر المروذي:"قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة فقال: يا أبا عبد الله فيما كان بين علي ومعاوية فقال: ما أقول فيهم إلا الحسنى"256.

وقال احمد أيضا:" وإذا رأيت رجلا يذكر أحدا من أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام"257.

وقال:"ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن الذي جرى بينهم فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحدا منهم فهو مبتدع رافضي، ولا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم"258.

وذكر بين يدي مالك رجل ينتقص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار…) [الفتح 29]، ثم قال :"من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية".

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا"259.

ولا يعترف الحبشي بشيء من فضائل معاوية، فقد قال:"ومن قال بأن القتلى والقاتلين كلاهما في الجنة فهو مخطئ ولا دليل على ذلك إذ إن معاوية زعيم الفئة الباغية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"عمار تقتله الفئة الباغية" وقوله صلى الله عليه وسلم فيه:" يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار". فليس يدري أحد كيف فهم هذا الحبشي من قول النبي صلى الله عليه وسلم "يدعونه إلى النار" أنهم يدخلون النار، فمن أين أتى به؟

وقد ثبت أن معاوية كان من كتبة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم استجاب لطلب أبي سفيان بن حرب في أن يكون ابنه معاوية كاتبا لوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم260. فكفى بمعاوية فضلا كونه كاتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون كاتب الوحي كاذبا أو فاسقا.

وكان السلف الصالح من التابعين وتابعيهم لا يذكرون عليا ومعاوية والصحابة إلا بالحسنى ويكفون عما شجر بينهم من فتنة، ويكلون ذلك إلى الله تعالى.

ومن فضائله أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمعاوية فقال:"الله علمه الكتاب والحساب وقه العذاب"261

وقد روى الأئمة من أهل الحديث روايات وأحاديث كثيرة لمعاوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن ما عدا النسائي، واحمد وغيرهم من كبار المحدثين، فإذا علمنا أن البخاري ومسلما وهما اللذين التزما الصحيح في كتابيهما وكانا من التشدد بمكان في قبول الروايات قد ساقا أحاديث كثيرة لمعاوية، ثم إن صحبته كافية لأن يكون ثبتا صادقا فالصحابة كلهم عدول. ولم يذكرهم أحد بسوء إلا الروافض ومن والاهم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا وهو يتناول بعض المهاجرين فقـرأ عليه: (للفقراء المهاجرين…) ثم قال: هؤلاء هم المهاجرون، أفأنت منهم؟ قال: لا، ثم قرأ عليه: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم…) ثم قال: هؤلاء الأنصار أفأنت منهم؟ قال: لا ثم قرأ عليه: (والذين جاءوا من بعدهم…) فقال: أفمن هؤلاء أنت؟ قال: أرجو، قال: ليس من هؤلاء من سب هؤلاء"262.

تفسيرات شاذة للحبشي لمن جلس على القبور

زعم الحبشي أن المراد من حديث :"إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا"263 أي الكفار إذ قال ذلك الحبشي :"وذلك محل الكفار لا يصله عصاة المسلمين"264.

وليس يدري المرء من أين أتى بهذا وما معتمده في هذا ومستنده ؟ ولسنا نقر بأنه يعرف العربية أصلا لا أن يخوض في عبابها ويغوص في أثباجها، فمثل هذا الشعوبي لا يجوز أن يضع نفسه موضع المجتهد المطلق، فالوعيد في الحديث موجه إلى الكفار – عنده – وهذا ناشئ عن الفهم السقيم والتشبع الذميم.

وبم يوزع المسلمون ويردعون عن زلات ألسنتهم إن كان الحديث لا يشملهم؟ ثم إن هوي الكفار والمشركين في النار سببه كفرهم بالله شركهم، وهو دائم لا يفتر عنهم وما هم منها بمخرجين.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم:" لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه وتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر"265. قال الحبشي:"المراد بالجلوس الجلوس للبول أو الغائط فلا يحرم الجلوس على القبر لغير ذلك"266 انظر التدليس.

وهذا قطعا باطل، لأنه جاء من حديث عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعا:" لا تقعدوا على القبور"267 وهذا دليل على نفي ما ذهب إليه الحبشي من أن المراد بالجلوس هو الجلوس لحدث غائط أو بول. وفي رواية عن عمرو بن حزم أيضا: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على قبر فقال: "لا تؤذ صاحب القبر". وهذا دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته268؛فأين فعلة الغائط والتبول يا حبشي في قول عمرو بن حزم.

الأحباش هم من أهل الكلام نعم، لا من أهل السنة

كان بودنا أن يشرح الأحباش معنى مصطلح أهل السنة وكيفية دخول الأحباش فيه أو عدمه وهي التي يدندن حولها الحبشي ليل نهار ولكننا سوف نوجز المعنى كيف يكون المرء من أهل السنة الجماعة من عدمه فنقول أن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان.

الأول: المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعية فيقال المنتسبون للإسلام قسمان وهم أهل السنة والشيعة.

الثاني: المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء والجدل، وهو الأكثر ورودا في كتب الجرح والتعديل. فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سنة أو أنه من أهل السنة ونحوها فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف المبتدعة كالخوارج والمعتزلة والشيعة والجهمية والأحباش وليس من أصحاب الكلام والهوى.

وهذا المعنى لا يدخل فيه الأحباش والاشاعرة أبدا، بل هم خارجون عنه. وقد نص الإمام احمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة أهل السنة فحسب بل" التلقي والاستمداد منها"269 لهذا من تلقى من السنة فهو من أهل السنة وإن أخطأ، ومن تلقى من أهل الكلام ومن الفلاسفة وأهل الأهواء فقد أخطأ وإن وافق أهل السنة والجماعة في بعض المسائل …كنتيجة. والاشاعرة والفلاسفة وأهـل الكلام كما سترى تلقوا واستمدوا من غير أهل السنة ولم يوافقونها في النتائج فكيف يكونون من أهلها ولهذا فأهل الكلام كالجهمية والاشاعرة سابقا والأحباش والقديانية لاحقا لم يتلقوا من السنة وسوف نشرح الآن هذا على المذاهب الأربعة.

الحكم على الأشاعرة والجهمية والأحباش في المذاهب الأربعة

عند المالكية :

روى حافظ المغرب ابن عبد البر عن فقيه المالكية ابن خويز منداد: أنه قال في كتاب الشهادات شرحا لقول مالك" لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء" يقول "أهل البدع عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدا ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها أستتيب منها"270. وروى ابن عبد البر نفسه في "الانتقاء" عن الأئمة الثلاثة مالك وآبي حنيفة والشافعي نهيهم عن الكلام وزجر أصحابه وتبديعهم وتعزيرهم، فماذا يكون الأشاعرة والجهمية والأحباش إن لم يكونوا أصحاب كلام ؟؟

عند الشافعية :

قال الإمام أبو العباس بن سريج الشافعي وقد كان يلقب بالشافعي الثاني وكان معاصرا للأشعري "لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والكلامية المتفلسفة بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل271 ثم قال الإمام أبو الحسن الكرجي الشافعي ما نصه "لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري، ويقرأون ما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والائمة، وضرب مثلا بشيخ الشافعية الإمام أبو حامد الإسفرائيني الملقب بالشافعي الثالث قائلا :

"ومعلوم شده الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلق عنه أبو بكر الراذقاني، وبه أفتدى الشيخ أبو اسحاق الشيرازي في كتابه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميزة وقال :هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، واستنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقة فضلا عن أصول الدين"272

وبنحو ذلك بل أشد منه قال شيخ الإسلام الهروي الأنصاري273

فماذا تكون الأشاعرة الذين يأخذ عنهم الأحباش كل مبادئهم إن كانوا من غير الشافعية.

عند الحنفية :

معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان وكان الطحاوي معاصرا للأشعري وكتب الطحاوي هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبي حنيفة النعمان وهي مشابهة لما في الفقه الأكبر عنه، وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال بأن الله ليس على العرش أو توقف فيه، وتلميذ أبي حنيفة أبو يوسف كفر بشرا المريسي بذلك ومعلوم أن الأشاعرة وتبعهم بهذا الأحباش ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضا أن أصولهم مستمدة من بشر المريسي274 الذي كفره أبو يوسف سابقا فلو تم تسلسل الأفكار بهذه المسألة فيكون الأشاعرة والأحباش ذوو أصول مريسية فإن لم يكونوا من أهل السنة والجماعية فماذا يكونون؟؟؟

عند الحنابلة :

"موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدع الإمام احمد بن حنبل "ابن كلاب" وأمر بهجره وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة وبعدها كان الحنابلة يطردون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشيء من مذهب الأشاعرة"275

ولم يكن القشيري إلا واحد ممن تعرض لذلك وبسبب انتشار مذهبهم وبدعهم الكلامية ومن ثم أجمع علماء الأمة سيما الحنابلة على محاربتهم فقد أصدر الخليفة العباسي منشور "الاعتقاد القادري"276 أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اتباعها.

وسبحان الله واليوم في عصرنا هذا يقوم أتباعهم كالأحباش مثلا بإلقاء الخطب الحماسية ومواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية زعما وهي كتب بدعية ضالة يلقونها على الشباب ولجهل هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الاستقامة" شرحا بين أن الأشاعرة كانوا على غير طريق الولاية والاستقامة ودلل على ذلك بأن عبد القادر الجيلاني لما سئل "هل كان لله ولي على غير اعتقاد احمد بن حنبل؟ فأجاب بشكل محزن وقال: ما كان ولا يكون."277 وهذه نفس الفلسفة التي يقولها الأحباش لا فوق ولا تحت.

هذا موجز وجيز جدا للحكم على الأشاعرة في المذاهب الأربعة فما ظنك بحكم رجال الجرح والتعديل ومعلوم أن مذهب الأشاعرة هو رد خبر الآحاد في العقائد ويتقولون كذلك أن في الصحيحين أحاديث موضوعة أدخلها الزنادقة دون أن يكلفوا أنفسهم توضيح ذلك وإن شئت أنظر كتاب أمامهم المتأخر الرازي في الميزان ولسان الاعتدال.

فالحكم الصحيح في الأشاعرة ومن والاهم كالأحباش والقديانية إنهم من أهل القبلة لا شك في ذلك أما أنهم من أهل السنة والجماعة فلا.

وهاهنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم –كالأشعري والرازي والغزالي- وغيرهم هي إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف الصالح وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية وكتاب الإبانة للأشعري أوردت ذلك في تراجمهم فما دلالة ذلك.

إن كان ادعائهم أنهم من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي عقيدة رجعوا ؟؟ ولماذا رجعوا ؟؟ وإلى أي عقيدة رجعوا ؟؟.

وتبيان لذلك نقول أن مذهب السلف هو مذهب القرون الثلاثة الأولى وبعضهم يقول الخمسة الأولى فما بقي بعد هذه القرون ؟؟.

وصدقوا فالثابت تاريخا أن مذهب الأشاعرة لم ينتشر إلا في القرن الخامس إثر انتشار كتب الباقلاني278.

وما قولك بالأحباش في هذا القرن فهم ليسوا من المالكية ولا الشافعية ولا الحنفية ولا الحنبلية وكذلك خلطوا الأشعرية بالنصيريةوالصوفية(الاتحادية منها والحلولية) وبالشيعية ليرضوا الجميع، ويحضرني هنا قول أحد شيوخ الشيعة في لبنان عندما سئل عن الأحباش فأجاب ضاحكا وقال "إن الأحباش كالغراب عندما قلد مشي الحمام، فلا هو أتقنها ولا هو حافظ على مشيته فكانت مشيته عنوان للتشوه "، فالقول فيهم بأنهم أهل قبله نعم أم من أهل السنة والجماعة فلا ؟.

التوحيد عند المسلمين والتوحيد عند الأحباش

التوحيد عند الحبشي ثلاثة أنواع :

نفي الكثرة عن ذات الله.

نفي النظير عنه في ذاته وصفاته.

أنه منفرد في الخلق والإيجاد والتدبير، فلا مساهم له في اختراع المصنوعات وتدبير المخترعات279.

أما الرد على الحبشي فهو كالتالي:

وهو نفي الكثرة المصححة للقسمة عن ذات الله فنقول بأن هذا اقتباس حبشي عن أفلوطين "رائد الأفلاطونية المتفلسفة الحديثة" والدليل على (الحبشي) أن أفلوطين يقول وبالحرف الواحد عن الخالق "والكثرة لا توجد فيه بأي اعتبار، كما أن التركيب لا يتطرق إليه بأي وجه من الوجوه، وهو لهذا بسيط كل البساطة كما هو واحد في الذات وحده مطلقة "280 إلى أن يقول أفلوطين ويتابع " … ولأنه واحد من كل وجه، لا يوصف بوصف يقتضي تكثرا فيه".

ولو قرأ الحبشي سورة الإخلاص (قلا هو الله أحد…) لكان هذا أوجز له وللمسلمين.

ولكن إشكالية الحبشي خاصة والأحباش عموما أنهم لا يتدبرون آيات الله أما كيف يكون معنى "الأحد" هو ما لا يوصف ولا ينقسم؟؟ وقد ثبت وصف المخلوقات في القرآن الكريم بالأحد بقوله تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) [التوبة 6] وقوله تعالى (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهف110] وقال (ذرني ومن خلقت وحيدا) [المدثر11] وكذلك (ولا أشرك بربي أحدا) [الكهف 38] وكل هذه "الأحد" التي وردت في كتاب الله هي بالمطلق غير الله فكيف يصف سبحانه وتعالى المخلوقات وفيهم من الصفات والوصف الكثير من الجوهر والعرض والتكثر والفناء بالأحد ؟؟؟؟ والقرآن قد نزل بلسان العرب واستخدم وصف "الوحيد والأحد" على المخلوقات الموصوفين بالجسم والعرض وهذا يدل أن استخدام هذا الوصف معروف عند العرب وتحتمله اللغة.

وهذا التشابه بين مسمى صفات الله وبين صفات المخلوقين لا يؤدي بأي حال إلى التشابه في حقائق الصفات لأن العرب خاصة والمسلمين عامة يؤمنون بقوله تعالى (ليس كمثله شيء) وبقوله (ولم يكن له كفوا أحد) وبقوله (هل تعلم له سميا).

وعلى هذا فقد وصف الله نفسه بأنه سميع بصير ووصف الإنسان بأنه سميع بصير، وليس سمع الإنسان وبصره بأي حال كسمع وبصر خالقه، ووصف الله نفسه بأنه رؤوف رحيم ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة 129]، فليست رحمة الله كرحمة مخلوقاته.

فنفي النظير عن الله في الصفات إنما يكون في حقائقها لا في مسماها، لأن اشتراك الخالق والمخلوقات في مسمى الصفات هو بالمطلق غير حقيقتها وهذا معنى الآية (ليس كمثله شيء) [الشورى 11] وعلى هذا فلا يلزم تواطؤ الصفة على تواطؤ الحقيقة.

أما قول الحبشي بأن الله لا نظير له في ذاته أو صفاته فهذا ما يذهب إليه جمهور المسلمين ولكنه لم يكمل الحقيقة بأنه لا يحق له أن ينفي صفة من صفات الله إذا وجدها في كتاب الله قد أطلقت على أحد من خلقة كقوله تعالى (أن الله كان سميعا بصيرا)النساء 58 وقوله على الإنسان (فجعلناه سميعا بصيرا) الإنسان 2، وعلى هذا فقد تماثلت ألفاظ الصفات تماثلا لفظيا لا حقيقة وهذا وجوب فهم الآية (ليس كمثله شيء) [الشورى11].

لأنه لولا هذا الاشتراك اللفظي في الصفات لما استطعنا فهم ما خوطبنا به من الصفات الإلهية وهذا إثبات عند أهل السنة والجماعة بأن إثبات وجود الله لا يقتضي مماثلتة بوجود الموجودين، وكذلك إثبات صفاته لا يقتضي مماثلتها بصفات المخلوقين، وهذا ما نريد من الحبشي أن يكمله ويتفهمه من القرآن دون الذهاب لكتب الفلاسفة كأفلوطين وبشر المريسي والجهم بن صفوان.

مع أن الله امتدح نفسه بتلك الصفات التي أتت بشكل تفصيلي في القرآن وقد فهمها الصحابة والتابعون وفهموا منها التوحيد لله فإننا نعجب لماذا يدخل الحبشي في باب التوحيد تعطيل وتشبيه صفات الله والجواب على هذا كله كفاه أن يقول (قل هو الله أحد) وأن يتابع (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فأن الآية الأولى شفاء لمرض التبضيع والتكثير والتجزيء والثانية شافية من لوث ورجس التشبيه والتعطيل.

ورحم الله ابن عبد البر القائل "نهى السلف رحمهم الله عن الجدال في الله عز وجل في صفاته واسمائه"281 وكذلك قول الخطاب عمر رضي الله عنه "أنه سيأتي أناس يأخذوكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أهل السنن أعلم بكتاب الله"282.

وأما الجويني فقال آخر عهده "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به"283.

قول الحبشي بخروج الأموات من قبورهم لإغاثة الأحياء

وزعم الحبشي:"أن الأموات يخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج الناس"284، ولكن لم يذكر كيفية خروجهم هل يخرجون بالأكفان أم بدونها.. وكذلك لم يذكر مواقيتها ليلا أم نهارا والاهم من هذا لم يذكر سنده بذلك، هل هو من الكتاب أم من السنة وما زلنا ننتظر منه الإجابة، وكذلك لم يذكر لأتباعه إذا كان التكليف على الميت قد سقط في أهم الأشياء من صلاة وزكاة فكيف تبقى عليه تكاليف الخدمة لقضاء حوائج الناس كما يزعم، ولا نعرف كيف يطيق من يخرج من ظلمة القبر كيف يود أن يعود إليها، والله لا نعرف إذا كان حال المسلمين هكذا !!! كيف نقنع الآخرين بالدخول بالدين الإسلامي وكيف نرد عليهم إذا تم سؤالنا عن الأموات كيف يسعون بين الأحياء ويزاحمونهم في أمور الخدمات العامة التي يزعمها هذا الحبشي، وما هو مبرر الموت إذا استمرت حركتهم بعد الممات.

وزعم الحبشي رواية مسلية لبعض مريديه قائلا" بأن خادم مقام النجاشي النصراني في بلاد الحبشة التي أتى منها هذا الحبشي" آذاه بعض النصارى فانفصل من السقف لوح من أسقف المقام (يقصد لوح الزينكو)وقطع رأس النصراني ثم رجع إلى مكانه في السقف بعد ذلك كف النصارى عن مضايقة الخادم وصار للمقام هيبة"285.

ولكن من خبرتنا المتواضعة نعلم أن ألواح الزينكو تكون عوارضها التي تحملها من الأسفل وفيما لو انفكت تذهب وتطير إلى الأعلى ويستحال أن تنفذ إلى الأسفل، ولكن ما قصده الحبشي هو أنه يدعو إلى اللجوء إلى القبور واحترامها بل واحترام سدنتها ولو كانوا من غير المسلمين وهذا لا شك من الأعمال المؤدية إلى الإشراك بالله والتبرك وتعظيم القبور وهذا غاية ما يرنو إليه هذا الحبشي.

التحريف الحبشي لكتب السيد سابق والسيد قطب

ما زال الحبشي مستمر في التحامل على الشيخ سيد سابق (كما يتحامل على كافة علماء المسلمين) ولما لم يجد عليه مأخذ فقام بتحريف كتابات الشيخ سيد وسوف ندون ما قاله الشيخ سيد سابق رحمه الله فقال"والإكراه على التلفظ بكلمة الكفر لا يُخرج المسلم عن دينه ما دام القلب مطمئنا بالإيمان"286

أما تحريف الحبشي فتقرأه كالتالي" لا يخرج من الإسلام (أي المسلم) بقوله اللفظ الكفري إلا أن ينشرح له صدره"287. .. لاحظ كيف تم تحريف الكلام عن مواضعه بدون أمانة بالمطلق ومن ثم كيف قام الحبشي بحذف كلمة "والإكراه" من حديث الشيخ الجليل سيد سابق.

أما تحريف الحبشي لمؤلفات الشيخ سيد قطب رحمه الله فهي أدهى بكثير وإليك أخي القارئ قول وتفسير سيد قطب (وهو معكم أينما كنتم) [الحديد4]. قال الشيخ سيد قطب "وهي كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز، فالله سبحانه وتعالى مع كل شيء في كل وقت وفي كل مكان مطلع على ما يعمل بصير بالعباد"288

وحرف الحبشي الحديث زاعما على سيد قطب فقال"ثم يخالف جميع علماء الإسلام في قوله أن قول الله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) [الحديد4]، هو على الحقيقة لا على الكناية والمجاز فالله سبحانه مع كل أحد ومع كل شيء وفي كل مكان" وأسقط الحبشي تكمله الحديث الذي قاله سيد قطب أعلاه بقوله مطلع على ما يعمل بصير بالعباد" فقال الحبشي عن سيد قطب أنه قد "جعل الله منتشرا وهذا كفر"289.

وعلى هذا تم تحريف وإسقاط بعض حديث سيد قطب لينال منه كما نال وبنفس الأسلوب من معظم علماء المسلمين. ولكن للحقيقة سوف أورد تناقض الحبشي مع نفسه فهو يقول أن الشيخ قطب "يخالف جميع علماء المسلمين لقوله أن الآية على الحقيقة لا على المجاز لأن الحبشي يريدها مجازا.

أولا: أن الحبشي نفسه يقول" وإن نقل النصوص من الحقيقة إلى المجاز عبث في النصوص" 290وهذا ما أخذ به سيد قطب في تفسير الآية السابقة فلماذا يعارضه الحبشي بشيء آمر به بنفسه ومسجل عليه، أقصد الحبشي.

ثانيا: أن من أدخل المجاز إلى نصوص القرآن هم الجهمية والمعتزلة فهل هؤلاء الذين قصدهم الحبشي أعلاه" جميع علماء المسلمين".

ثالثا: وحكى السبكي في الابتهاج" أنه مذهب أبي إسحاق الاسفرائيني وكذلك نفى ابن الحاجب المجاز … فكيف يدعى الحبشي بقوله "جميع علماء المسلمين". وهو أول من قال بعدم نقل النصوص من الحقيقة إلى المجاز، سبحان الله ورحم الله الشيخان السيدان سابق وقطب على ما قدموه من علم للإسلام وللمسلمين.

فليعلم الأحباش ما هي أبواب الشرك

دعاء غير الله قمة الضلال

قال تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) [الأحقاف5]. وقال : (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ذلك هو الضلال البعيد) [الحج] والعجيب أن الأحباش زعموا بأن الاحتجاج ضدهم بهاتين الآيتين إنما هو للتمويه. ولم يجيبوا عن الآيتين بشيء سوى هذه الكلمة وما زلنا ننتظر منهم الجواب.

الأحباش يصرحون بأن الاستغاثة بغير الله مكروهة لا ثواب فيها

ونسألهم وشيخهم إذا كنتم ترون الاستغاثة بغير الله أمرا مكروها، فهل فعله الرسول والصحابة من بعده، فكيف يقول شيخكم بأن "ترك الاستغاثة بغير الله أحسن"291. واعترف أتباع شيخكم بأن قول القائل "المدد يا رسول الله" لا ثواب له فيه292. فشيء لا ثواب فيه وهو مكروه لماذا تحاربون المسلمين على رفضه. إذا كان عندكم مكروها فكيف تحبذون شيئا تدعون مكروهيته؟ وكيف تستحسنون للناس الأخذ بشيء مكروه ؟ تجعلون الاستغاثة بغير الله عقيدة توالون وتعادون عليها وهي عندكم شيء مكروه؟.

النهي عن دعاء غير الله نهي قرآني لا عبرة بغيره

قال تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحدا) [الجن18] فهذا نهي يفيد العموم.

وقال: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين) [غافر66] هذه الآية تدل على أن الدعاء عبادة. وهي نص على أن دعاء غير الله مناف للإسلام ولرب العالمين.

دعاء غير الله شرك

قال تعالى: (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) [الجن20] وقال: (وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين) [القصص87] وقال: (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا) [غافر12].

وقال: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) [العنكبوت29]

وقال: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين. بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) [الأنعام40] فهذه الآيات تدل على أن دعاء غير الله شرك.

وقال: (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين من دونك فالقوا إليهم إنكم لكاذبون) [النحل86] فهؤلاء المشركون كانوا يدعون بشرا مثلهم كما قال تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) وهؤلاء البشر يتبرءون منهم. فتأمل كيف وصف الله دعاء غيره بالشرك. وموضوع الآيات كان الدعاء وليس الصلاة أو السجود.

دعاء غير الله كفر

قال تعالى: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) [غافر14] فالكاذبون يكرهون أن يدعى الله وحده.

وقال: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) [الأنعام 130] قارنها بهذه الآية (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين) [غافر73].

مرتكب الشرك مشبه لله بخلقه

قال تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) [البقرة22] سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قال الشيخ ملا علي قاري "أي تجعل نظيرا لله في دعائك وعبادتك"293. فالشرك تشبيه لله بخلقه. قال تعالى(تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكن برب العالمين) يحلف الذين كانوا يدعون الأولياء أنهم كانوا يشبهونهم برب العالمين. وقال تعالى(وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار) [الزمر8] قال الطبري"كانت العرب تقر بوحدانية الله غير أنها كانت تشرك في عبادته"294وهذا ينطبق على من ينادي يا بدوي يا دسوقي يا زهراء.

دعاء غير الله تأليه لغير الله

وقال: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) [المائدة116] لأنهم يدعون مريم مع الله فهو تأليه لها وإن لم يصرحوا بأنها إلهة مع الله. قال تعالى: (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء) [هود101].

أليس الله بكافيكم حتى تلتجئوا إلى غيره؟

قال تعالى: (أليس الله بكاف عبده) [الزمر36 ] قال الزبيدي"وقبيح بذوي الإيمان أن ينزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيته وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى(أليس الله بكاف عبده). ثم صرح الزبيدي بأن الله هو الوحيد المستحق للالتجاء إليه والاستعانة به في جميع الأمور والاستغناء به عن غيره"295 يقصد الالتجاء ودعاء المخلوقين.

لا يكشف الضر إلا الله

وقال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) [النمل62] الأحباش يقولون لك: هناك مخلوقات يجيبون المضطر إذا دعاهم ويكشفون السوء. ثم يزينون لك هذا الشرك بعبارة بإذن الله. مع أن الله يجعل ذلك خالصا به وحده فيقول: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) [الأنعام 17] وهذا معنى حصري لله تعالى. وأما غيره فلا يكشف ولا يستجيبون. قال تعالى: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه ولا يستجيبون لهم بشيء) [الرعد14]. نعم، السارق يسرق بإذن الله الكوني لا الشرعي وكذلك المشرك إنه يشرك بالله، ولو شاء الله لهداه. ونحن نطالبكم بأن تأتوا بالإذن الشرعي الدال على جواز الاستغاثة بغير الله؟.

إذا كانوا عبادا أمثالكم فلا تدعونهم

قال تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) [الأعراف194]

وقال: (قل إنما أنا بشر مثلكم) [الكهف110]. والأنبياء بشر وعباد أمثالنا فلا يجوز أن نسألهم بعد موتهم.

قال الحافظ"وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح لهذه الأصنام، ثم تبعهم من بعدهم على ذلك".وذكر أنهم كانوا يتبركون بدعاء سواه وغيره من الصالحين ويتمسحون بصورته296.فعبادة الأصنام منشؤها الغلو في الصالحين وقد بنوها لتذكرهم بالصالحين من أنبياء وأولياء.

وذكر التفتازاني أن شرك المشركين وقع حين "مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله اتخذوا تمثالا على صورته وعظموه تشفعا إلى الله تعالى وتوسلا"297

وهذه ما نؤكده دائما أن نوع شرك المشركين السابقين: هو شرك تشفع وتوسل بالصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى. وقال: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) [يونس18] وإنما يقع اليوم في نفس الفخ من لم يعرف الفخ الذي نصبه الشيطان لمشركي الأمس.

لا يغنون شيئا ولا يملكون كشف الضر ولا جلب النفع

قال تعالى: (فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) [الاسراء56]

وقال: (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) [الجن21]

وقال: (قل لا أمتلك نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) [الأعراف188]

وقال: (وما أملك لك من الله من شيء) [الممتحنة4]

وقال: (وما أغنى عنكم من الله من شيء) [المائدة41]

وقال: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) [فاطر13]

لا يغنون لا يسمعون

قال تعالى: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) [فاطر14]. أي يتبرأ منهم الصالحون الذين بنيتم المقامات والأضرحة على قبورهم. وقد كانوا عن دعائهم غافلين كما قال تعالى(وهم عن دعائهم غافلون) [الأحقاف5] وقال(وما أنت بمسمع من في القبور) [فاطر22]. فالآية واضحة في أنهم كانوا يدعون الصالحين من دون الله وليس الأحجار. وسيتبرءون من شرككم إياهم مع الله قال تعالى: (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) [فاطر35]. وقال: (تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) [القصص63].

لا ينفعون ولا يضرون

قال تعالى: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) [الأعراف197]

وقال: (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد) [الحج12]

وقال تعالى : (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) [يونس106].

وقال: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) [الأعراف188]

وقال: (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هم ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) [الزمر38]، أي التوكل على الله فقط.

وقال: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)يونس18 وبعضهم يقول زلفى وتقرب لله وهذا الشرك.

وقال: (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) [الفرقان3]

وقال: (قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا) [الرعد16]

وقال: (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) [الأنعام71]

فهم لا ينصرون، ولا ينفعون، ولا يضرون، فما الحاجة للاستغاثة بهم؟

لا يسمعون

قال تعالى: (إنك سميع الدعاء) [آل عمران38]، (إن ربي لسميع الدعاء) [إبراهيم39]

وقال(هل يسمعونكن إذ تدعون …) ثم عقب ذلك بقوله(أفرأيتم ما كنتم تعبدون) فقال لهم أولا (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم) [الشعراء72].

لا يستجيبون بشيء

قال تعالى: (ولو سمعوا ما استجابوا لكم) [فاطر35]فلو تحقق السمع فلن تتحقق الاستجابة.

وقال: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) [الاحقاف5]

وقال: (وقيل ادعوا شركاءكم. فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب. لو أنهم كانوا يهتدون) [القصص64]

وقال: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) [المائدة72]فالشرك مخاطرة عظيمة تؤدي إلى الحرمان من الجنة.

وقال تعالى: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) [الأعراف197]

أموات لا يدرون متى يبعثهم الله

قال تعالى: (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) [فاطر22]

وقال: (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) [النحل20]. إذن فهؤلاء كانوا يدعون من دون الله بشرا لا حجرا. وإنما جعلوا الحجر رمزا للأولياء والصالحين.

والسؤال: هل تتحدث الآية عن بعث الأصنام إلى الحياة بعد الموت؟ أم بعث الأموات يوم الحساب وهذا جواب على من يتقول إنما ندعوا من هو داخل القبر.

لأن الأصنام لا يحل بها موت ولا بعث. فإنها خارجة عن قانون الحياة والموت والبعث. ولأن الشعور يستعمل فيمن يعقل لا في الأحجار.

ولأن قوله تعالى(أموات غير أحياء) لا يصح إضافتها إلى الأحجار التي صنع منها الصنم، إذ هي جماد لا يصح وصفه بالحياة ولا بالموت. فلم يبق إلا أن يكون الكلام متعلقا بالصالحين الذي نحتت الأصنام على صورهم.

فإن (الذين) هي اسم من الأسماء الموصولة، والأسماء الموصولة من صيغ العموم عند الأصوليين والنحويين، فهي عامة في كل من دعي من دون الله. وهي لا يخبر بها إلا عن العقلاء لا الجمادات، ولو كان المراد بها الأصنام والحجارة لكان حق الكلام أن يكون هكذا:"وهذه التي تدعونها من دونه ما تملك من قطمير. إن تدعوها لا تسمع دعاءكم ولو سمعت ما استجابت لكم

ومن هنا قال الحافظ"وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح لهذه الأصنام، ثم تبعهم من بعدهم على ذلك". وذكر أنهم كانوا يتبركون بدعاء سواه وغيره من الصالحين ويتمسحون بصورته. فعبادة الأصنام منشؤها الغلو في الصالحين، وقد بنوها لتذكرهم بالصالحين من أنبياء وأولياء. فمن خرج من الدنيا لم يعد له صلة بالأحياء. قال تعالى: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) [المائدة117]. فإنه لما توفى الله عيسى عليه السلام لم يعد شهيدا على قومه مع أنه نبي.

الدعاء في لغة القرآن والحديث هو العبادة عند أهل السنة

قال تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين) [الأنعام56] فدعاء غير الله مناف للإسلام ولرب العالمين.

وقال: (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد) [الحج12] فوصف دعاء غير الله بأنه ضلال بعيد.

وقال: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) [يونس18]

وقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم. إن الذين يستكبرون عن عبادتي) [غافر60]. قال السدي: أي دعائي299وقال الحافظ"وضع عبادتي موضع دعائي"300. وهذا دليل على أن الدعاء مستلزم للعبادة.

قال تعالى: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا.إذ نادى ربه نداء خفيا…) [مريم2] وهذا النداء من زكريا عليه السلام دعاء لله بدليل قوله تعالى (ولم أكن بدعائك رب شقيا) [مريم3]. وقوله (هنالك دعا زكريا ربه) [آل عمران38]. وقوله(ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) [الكهف52]. (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) [الأنبياء87].

وقال تعالى: (ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا) [الأنبياء76] (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) [القمر 10] وهذه كلها تؤكد على التواتر بأن الدعاء هو العبادة وبعضهم يقول بأن الدعاء هو لب أو مخ العبادة.

شبهة حديث المعراج "إذ يستغيث الناس بآدم "

واحتج الأحباش بحديث طويل حول يوم الحشر وأن الناس آنذاك يستغيثون بآدم.

والجواب: أن الاستغاثة يومئذ بحي حاضر. فغدا تجوز الاستغاثة بآدم وهو حي أمامهم واليوم هو حرام وأشراك بالله.

وتعجب لماذا لم يفهم الصحابة ما فهمه هذا الحبشي؟ ولو فهموه لسارعوا إلى الاستغاثة بآدم وبأي نبي من الأنبياء، بعد موته لكنهم لم يفعلوا ذلك. وإنما تركوا حتى التوسل به بعد موته. فكيف يتركون التوسل لو فهموا من هذا الحديث جواز الاستغاثة بغير الله؟ فدل هذا على أن فهمكم هو الخطأ.

قال"كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به فيستسقي لهم فيسقون"301 وبعد وفاة الرسول استسقوا بعمه بالعباس.

تحريف الأحباش لحديث الاستسقاء

عن مالك الدار302" أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مستسقون وقل له عليك الكيس الكيس.

والجواب أن في الرواية اضطراب: فإن مالك الدار مجهول الحال، إذا شهدنا له بالثقة303 لم نشهد له بالضبط، فإن مجهول الحال لا يعلم كونه ثقة أم غير ثقة.

ومن تدليس الأحباش الذي لا ينتبه له العامة قولهم"ولما قال الصحابي بلال بن الحارث: يا رسول الله: استسق لأمتك ثم قالوا "قال الحافظ بن حجر304 ولكن الحافظ صحح سند الرواية التي ليس فيها أن القائل هو الصحابي بلال بن الحارث. وإنما قال بعد انتهائه من الرواية التي صححها:"وروى سيف في الفتوح أن الذي قال ذلك هو بلال بن الحارث المزني" فانظر إلى تدليس القوم وتلاعبهم ومزجهم بين الروايتين بم لم يفعله الحافظ في الفتح. فإن الحافظ ذكر سيف ولم يعقب عليها وإنما عقب على الرواية التي قبلها والتي ليس فيها تسمية القائل (استسق لأمتك)..

على أن الرواية التي فيها أن الرجل هو بلال بن الحارث فإن راويها سيف305 كما قال الحافظ في الفتح، وسيف هذا زنديق بشهادة نقاد الحديث، اتهمه ابن حبان بأنه كان يضع الحديث, ورماه هو والحاكم بالزندقة (تهذيب التهذيب4/295) وقال عنه ابن أبي حاتم"ضعيف"306 فقول الأحباش قال ابن حجر: إسناده صحيح" هو من مفترياتهم على الحافظ. وكيف يصحح الحافظ إسنادا، يرويه سيف في (الفتوح) والحافظ هو الذي يقول عن سيف في كتابه "تقريب التهذيب" "ضعيف الحديث"307 ومن قال الحافظ فيه ذلك فلا يقبل حتى في المتابعات كما هو معلوم من اصطلاحه، ذكره في مقدمة كتابه والحافظ ابن حجر العسقلاني يقول عمار بن سيف الضبي الكوفي "ضعيف الحديث"308.

أن الرواية ليست متواترة، وقد عاهد الأشاعرة ألا يأخذوا من أخبار العقائد إلا بالرواية المتواترة.

أن البخاري اقتصر على قول عمر (ما آلو إلا ما عجزت عنه)309 ولم يذكر مجيء الرجل إلى القبر، وهذه الزيادة دخلت في القصة وهي زيادة منكرة ومعارضة لما هو أوثق كرواية ترك عمر وجمهور الصحابة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس310.

هل نرضى أن يقال: إن هذا الرجل المجهول كان أشد تعظيما ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة بسنته من عمر الذي أخرج جمهور الصحابة إلى الصحراء ليشهدهم على ترك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتوسل بدعاء العباس ويقرونه على ذلك.

أن الرواية لم تذكر أن الرجل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، فالرجل مجهول والذي أتاه في المنام مجهول، والمنامات لا تقوم بها حجة في العقائد.

فما لهؤلاء القوم يرفضون الاستدلال بالآحاد في العقائد ولو كان في صحيح البخاري، بينما يمسكون برواية زنديق أمثال سيف الضبي أو ببيت شعر ويحتجون بالمنامات لأثبات عقائدهم الباهتة؟!.

حقيقة معنى السلام عليك أيها النبي في التشهد

قالوا: وهل تنكرون علينا قولنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

فقد فسر الحافظ سلام زائر المقابر "السلام عليكم" أي اللهم اجعل السلام عليكم311

قال الحافظ"فخطاب الموتى بالسلام في قول الذي يدخل المقبرة: السلام عليكم أهل القبور من المؤمنين لا يستلزم أنهم يسمعون ذلك: بل هو بمعنى الدعاء، فالتقدير: اللهم اجعل السلام عليكم كما نقدر في قولنا الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، فإن المعنى: اللهم اجعل الصلاة والسلام عليك يا رسول الله".

وهل كل مخاطب يسمع؟ إن قلتم نعم هذا ضروري. قيل لكم: هذا خطاب عمر للحجر الأسود:"والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك312فهل سمع الحجر.

ونسأل: هل يستوي عندكم المسلم عليهم والمستغاث بهم؟ هل يستوي من يدعو الله لهم بالسلام والرحمة وبين من يدعوهم أن يكشفوا ضره ويغيثوا لهفة؟ أم أنكم تأتون بمثل هذه الحجج للتمويه على عوام الناس!

وقد حكى الأحناف ومنهم صاحب الدر المختار أن هذا من باب الدعاء له لأن السلام دعاء من المؤمن لأخيه. جاء في رد المحتار على الدر المختار (180:3) أن إسماع الكافرين يوم بدر حالة خاصة جعلها الله زيادة في حسرتهم وأن سماع الميت قرع نعال مشيعيه يكون في أول الوضع في القبر فقط. وهو قول العلامة الشيخ احمد الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح للشرنبلالي312 أضاف "وأما السلام عليهم فحملوه على أنه دعاء لهم وليس خطابا. لأن السلام دعاء لهم بالرحمة والأمن"313.

الرد على من قال ليس الله على كل شيء قدير

قال الحبشي في قوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير): إن هذه الآية "لا تعني أن الله على كل شيء قدير، لأن "كل" لا تفيد التعميم هنا، فيصير قادرا على نفسه، وإنما المعنى أن الله قادر على أكثر الأشياء، وليس على كل شيء قدير، ولأن الله غير قادر على الظلم، لأن الظلم ممتنع على الله"[1].

وفي عبارة أخرى له:"إن كلمة "كل" لا تعني العموم لأن الكل كما يراد به التعميم يراد به أيضا الأكثر مجازا، فيقال: كل العلماء أتقياء مع أن بعضهم غير تقي، فمن هنا يعلم أنه لا يقال إن الله متصف بالقدرة على الظلم والسفه والكذب"[2].

وهكذا يرى أتباعه، فعندهم لا يستطيع الله أن يظلم، ومن اعتقد عندهم أن الله قادر على الظلم ولكنه لا يفعل فهو كافر عندهم[3].

وهذا الذي فروا منه وقعوا في أشد منه، فروا من كونه قادرا على الظلم ولكنه لا يفعل فوقعوا في طامة أكبر إذ نفوا عنه القدرة والاستطاعة.

وهذا أيضا مخالف للحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما …"[4]. فتحريم الظلم على نفسه دليل قدرته عليه.

ونفيهم عن الله القدرة والاستطاعة إنما هو معروف عنهم، فهم المعطلة نفاه الصفات يتبعون شيخهم الجهمي .

الثبور لمعتقد إجابة القبور

يصفو الحبشي إلى القبورية في معتقده وإلى الشرك في طريقته، فهو يدعو الناس إلى الاستغاثة بالموتى والاستعاذة بهم، فهو يقول:" وليس مجرد الاستغاثة بغير الله ولا الاستعاذة بغير الله يعتبر شركا كما زعم بعض الناس، لو قال قائل: يا رسول الله المدد فهو عندهم صار كافرا"[5]، وقال أيضا:"وإني لأعجب من هؤلاء الذين يكفرون المسلمين لمجرد التمسح بقبر ولي أو قولهم: يا رسول الله المدد"[6].

واستدل بالقول المنسوب إلى الصحابي الحارث بن حسان البكري أنه قال:"أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد"[7]، والواقع أن زيادة :"ورسوله" منكره تفرد بها زيد بن الحباب عن أبي المنذر عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان، ورواية عفان وسفيان بن عينية أثبت، وليس فيها هذه الزيادة "ورسوله".

ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليحذر الناس من الشرك وينهاهم عنه، فقد قال للذي قال "ما شاء الله وشاء رسوله" قال صلى الله عليه وسلم:"أجعلتني لله ندا؟"، فلو أن حسان بن الحارث تفوه بهذا لسارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى إنكاره، كما أنكر في هذه.

واحتج أحمد بن حنبل بحديث :"أعوذ بكلمات الله التامات …" على تحريم الاستعاذة بغير الله وأنه لا يستعاذ بمخلوق[8]. وروى البخاري عن يحيى بن معين أنه لا يستعاذ بمخلوق[9]. وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة به وحده فقال: (وإما ينزعنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله) [الأعراف200] وقال: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [النحل 98]، وقال: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين. وأعوذ بك رب أن يحضرون) [المؤمنون 97-98]

وقد كان مشركو العرب إذا هبطوا واديا استعاذوا بالجن، فقال تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) [الجن 6].

وقد جعل هذا الحبشي الاستعاذة والاستعانة بغير الله ليست من الشرك، بل وجعل هذه الاستغاثة والاستعانة من التوحيد، وحتى السجود للصنم لا يعتبر عنده شركا، بل كبيرة من الكبائر فقط[10].

وأجاب الحبشي عن سؤال سائل أراد معرفة حكم المستغيث بالأموات الذي يقول :يا بدوي أغثني يا دسوقي المدد، فقال:"يجوز أن يقول أغثني يا بدوي ساعدني يا بدوي" فقيل له: لماذا يقول يا عبد القادر يا بدوي ولا يقول: يا محمد، قال :"ولو، أي: ومع ذلك فهو جائز ولكن تركه أفضل"[11].

وقيل له: إن الأرواح تكون في برزخ معين فكيف يستغاث بهم وهم بعيدون؟ فقال "الله تعالى يكرمهم بأن يسمعهم كلاما بعيدا وهم في قبورهم فيدعون لهذا الإنسان فينقذوه، وأحيانا يخرجون من قبورهم فيقضون حوائج المستغيثين بهم ثم يعودون إلى قبورهم !!"[12] ولم يأتـي بسند لما يزعم لا من كتاب ولا سنة.

يقول هذا مع قول الله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) [الإسراء 56] وقال : (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم من شرك وما له منهم من ظهير) [سبأ 22]

وقال الشيخ ابن تيميه رحمه الله:"وأما سؤال الميت فليس بمشروع، ولا واجب ولا مستحب، بل ولا مباح، ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة لأن ذلك فيه مفسدة راجحة وليس فيه مصلحة راجحة، والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة، وهذا ليس فيه مصلحة راجحة، بل يكون مفسدة راجحة، وكلاهما غير مشروع[13].

وقال أيضا:"ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا المائتين مثل أن يقول يا سيدي فلان أغثني وانصرني وادفع عني، أو أنا في حسبك ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم لما كانوا من جنس عباد الأوثان، صار الشيطان يضلهم ويغويهم كما يضل عباد الأوثان ويغويهم، فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة كما تخاطب الشياطين الكهان. ."[14].

ثم قال:"وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجري له بعض هذه الأمور أو يحكي لهم بعض هذه الأمور فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل" ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه فيظن ذلك كرامة لشيخه، وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان"[15].

وان الاستغاثة بغير الله تعالى هو دين غير المسلمين من النصارى الذين يدعون المسيح ابن مريم ويستغيثون به وبأمه، وكذلك الروافض الشيعة الذين يدعون عليا وحسينا وغيرهما، وهؤلاء هم مشركون، ومن شك في شركهم فقد كفر.

أما القائلون: يا رفاعي أو يا عبد القادر أو يا بدوي أو يا دسوقي من المنتسبين إلى أهل السنة فهم على آثار النصارى والروافض يهرعون، وهم مشركون أيضا إلا إذا كانوا لا يعلمون.

وكذب الحبشي في نسب أبا حنيفة إلى علم الكلام

زعم الحبشي أن أبا حنيفة كان من المتكلمين وذلك على إباحة علم الكلام إذ قال :"فإنه رضي الله عنه وصاحباه (والصواب: وصاحبيه) أول من تكلم في أصول الدين، وبلغ في الكلام إلى أنه كان المشار إليه بين الأنام"[16].

فتأمل كيف زعم هذا وهو يعني بالكلام: علم التوحيد، ويعني بأصول الدين: علم الكلام. وحسبك قول أبي حنيفة لتنفيذ هذا اللغو، فقد قال :"لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها، فقيل لي: تعلم القرآن، فجعل يسألهم بعد ذلك عن الحديث، ثم سألهم عن النحو وعن الشعر حتى سألهم عن الكلام فقال :"فإن نظرت في الكلام ما يكون آخره؟ قالوا" لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام فيرمي بالزندقة، فسألتهم عن الفقه قائلا: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تُسأل وتفتي في الناس وتُطلب للقضاء وإن كنت شابا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه وتعلمته"[17].

وقال في جملة كلام له:"وإني رأيت من ينتحل الكلام ويجادل فيه قوم ليس سيماهم سيما المتقدمين ولا منهاجهم منهاج الصالحين، رأيتهم قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون مخالفة الكتاب والسنة والسلف الصالح ولم يكن لهم ورع ولا تقي"[18].

وقال شريك النخعي القاضي:"كان أبو حنيفة رحمه الله طويل الصمت دائم الفكر قليل المجادلة للناس"[19].

وقال ابن البزازي:"ولما اتجه إلى الفقه والحديث بقلبه وبعقله وبكله كان على بينة من الأمر ويصر بالحقائق، ومع أنه أبتدأ حياته متكلما كان ينهى أصحابه وبنيه عن أن يجادلوا فيه ورأى في كبره ابنه حمادا يناظر في الكلام فنهاه"[20].

وقال:"لعن الله عمرو بن عبيد فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام"[21].

وقال:"الناظر في القدر كالناظر في شعاع الشمس كلما ازداد نظرا ازداد حيرة". وقال رجل لأبي حنيفة :" ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام، فقال: مقالات الفلاسفة عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك وكل محدثه فإنها بدعة"[22].

فهذه أقوال أبي حنيفة تدحض ما ادعي هذا الأفاك الحبشي، ونزيده قول صاحبه أبي يوسف :"من طلب الدين بالكلام تزندق".

فصل في ذم علم الكلام والجدال من الكتاب والسنة

ذم الله تعالى الجدل في آيات عديدة، فمنها قوله: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم) [غافر 35]، وقوله : (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) [الحج 3]، وقوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) [الأنعام 121]، وقوله : (ما ضربوه لك إلا جدلا) [الزخرف 58].

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على أصحابه وهم يقولون: ألم يقل الله كذا وكذا؟ يرد بعضهم على بعض، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان فقال: "أبهذا أمرتم، أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم، فلا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم"[23].

وقال صلى الله عليه وسلم:"ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ : (ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون)"[24].

وعن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) حتى بلغ (وما يذكر إلا أولو الألباب) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"[25].

وقال عبد الله بن عمرو: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال :"إنما هلك من كان قبلكن باختلافهم في الكتاب"[26].

وقال صلى الله عليه وسلم :"أقرءوا القرآن ما اختلفت عليه قلوبكن فإذا اختلفتم فيه فقوموا"[27].

وقال صلى الله عليه وسلم:"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"[28].

وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" … وكره لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"[29].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخوف ما أخاف عليكم الجدال منافق عليم اللسان"[30].

وعن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ بن عسل قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر، وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت؟ قال: أنا صبيغ، فأخذ عرجونا فضربه حتى دمى رأسه، وكتب إلى أبي موسى:" أما بعد فإن الأصبغ قد تكلف ما كفى وضيع ما ولي فإذا جاء كتابي هذا فلا تبايعوه وإن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه"[31].

أبين المسالك في ذم علم الكلام من أقوال مالك

قال مالك رحمه الله حين رأى تقلب المتكلمين في الآراء وعدم ثباتهم: "أرأيت إن جاء من هو أجدل منه، أيدع دينه كل يوم لدين جديد"[32].

وقال عبد الرحمن بن مهدي" دخلت على مالك وعنده رجل يسأله فقال:"لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد لعن الله عمرا فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام علما لتكلم به الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع"[33].

وقال مالك :"إياكم والبدع، قبل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم"[34].

وقال الهيثم بن جميل:"قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا ولكن يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت" جامع بيان العلم 2/94

وعم عبد الله بن الزبيري قال:" كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، لا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله فالسكوت أحب إلي"[35].

وأكاذيب الحبشي في نسب علم الكلام إلى الشافعي

عزى الحبشي إلى الشافعي قوله: "أحكمنا هذا قبل ذاك" وقال الحبشي :"أي علم التوحيد قبل الفقه". والمراد من الحبشي أشياء:

أن يثبت أن هذه الجملة من قول الشافعي.

أن يثبت أنها ليست مبتورة من جملة كلام.

أن يدع قوله وتمويهه في أن الشافعي يرى جواز وصحة علم الكلام، فقد ثبت عن الشافعي أنه يرى عكس ذلك.

4.أن يروج بين أتباعه أن علم كلامه هو علم التوحيد.

فعن يونس بن عبد الأعلى أن الشافعي قال:"لأن يبتلى المرء بما نهى الله عنه خلا الشرك خير له من أن يبتليه بالكلام"[36].

وروى من طريق أبي داود وأبي ثور قالا: سمعنا الشافعي يقول:"حكمى في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويحملوا إلى الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام"[37].

وقال:"حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ"[38].

وقال:"ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح"[39].

وقال:"المراء في الدين يقسي القلب"[40].

وحكى المزني عنه أنه كان ينهى عن الخوض في الكلام[41].

وروى الربيع أن الشافعي قال لرجل أطال مناظرته :"دع هذا فإن هذا من الكلام"[42].

ذم علم الكلام من أقوال الإمام الأنبل أحمد بن حنبل

قال الإمام أحمد في معرض ذمه للمتكلمين:"هم مخالفون لكتاب الله مختلفون في الكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم"[43].

وقال عن نفسه:"لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان من كتاب الله وسنة رسوله أو عن أصحابه"[44].

وقال أيضا:"لا يفلح صاحب كلام أبدا، علماء الكلام زنادقة"[45].

وقال:"لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة"[46].

وقد هجر الإمام أحمد وبدع الحارث بن أسد المحاسبي برده على المبتدعة بعلم الكلام، وقال له، "ليس من السنة أن ترد عليهم، ولا يناظرون، إنما السنة أن يخبروا بالآثار والسنن فإن قبلوها وإلا هجروا في الله"[47].

وكذلك هجر أبا ثور لما تكلم بجواب المبتدعة في رد الصفات حين سئل عن الحديث:"إن الله خلق آدم على صورته" فغضب أحمد فرجع عن ذلك أبو ثور واعتذر[48]. وكان أحمد رحمه الله ينشد في سجنه:

ولم يحمد الله الجدال وأهله وكان رسول الله عن ذاك يزجر

وسنتنا ترك الكلام وأهله ومن دينـه تشـديقـه والتقعر

تفرغ قوم للجدال وأغلقوا طريق التقى حتى عـلا المتهور

وقال: لا يكون صاحب الكلام وإن أصاب من أهل السنة حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار"[49].

ذم الأئمة الأعلام لعلم الكلام

روى جابر عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقا الثرثارون المتفيقهون المتشدقون"[50].

وقال عمر بن الخطاب:" إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن فإن أهل السنن أعلم بكتاب الله"[51].

وروى عن علي بن أبي طالب أنه قال:"يخرج في آخر الزمان أقوام يتكلمون بكلام لا يعرفه أهل الإسلام ويدعون الناس إلى كلامهم، فمن لقيهم فليقاتلهم فإن قتلهم أجر عند الله"[52].

وقال رجل لأبن عمر :"أرأيت أرأيت؟ قال: اجعل أرأيت في اليمن إنما هي السنن"[53].

وقال ابن عباس:"إياكم والرأي فإن الله رد على الملائكة الرأي قال: (إني أعلم ما لا تعلمون)[54].

وعن ابن عباس أيضا أنه قال:"لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم"[55].

وعن ابن مسعود قال:"اتبعوا ولا تبتدعوا فإنكم كفيتم"[56].

وعم محمد بن الحنيفة قال:"لا تقوم الساعة حتى تكون خصومات الناس في ربهم"[57].

وعن ابن الحنيفة وأبي جعفر محمد بن علي والقاضي عياض أنهم قالوا:"لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم شرار أهل القبلة"[58].

وقال أبو قلابة:"إياكم وأصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون"[59].

وقال مسلم بن يسار:"إياكم والجدال فإنها ساعة جهل العالم وفيها يبتغي الشيطان زلته"[60].

وقيل لعبد الرحمن بن مهدي:"إن فلانا صنف كتابا يرد فيه على المبتدعة، قال: بأي شيء؟ بالكتاب والسنة؟ قيل: لا لكن بعلم المعقول والنظر. قال مجيبا: أخطأ السنة ورد بدعة ببدعة"[61].

وقال ابن قتيبة:"فأما الكلام فليس من شأننا ولا أرى أكثر من هلك إلا به"[62].

وقال الخطيب البغدادي:" وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه وتستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم لا يعرجون على الآراء، ولا يلتفون إلى الأهواء"[63].

وقال ابن عبد البر:"نهى السلف رحمهم الله عن الجدال في الله عز وجل في صفاته وأسمائه"[64].

وقال ابن الجوزي:"ومنهم من نفره إبليس عن التقليد وحسن له الخوض في علم الكلام والنظر في أوضاع الفلاسفة، وقد تنوعت أحوال المتكلمين، وأفضى الكلام بأكثرهم إلى الشكوك، وببعضهم إلى الإلحاد، ولم يسكت القدماء من فقهاء الأمة عن الكلام عجزا ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا فأمسكوا عنه ونهوا عن الخوض فيه"[65].

وقال:"وقد رأينا من المتفلسفة من أمتنا جماعة لم يكسبهم التفلسف إلا التحير"[66].

ندم علماء علم الكلام وتوبتهم

وإذا لم يكتف الحبشي وأتباعه بأقوال الأئمة الأعلام وسرج الظلام الذامة لعلم الكلام الدخيل على الإسلام، فإليه نسوق كلام النظار، الذين ندموا على سلوكهم أسوار الاحتظار، وأضاعوا أعمارهم في الكلام والجدل، ولم ينتبهوا إلى العوض أو البدل، وحاروا واضطربوا وجاروا ولم يقتربوا.

قال الشهرستاني:" قد أشار إلي من إشارته غنم، وطاعته حتم، أن أجمع له من مشكلات الأصول، وأحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول، لحسن ظنه بي أني وقفت على نهايات النظر، وفزت بغايات مطارح الفكر، ولعله استحسن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، لعمري:

لقد طفت في تلك المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلم المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم[67]

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبـال

ولم نستفد في بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: (الرحمن على العرش استوى) [طه 5]، (إليه يصعد الكلم الطيب. العمل الصالح يرفعه) [فاطر 10]، واقرأ في النفي (ليس كمثله شيء[الشورى 11]، (ولا يحيطون به علما) [طه 110]، (هل تعلم له سميا) [مريم 65]، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
وكان ابن أبي الحديد البغدادي المعتزلي الرافضي يقول:
فيك يا أغلوطة الفـكر حـار أمري وانقضى عمري

سافرت فيك العقول فما ربحـت إلا أذى السفـر

فلحا الله الألى زعمـوا أنك المعـروف بالنظـر

كذبوا إن الذي ذكروا خارج عن قـوة البـشر

هذا مع إنشاده:

وحقك لو أدخلتني النار قلت للذي أراه بها قد كنت ممن يحبه

وأفنيت عمري في علوم كثيرة وما بغيتي إلا رضاه وقربه

أما قلتم من كان فينا مجاهدا سيكرم مثواه ويعذب شربه

أما رد شك ابن الخطيب وزيفه وتمويهه في الدين إذ جل خطبه

وآية حب الصب أن يعذب الأسى إذا كان من يهوي عليه يصبه

وابن رشد الحفيد يقول في كتابه الذي صنفه ردا على أبي حامد في كتابه المسمى "تهافت الفلاسفة" فسماه "تهافت التهافت" :"ومن الذي قال في الإلهيات ما يعتد به".

وأبو الحسن الآمدي في عامة كتبه هو واقف في المسائل الكبار يزيف حجج الطوائف ويبقى حائرا واقفا، فقد كان لا يقطع برأي، ففي موقفه من مسألة النفس يقول:"لا سبيل إلى القطع في شيء مما قيل من المذاهب في حقيقة النفس الإنسانية المدركة العاقلة وإن كان الحق غير خارج عنها، فعليك بالاجتهاد في تعيينه وإظهاره، هذا ما عندي ولعل عند غيري غيره"[68].

وفي مسألة وحدة الكلام عند الأشعري يقول:"والحق أن ما ذكروه من الإشكال على القول بوحدة الكلام فمشكل وعسى أن يكون عند غيري حلة"[69].

والخونجي صاحب أسرار المنطق الذي أسماه "كشف الأسرار عن غوامض الأفكار" قال عندما حضره الموت :"أموات ولم أعرف شيئا إلا أن الممكن يفتقر إلى الممتنع، ثم قال: الافتقار وصف سلبي، أموت ولم أعرف شيئا" حكاه عنه التلمساني وذكر أنه سمعه منه وقت الموت.

وأبو حامد الغزالي كان ينتهي في معظم المسائل إلى الوقف، ويحيل في آخر أمره على طريقة الكشف، وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث ومات وهو يشتغل بصحيح البخاري.

وكان في مناظرته للفلاسفة إنما يبطل طرقهم ولا يثبت طريقة معينة بل هو كما قال "تناظرهم – يعني مع كلام الأشعري – تارة بكلام المعتزلة وتارة بكلام الكرامية وتارة بطريق الواقفة" وهذه الطريق هي الغالب عليه في منتهى كلامه.

وحكى عن طائفة من رؤوس أهل الكلام أنهم كانوا يقولون بتكافؤ الأدلة، وأن الأدلة قد تكافأت من الجانبين، حتى لا يعرف الحق من الباطل، ومعلوم أن هذا إنما قالوه فيما سلكوه من الأدلة. وحكي أن بعض الأذكياء وكان قد قرأ على شخص هو إمام بلده ومن أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة وهو ابن واصل الحموي أنه قال:"أضطجع على فراشي وأضع الملحفة على وجهي وأقابل بين أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجح عندي شيء" ولهذا انتهى أمره إلى كثرة النظر في الهيئة لكونه تبين له فيه من العلم ما لم تبين له في العلوم الإلهية[70].

التأويل أحد أبواب التعطيل عند الأحباش

يرى الحبشي أن أخذ الآيات على ظاهرها يسبب التعارض، لأنه بزعمه لا يستطيع أحد الجمع بين (أأمنتم من في السماء) وبين (وهو معكم أينما كنتم) فلا يقول إن الله في السماء حسب ادعاء الحبشي وأنه من التعارض الذي يحتاج إلى تأويل ليتم التوفيق بين ما يتعارض عنده.

وأقر بادئ ذي بدء فقال: "إننا نؤمن بكل صفة وصف الله بها نفسه وإن كانت توهم الجسمية‍! ونؤمن بها مقرونة بالتنزيه وعلى الوجه اللائق بالله سبحانه"[71].

وقال في الجملة التي تليها:" وقد يؤول ذلك لأجل صرف العامة عن الجسمية"[72]. فهو يؤمن بالصفات لكن على محمل التأويل، ولا يؤمن بها كما وردت وهنا يعارض نفسه بنفسه.

وقال:"الكلام هو من الضروريات في الدين لما فيه من التنزيه عن الجسمية"[73].

وقبل أن نشرع في الرد عليه نذكر نبذة من تاريخ التأويل وبداياته، فأول من قال بالظاهر والباطن في كتاب الله هو عبد الله بن سبأ، قال: إن كتاب الله له تأويلات باطنة، مما يدعو إلى تأويل النصوص آية آية.

أما ابن رشد الحفيد فقد ذكر في "مناهج الأدلة" أن الخوارج كانوا هم أول من تأولوا نصوص القرآن ثم المعتزلة ثم الأشعرية ثم الصوفية، ثم تلا الخوارج بعض غلاة طوائف الشيعة كالكيسانية التي راحت تتأول النصوص على ما يحلو لها وتخرجه من أصوله، ثم ما لبثت أن ظهرت قضية الإمام المعصوم الذي يؤتى من لدنه علم التأويل، ومن أطلع بعد ذلك على تلك التأويلات وجد أنها تحريفات وتبديلات وتشويهات لكتاب الله عز وجل[74].

وقال ابن قتيبة:" وفسروا القرآن بأعجب تفسير يريدون أن يردوه إلى مذاهبهم ويحملوا التأويل على نحلهم" وقال:"وأعجب من هذا التفسير تفسير الروافض "الشيعة" للقرآن وما يدعونه من علم الباطن بما وقع إليهم من الجفر الذي ذكره هارون بن سعد العجلي وكان رأس الزيدية، ادعوا أنه كتب فيه لهم كل ما يحتاجونه إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم القيامة، فمن ذلك قولهم في قول الله عز وجل: (وورث سليمان داود) إنه الإمام ورث عن النبي صلى الله عليه وسلم علمه، وقولهم في قول الله عز وجل: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) إنها عائشة رضي الله عنها، وفي قوله تعالى: (فقلنا اضربوا ببعضها) أنه طلحة والزبير، وقولهم في الخمر والميسر : إنهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، والجبت والطاغوت أنهما معاوية وعمرو بن العاص مع عجائب أرغب عن ذكرها"[75].

وقد جعلوا للأحكام والتكاليف الشرعية معاني تخالف ما فهمه الناس منها، فالصلاة عندهم موالاة الإمام، والزكاة ما يعطى للإمام والحج هو القصد لزيارة الإمام …وهكذا.

وقد قسم إخوان الصفا كتاب الله إلى قسمين: ظاهر وباطن، فالظاهر هو هذه الألفاظ المقروءة والمسموعة، والباطن هو أن له تأويلات باطنة لا يفهمها عوام الناس[76]. وتأولوا الشهداء بأنهم الذين يشهدون الروحانية المفارقة للهيولى، والملائكة أنهم الجواهر العقلية.

وقال ابن سينا من الملاحدة :"فثبت من هذا كله أن الشرائع واردة لخطاب الجمهور بما يفهمون مقربة ما لا يفهمون إلى إفهامهم بالتشبيه والتمثيل"[77].

أما الفلاسفة فإنهم المعنيون بفهم الحقائق وتأويل الرموز وإدراك المعاني الباطنة.

وقد أطلق على ملاحدة الإسماعيلية وإخوانهم القرامطة: الباطنية لهذا المعنى، فهم الذين يزعمون أن لكل شيء باطنا وظاهرا، وأن هذا التأويل أدى إلى إبطال النصوص القرآنية خصوصا تلك التي تتعلق بالأحكام والشرائع، وهذا دأب الشيعة الروافض إخوان القرامطة أما الفلاسفة فقد تأولوا نصوص آيات المعاد، وتأول المتكلمون آيات الصفات تأويلا أفضى إلى نفي الصفات وتعطيلها كما يفعل الأحباش الآن، وكان عبد الله ابن سبأ من الأوائل ممن اخذوا بالتأويل بل قل بالتحريف فقال "مفسدا على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده" الفرق بين الفرق ص 233.

وحقيقة اعتقاد الجهمية هي التعطيل المفضي إلى الإلحاد، فإذا جردوا عن الله تعالى صفاته وزعموا انه غير متكلم وأن القرآن كلامه مجاز وليس حقيقة، وأن جبريل تلقى عنه بفهم كلامه النفسي وأنه ليس في السماء ولم يستو على العرش ولم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ولا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة أقول: حقيقة قولهم: إنه ليس ثمة من إله وأنهم بالواقع يصفون شيئا معدوما، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

وإن قول الحبشي:"وقد يؤول ذلك لأجل صرف العامة عن الجسمية"[78] مع قوله:"إنه يؤمن بها مقرونة بالتنزيه وعلى الوجه اللائق بالله سبحانه"[79] فهذا فيه من التناقض ما فيه فإما أن تثبت على التـنـزيه أو تستقر على التأويل والتعطيل ولا يجوز بقاؤك مذبذبا.

وقوله "إن الكلام من ضروريات الدين" مغالطة فاحشة، فلم يعهد عن الصحابة الكرام وهم خير القرون كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي من بعدهم قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته"[80]، ولم يعرف عنهم أنهم كانوا يخوضون فيما يخوض فيه المتكلمة، بل الثابت المؤكد أنهم كانوا يعرضون عن الكلام، وكذلك فعل التابعون لهم بإحسان وتابعوهم، وقد رأوا في الكلام وفي أهله التردد والتناقض والاضطراب والانتقال من رأى إلى آخر والقول على الله بغير علم وتحريف الكلم عن مواضعه فنبذوا أصحابه وحذروا الناس منهم.

ثم إن التأويل يكون في أحسن أحواله مظنونا لا يطمئن له القلب ولا ينشرح له الصدر أي أن المتأول لا يقطع بأن الآية التي تأولها على خلاف ظاهرها هي ما يريده الله تعالى وهذا قول أحمد ومالك والأصبهاني وغيرهم[81].

وقولهم إن الأخذ بظاهر آيات الصفات هو تشبيه وكفر فهي دعوة صريحة إلى الكفر بآيات الله والإعراض عن كلامه والتوجه إلى ظنون المتكلمين والفلاسفة وجنونهم وقد قال الله تعالى: (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) [الجاثية 6].

وكان مما يحتج به المعارضون للإمام أحمد من الجهمية وغيرهم ممن يقولون بأن القرآن مخلوق يقولون: إذا كان القرآن يجيء يوم القيامة فلا بد أن يكون مخلوقا، فقال لهم:"إذا كنتم تقولون في الآية (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) أن الذي يأتي هو أمره وأن الذي يجيء يوم القيامة هو أمره، فقولوا هنا في هذا الحديث أن المراد بمجيء البقرة وآل عمران هو ثوابهما، وقراءة القارئ وعمله وليس الجائي هو نفس البقرة وآل عمران ولا حجة لكم في الحديث على أن القرآن مخلوق".

والحديث الذي عناه:" اقرءوا البقرة وآل عمران فإنهما تجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما …"[82].

يعني بذلك: إذا كنتم تتمسكون بالتأويل في شأنكم كله فلماذا طرحتم التأويل جانبا في هذا الحديث وزعمتم أن الذي يجيء يوم القيامة هو نفس البقرة وآل عمران.

وعن عبد الله بن أحمد قال: قال أبي: هذه الأحاديث ترويها كما جاءت … فنصدقها ولا نضرب لها الأمثال، هذا ما أجمع عليه علماء الآفاق". وكذلك نقل ابن الجوزي:"ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت"[83].

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: ينزل الله إلى السماء الدنيا، فكيف نزوله بعلمه أم ماذا؟ فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضبا شديدا وقال: أمض الحديث على ما ورد[84].

هروب الجهمية والأحباش

من النقل والتفويض إلى علم الكلام والتأويل

زعم المتكلمون أن التفويض هو طريقة السلف، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية أحسن رد، أجاد فيه وقوض فيه مذهبهم، وها نحن ننقل قوله من كتابه"درء تعارض العقل والنقل"، قال:

وأما التفويض فإن من المعلوم أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله ؟

وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلى النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك، فعلى التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق، ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر.

وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا: إنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده، وإن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد عليه لم يبين به الحق ولا كشفه، بل دل ظاهره على الكفر والباطل، وأراد منا أن لا نفهم منه شيئا، أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه، وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد.

وبهذا احتج الملاحدة كابن سينا وغيره على مثبتي المعاد وقالوا: القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص التشبيه والتجسيم، وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين ما الأمر عليه في نفسه، لا في العلم بالله تعالى ولا باليوم الآخر، فكان الذي استطالوا به على هؤلاء هو موافقتهم لهم على نفس الصفات، وإلا فلو آمنوا بالكتاب كله حق الإيمان لبطلت معارضتهم ودحضت حجتهم.

ولهذا كان ابن النفيس المتطبب الفاضل يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث أو مذهب الفلاسفة، فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف، أما أهل الحديث فأنهم أثبتوا كل ما جاء به الرسول، وأولئك جعلوا الجميع تخييلا وتوهيما ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة، فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة.

ثم ابن سينا وأمثاله من الباطنية المتفلسفة والقرامطة يقولون: إنه أراد من المخاطبين أن يفهموا الأمر على خلاف ما هو عليه، وأن يعتقدوا ما لا حقيقة له في الخارج لما في هذا التخييل والاعتقاد الفاسد لهم من المصلحة.

والجهمية والمعتزلة وأمثالهم يقولون: إنه أراد أن يعتقدوا الحق على ما هو عليه مع علمهم بأنه لم يبين ذلك في الكتاب والسنة، بل النصوص تدل على نقيض ذلك، فأولئك يقولون: أراد منهم اعتقاد الباطل وأمرهم به، وهؤلاء يقولون: أراد اعتقاد ما لم يدلهم إلا على نقيضه.

والمؤمن يعلم بالاضطرار أن كلا القولين باطل، ولا بد للنفاة أهل التأويل من هذا وهذا، وإذا كان كلاهما باطلا كان تأويل النفاة للنصوص باطلا، فيكون نقيضه حقا، وهو إقرار الأدلة الشرعية على مدلولاتها، ومن خرج من ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد.

وما ذكرناه من لوازم قول أهل التفويض: هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم، إذ قالوا: إن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة، ولكن لم يبين للناس مراده بها، ولا أوضحه إيضاحا يقطع به النزاع.

وأما على قول أكابرهم:"إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله وأن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها". فعلى قول هؤلاء لا يكون الأنبياء والمرسلون يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاما لا يعقلون معناه، وكذلك نصوص المثبتين للقدر عند طائفة، والنصوص المثبتة للأمر والنهي والوعد والوعيد عند طائفة، والنصوص المثبتة للمعاد عند طائفة.

ومعلوم أن هذا مدح في القرآن والأنبياء، إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع هذا فاشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته أو كونه خالقا لكل شيء وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر ونهي ووعد ووعيد، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين.

وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة لا يعلم أحد معناها وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به "هذا بزعمهم". فيبقى هذا الكلام سدا لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء وفتحا لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء، لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلا عن أن يبينوا مرادهم. فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.

الرد على الملحد المنكر أن يكون القرآن كلام الله

يرى الحبشي وأتباعه أن القرآن المنزل بين أيدينا ليس بكلام الله، لأن الله تعالى منزه بزعمهم عن الكلام، بل هو عبارة عن كلام الله، أي هو كلام جبريل معبرا به عن كلام الله النفسي، قال الحبشي:"فهو عبارة عن كلام الله بمعنى أنه يحكي كلام الله ليس هو بنفسه كلام الله"[85]. وقال:"فكلام الله النفسي الذي ليس هو حرفا ولا لغة هو كلام الله الحقيقي، أما القرآن المتضمن للألفاظ فهو مخلوق،، لكن يمكن إطلاق لفظ القرآن عليه من باب المجاز"[86]، وقال في قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم) أي: قول جبريل وكذلك قوله تعالى: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه)[87]، والمعنى حينئذ عند الحبشي اقرأ يا محمد قرآن جبريل.

وزعم الحبشي أن أهل السنة يقولون: إن كلام الله معنى في النفس.

وكذب الحبشي، فإن أهل السنة بريئون من هذا القول، وهذا إنما هو قول الأشاعرة، فهم الذين اخترعوا الكلام النفسي، وقد قال الطحاوي إمام أهل السنة:"إن كلام الله قول على الحقيقة"[88].

إن فرية الكلام النفسي صدرت عن نفوس لا تؤمن بالله ولا برسالاته ولا بكلامه، فالله عندهم غير ناطق ولا متكلم، يترجم عنه ناطق متكلم وهو جبريل، فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وهم عندما يعولون على العقل كثيرا لا يبينون العقل الذي به عرف جبريل كلام الله النفسي، ولو هو قد علم هذا الكلام من نفس الله عز وجل لعلم كل شيء في نفسه تعالى، وقد قال عيسى ابن مريم: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك).

وهذا الذي يقوله عيسى يوم القيامة دليل على أنه لا يعلم ما في نفس الله أحد من خلقه لا الأنبياء ولا الملائكة ولا أحد ممن خلق.

وخلاصة قول الحبشي: إن كلام الله ليس بكلام الله، والقرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلوق.

وهذا هو عين قول الجهمية والمعتزلة. أكد الحبشي أن القرآن هو كلام جبريل، فقال:"فلو كان القرآن يراد به حيث ذكر كلام الله الذاتي لم يضفه الله تبارك وتعالى إلى جبريل". وهذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة، إذ قال الطحاوي:"منه بدأ بلا كيفية قولا" قال ابن أبي العز الحنفي:"أي ظهر منه ولا يدري كيفية تكلمه به" وأكد هذا المعنى بقوله: قولا، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تعالى التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز في قوله:"وكلم الله موسى تكليما" فماذا بعد الحق إلا الضلال؟"[89].

وقد قال معتزلي لأبي عمرو بن العلاء أحد السبعة القراء: أريد أن تقرأ: (وكلم الله موسى) بنصب اسم الله فيكون موسى هو المتكلم لا الله. فقال له أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا فكيف تصنع بقوله تعالىLولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) فبهت المعتزلي. ونذكر هاهنا كلام الإمام عبد العزيز الكناني في كتاب "الحيرة" قال للمريسي الجهمي الذي كان يقول بخلق القرآن:"يلزمك واحدة من ثلاث لا بد منها إما أن تقول إن الله – "وهو عندي كلامه في نفسه، أو خلقه قائما بذاته ونفسه أو خلقه في غيره". قال: أقول خلقه كما خلق الأشياء كلها، وحاد عن الجواب. فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسالة ودع بشرا فقد انقطع.

فقال عبد العزيز:"إن قال خلق كلامه في نفسه فهذا محال لأن الله لا يكون محلا للحوادث المخلوقة ولا يكون منه شيء مخلوقا، وإن قال خلقه في غيره فيلزمه في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره فهو كلامه، وإن قال خلقه قائما بنفسه وذاته، فهذا محال، لا يكون الكلام إلا من متكلم كما لا تكون الإرادة إلا من مريد والعلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته، فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقا علم أنه صفة لله"[90].

وهذا هو مذهب أهل السنة، مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كلهم متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال الطحاوي:"إنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة"[91]

فقول الأشاعرة والماتريدية يؤدي إلى القول بخلق القرآن، فقد قالوا:"إن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق، وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرأه فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرأه إلا في مقام التعليم لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق"[92].

وزعم الأشاعرة أن الكلام النفسي الذي نسبوه إلى الله تعالى صفة زائدة على الإرادة والعلم قائمة بذاته تعالى. ولهذا قيل إنهم خالفوا المعتزلة في اللفظ ووافقوهم في المعنى.

وقد أنكر أهل السنة على الأشاعرة زعمهم هذا وفندوه وبينوا خطله وبطلانه، وأنه لا يستند إلى أي دليل من الكتاب والسنة، بل الكتاب والسنة يدحضانه ويبينان سقوطه، وقال ابن الجوزي:"ادعى الأشعري أن الكلام صفة قائمة بالنفس"[93].

وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني:" ونعتقد أن القرآن حروف مفهومه وأصوات مسموعة لأن بها يصير الأخرس والساكت متكلما، فمن جحد ذلك فقد كابر حسه وعميت بصيرته"[94].

وإن كان أتباع الحبشي يموهون عادة عن حقيقة معتقده، وينكرون ما نسب إليه من القول لخلق القرآن، إلا أن كلامه يرد عليهم ويثبت أن هذه هي عقيدته فعلا فهو يقول:"والحاصل أنه إن قصد بكلام الله اللفظ المنزل الذي بعضه بلغة العرب وبعضه بالعبرانية وبعضه بالسريانية فهو حادث مخلوق لله فالأول شهر بالقرآن والثاني بالتوراة والثالث بالإنجيل"[95].

إن قول الحبشي إن القرآن ليس كلام الله وإنما هو كلام جبريل، قول يكفر به قائله لان الكتاب هو كتاب الله فكيف يكون كتاب جبريل ويقول المسلمين انه كتاب الله وعندئذ يكون هناك كتابان فأيهما يتبع المسلمون بزعمهم.

وقال أبو حنيفة: وهو – أي القرآن – كلام الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، أما المتلو المقروء فهو كلام الله ليس بمخلوق، وهذا ما صرح به البخاري ومسلم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية. والقرآن غير مخلوق[96].‍‍ ‍‍

مزاعمه في الكسب

زعم الحبشي أنه "لا دخل لمشيئة العبد في الكسب"[97] "وأن جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح من الحركات والسكنات كل ذلك بخلق الله، لا تأثير لقدرة العبد فيه"[98]. وعنده "يجب على المكلف أن يرضى عن الله في تقدير الخير والشر، فالمعاصي من جملة مقدورات الله تعالى ومقتضياته"[99] وهنا نجده جبريا.

وبما أنه نسب العبد إلى أنه لا فعل له وأن الفعل فعل الله، فيجب حسب زعمه الرضا عن أعمال الكفر لأنها من قضاء الله وقدره، بل زعم أن الله هو المعين للكافر على كفره فقال "لولا إعانة الله الكافر على الكفر ما استطاع أن يكفر"[100].

وهذا القول من أبين الضلال، فقد قال تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر)، والإعانة أشد من الرضا، فكيف يعين على الكفر وهو لا يرضى بالكفر!

ومما يدل على أن هذا الحبشي غارق في الجبر، ما يدعيه من "أن أعمال العباد ما هي إلا أمراض تصيبهم من حيث أنهم لا قدرة لهم على دفعها"[101].

وهذا هو عين قول الجعد بن درهم والجهم بن صفوان من الجبرية الذين قالوا :"إن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة، فلا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار بل هو مجبور على فعله، فهو كالريشة في مهب الريح".

وقالوا: إن الله تعالى خلق في الإنسان أفعاله بنوعيها الاضطرارية والاختيارية التي يخيل إلى بعضهم أنها اختيارية، ونسبتها إلى الإنسان على سبيل المجاز، كما تنسب إلى الجمادات والنباتات فتقول: طلعت الشمس وأثمرت الشجرة[102].

والقول بالجبر يعطي العصاة حجة يتذرعون على عصيانها، فيحتجون على خالقهم بقضائه فإذا ما حوسب امرؤ على فعله قال: هذا قضاء الله وقدره، ومذهب الحبشي هذا تنقضه آيات الله القائل : (كل نفس بما كسبت رهينة) [المدثر 38] و(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف 29] و(ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد) [الحج 9 ] وتنقضه الأحاديث الكثيرة.

وجاء في الأثر: أن أحد اللصوص سرق في عهد عمر بن الخطاب، فسأله عمر: لم سرقت؟ فقال: قدر الله ذلك، فقال عمر: اضربوه ثلاثين سوطا ثم اقطعوا يده، فقيل له: لم؟ فقال: يقطع لسرقته ويضرب لكذبه على الله[103].

ويلزم من قول المجبرة أنه لا معنى لإرسال الرسل وترتيب الثواب والعقاب على الأعمال، ومجمل قول الحبشي: أنه لا تأثير لقدرة العبد في الفعل ولا دخل له في الكسب، وأن أفعاله جميعا بقضاء الله وقدره فيجب الرضا عما قضى، وأن الكافر لم يستطع الكفر حتى أعانه الله عليه "هذا بزعم الحبشي ".

وهذا مذهب الأشاعرة في الكسب، فهو يوافق الجبرية في المعنى وإن خالفه في اللفظ وكلاهما ينفي قدرة العبد وتأثيره.

وقد رد الله تعالى على المشركين الذين احتجوا بمذهب الجبر فقال: (سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون الظن وإن أنتم إلا تخرصون. قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) [الأنعام 148-149].

والحبشي يتبع الأشعري فيما خالف به أهل السنة والجماعة، أما ما وافق فيه أهل السنة والجماعة فلا يوافقه فيه.

وقد نقض قول الأشعري ومذهبه في الكسب ابن تيمية وغيره من العلماء، وقد بنوا هذا النقض على انه لو لم يكن للإنسان يد في أفعاله لما حاسبه الله عليها، إذ كيف يحاسب الله العبد على كسب ليس له فيه تأثير؟.

فتبين أن معتقد الحبشي في الكسب ضلال وخطأ محض.

وامتدح الحبشي قول الرازي: إن الإنسان مجبور في صورة مختار، وزعم أنه "من أفضل الأقوال وأكثرها إنصافا"[104].

وقول الرازي الذي يمدحه الحبشي بعيد عن الإنصاف لأنه ما عدا الجبر قيد شعره.

ونرد عليهم بقول الإمام علي بجملة واحدة قال "إن الله أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، وكلف تيسيرا" ويتابع الحديث إلى أن قال ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار" فانظر أخي القارئ لقول الحبشي وفيه إطالة وتمييع وتكلم وانظر لقول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجد فيه إيجاز وفهم وتيسير فسبحان الله.

أما رد الحسن بن علي في هذا الموضوع فهو في غاية الإيجاز والجمال قال"من لم يؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر، وإن الله لا يطاع استكراها، ولا يعص بغلبة، لأنه تعالى مالك لما ملكهم، وقادر على ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما عملوا، فإن لم يفعلوا فليس هو الذي أجبرهم على ذلك ولو أجبر الخلق على الطاعة لاسقط عنهم العقاب ولو أهملهم فإن ذلك عجز في القدرة ولكن الله له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم، فإن عملوا بالطاعة فله المنة عليهم، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم" وقد جاء هذا في رسالة جوابية عن القضاء والقدر من الحسن بن علي إلى الحسن البصري رحمهما الله.

رد كـيـد الظالميـن في ما قالـوه في العالميـن

تبرئة شيخ الإسلام من ادعاءات الحبشي في التجسيم وفناء النار

لقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لطعن هذا الحبشي، ونال ما لم ينله غيره من علماء الإسلام والأئمة الأعلام، فقد ألصق به كل تهمة ونقيصة، ولم يرقب فيه إلا ولا ذمة، فانهال عليه بالتكفير والتنقيص زورا وبهتانا.

فرحمه الله على شيخ الإسلام فإنه كان لسانا صارما وسيفا بتارا على المارقين من الدين من الروافض والباطنية من النصيرية وغيرهم، وجاهد في سبيل الله بالسيف والقلم وكان أكبر داعية إلى السنة في عصره، وحربا على البدع بأشكالها من صوفية ممخرقة إلى قبورية شركية، وسنانا في نحور الجهمية المعطلة والمؤولة المبطلة ويكفي ابن تيمية فخرا ما قاله قاضي دمشق أثناء سجن الأخير قال حرفيا"انه منذ 300سنة ما رأى الناس مثله" كتاب البدر الطالع 1/68.

وهذا الحبشي سلطه إبليس على كل من كان له الأثر البالغ في صحوة الناس من غفلتهم وفي تمسكهم بالدين ونبذ الضلال والزيغ.

ادعى أن ابن تيمية يشبه الله بخلقه[105] ولم يأتي بدليل على ذلك.

مع أن ابن تيمية قال:"ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التشبيه والتجسيم، فمن الحق الذي فيه ذم من يمثل الله بمخلوقاته ويجعل صفاته من جنس صفاتهم، وقد قال تعالى : (ليس كمثله شيء)، (ولم يكن له كفوا أحد)، (هل تعلم له سميا)"[106].

وتابع ابن تيمية:"ومن هذا يعلم بطلان قول المشبهة الذين يقولون: بصر كبصري أو يد كيدي أو نحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا"[107].

وقال:"ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله". وقال:"ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذات الله بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله"[108].

وقال:"ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سمي ولا كفو له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من غيره"[109].

وقال:"ثم من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه، فهو كاذب إن نقله عن غيره، وضال إن اعتقده في ربه". ثم أوضح مذهب السلف، فقال:"وما رأيت أحدا نفاها، وإنما ينفون التشبيه، وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه مع إنكارهم على من ينفي الصفات أيضا، كقول نعيم بن حماد الخزاعي:"من شبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها"[110].

ومن اطلع على نصوص ابن تيمية في كتبه وجدها كثيرة جدا كلها تدحض ما ادعاه هذا الحبشي المفتري.

وافترى عليه بأنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه[111] ولم يتمكن الحبشي بأثبات ذلك من كتب ابن تيمية.

وهذا إفك مبين، لأن الشيخ ابن تيمية قال:"وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله، لا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، لكن دعاء الأنبياء وشفاعتهم ليس بمنزلة الإيمان بهم وطاعتهم، فإن الإيمان بهم وطاعتهم توجب سعادة الآخرة والنجاة من العذاب مطلقا وعاما، فكل من مات مؤمنا بالله ورسوله مطيعا لله ورسوله كان من أهل السعادة قطعا، ومن مات كافرا بما جاء به الرسول كان من أهل النار قطعا"[112].

وقال:"وروى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم". وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث، مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، وقد أخبرنا سبحانه عن موسى وعيسى، عليهما السلام أنهما وجيهان عند الله فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) [الأحزاب 69]، وقال تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) [آل عمران45]، فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله وصاحب الكوثر والحوض المورود الذي آنيته عدد نجوم السماء وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، ومن شرب منه شربه لم يظمأ بعدها أبدا وهو صاحب الشفاعة …"[113].

وهنا نرى الحبشي التبس عليه الحديث الذي لا أصل له، وما قال ابن تيمية فيه، بالكلام الذي ساقه وقرره من أن جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكنه الخبث والافتراء هما من شيمة الحبشي وأتباعه.

وزعم هو وأتباعه أن الشيخ ابن تيمية يشبه الله تعالى بخلقه، ويحتجون بما ورد في رحلة ابن بطوطة المسماة بـ"تحفة النظار" وفيه أنه – أي ابن بطوطة – دخل مسجد دمشق، وحضر خطبة الجمعة عند ابن تيمية فسمعه يقول:"إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من المنبر"[114].

وأكد الحافظ ابن حجر على أن هذا من جملة ما كذبوه عليه[115].

وقال محقق رحلة ابن بطوطة:"هذا محض افتراء على الشيخ رحمه الله، فإنه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجيء ابن بطوطة إليه بأكثر من شهر، فقد اتفق المؤرخون أنه اعتقل بقلعة دمشق لآخر مرة في اليوم السادس من شعبان سنة 726هـ، ولم يخرج من السجن إلا ميتا[116]. وقد ذكر ابن بطوطة في الصفحة 102 من كتابه هذا أنه وصل دمشق في التاسع من رمضان"[117].

ونقول أن ابن بطوطة يقول"وكان دخولي لبعلبك في الثامن من رمضان عشيه النهار خرجت منها بالغد لفرط اشتياقي إلى دمشق "رحلة ابن بطوطة 1/100 ويتابع قائلا "وصلت يوم الخميس في التاسع من رمضان 726هـ مدينة دمشق فنزلت بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابشية" ويتابع وكان أمام المسجد الإمام القزويني" ويتابع وكان في عهد دخولي إليها أمامهم قاضي القضاه جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني من كبار الفقهاء وهو الخطيب بالمسجد وسكناه بدار الخطابة" ابن بطوطة 1/107 وتابع ابن بطوطة قائلا "وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام وكان أهل دمشق يعظمونه أشد تعظيم" رحلة ابن بطوطة 1/109.

وقد ذكر الحافظ بن أحمد بن عبد الهادي والحافظ أبي الفرج بن أحمد في كتاب طبقات الحنابلة بأن الشيخ ابن تيمية رحمه الله دخل سجن القلعة في السادس من شعبان 726هـ. وذكر ذلك الحافظ ابن كثير في "تاريخه" قال:"أنه في يوم الاثنين بعد العصر السادس من شعبان 726هـ اعتقل الشيخ رحمه الله من جهة نائب السلطنة حشد الاوقاف وابن الخطير أحد الحجاب".

وعلى هذا فإننا نقول للحبشي أنه يؤول في الكتاب ولكن لم نعلم أنه يؤول الحساب والتاريخ فالفرق بين دخول ابن تيمية في السادس من شعبان ودخول بان بطوطة في التاسع من رمضان أكثر من شهر فكيف رآه على المنبر في مسجد دمشق الكبير "المسجد الأموي" وابن بطوطة يقول بأن إمام المسجد وخطيبه هو القزويني.

أم كانت هذه سنه نحس على الحبشي بأن جاء رمضان قبل شعبان وكذلك نحس آخر بأن ينتقل السجن إلى داخل المسجد الأموي، ولكن نقول لهؤلاء ما قاله شيخ الإسلام في سجنه "المحبوس من حبس قلبه عن ربه" وكفى بالله وكيلا.

وكيف ينسب إلى ابن تيمية هذا الإفك الصراح، وهو الذي يحكم بكفر من يقول بمثله، ومما قاله ابن تيمية :"فمن قال: إن علم الله كعلمي، أو قدرته كقدرتي، أو استواؤه على العرش كاستوائي، أو نزوله كنزولي، أو إتيانه كإتياني فهذا قد شبه الله بخلقه، تعالى الله عما يقولون، وهو ضال خبيث مبطل كافر"[118].

وبهذا يثبت أن تهمة التشبيه ومعها التجسيم التي ألصقت بشيخ الإسلام ما هي إلا كذب وافتراء وأنه برئ من ذلك.

واتهم الحبشي ابن تيمية أنه يقول بأزلية نوع العالم.

قال المنسوب إلى هرر:"وأما أنه يقول بأزلية العالم بنوعه لا بالأفراد المعنية فقد اعتمدنا في ذلك إلى ما ذكرناه في هذا الكتاب في عدة مواضع منها قوله: فإن الأزلي اللازم هو نوع الحادث لا عين الحادث. قال الحبشي: فهو يعتقد أن مفعولات الله أي: مخلوقاته على اختلاف أنواعها أزلية النوع لا الأفراد، وذلك عنده شامل لحركات العباد التي يتحركونها، فهو يرى أن نوعها أزلي أي: ليس بمخلوق"[119].

إن أزلية النوع التي يذكرها ابن تيمية هي صفات الله تعالى، وقدم نوع الخلق الذي ذكره، هو أزلية خالقيته وقدمها، فالخلق هنا بمعنى الإيجاد لا بمعنى المخلوقات، فهناك في اللغة معنيان للخلق: المعنى الأول: الإيجاد والصنع، والمعنى الآخر: المخلوقات.

وقال ابن تيمية:"وكل مخلوق فهو محدث مسبوق بعدم نفسه، وما ثم قديم أزلي إلا الله وحده، وإذا قيل لم يزل خالقا فإنما يقتضي قدم نوع الخلق ودوام خالقيته، لا يقتضي قدم شيء من المخلوقات، فيجب الفرق بين أعيان المخلوقات الحادثة بعد أن لم تكن، فإن هذه لا يقول عاقل أن منها شيئا أزليا". ويقول:"إن الله لم يزل فعالا خالقا، ودوام خالقيته من لوازم وجوده، فهذا ليس قولا بقدم شيء من المخلوقات"[120].

والدهرية استدلوا على أزلية صفات الله بوجوب قدم العالم وأزليته، والمتكلمة من الكلابية والأشاعرة نفوا صفات الأفعال لأنها تقتضي الحدوث بزعمهم.

أما ابن تيمية فبين أن صفات الله أزلية وما يتسبب منها فهو حادث، ولا يقتضي من حدوث العالم حدوث الصفات، ولا يقتضي من قدم النوع (وهو صفة الله) قدم شيء من المخلوقات.

وقال:" إن نوع الكلام قديم، وإن لم يجعل نفس الصوت المعين قديما، وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة، والكلام الذي كلم به موسى هو حادث، وإن كان نوع كلامه قديما لم يزل، ومن قال: إنه لم يزل ينادي موسى في الأزل فقد خالف كلام الله.

وزعم الحبشي أن ابن تيمية ينسب الحركة إلى الله ويزعم أن هذا قول أئمة الحديث والواقع أن ابن تيمية لم يقل إن هذا هو قول أئمة الحديث بل قول طوائف منهم. فانظر يا أخي بعين المنصف إلى هذا التحريف الشائن الذي ارتكبه الحبشي، فقد وضع كلمة أئمة أهل السنة والحديث بدل: طوائف من أهل السنة والحديث. ونص كلام ابن تيمية حرفيا :"وقول طوائف من أهل السنة والحديث كالذين يقولون إن الحركة من لوازم الحياة وكل حي متحرك"[121].

بل قد عين ابن تيمية بعض الذين يقولون بلفظ الحركة، إذ قال:"وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين – يعني قيام الصفات اللازمة به والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها- وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة" ثم قال:"وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك، وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم، وطائفة أخرى من السلفية كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب "الصحيح" وأبي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله، يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلا ونحوه، ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور"[122].

فها أنت ترى أن ابن تيمية ناقل لبعض أقوال طوائف من أهل الحديث، وليس يقول به، بل إن اتباعه الدقيق للسنة النبوية يمنع من إطلاق لفظ الحركة لأنه غير مأثور.

وادعى أن ابن تيمية نقض إجماع المسلمين فقال: إن نار جهنم تفنى[123] مع أن ابن تيمية قد قال:"وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة مكابرة العقل لأن الله يقول: (فلما جاءها نودي يا موسى) فأتى بالحروف الدالة على الاستقبال"[124]ولكن هل الحبشي يتدبر هذا المعنى.

فالذي عناه شيخ الإسلام بالنوع الأزلي هو دوام خالقية الله وهو دوام الفاعلية، وليس حركة المخلوقات كما زعم الحبشي، وهاك عبارة أخرى لأبن تيمية توضح هذا إذ يقول:"كما أن جميع المتحركات الممكنات لا تدوم حركتها إلا بدوام السبب المحرك المنفصل عنها"[125]. أي: لا تدوم حركة المخلوقات إلا بدوام الله وهو ما عناه بالسبب المحرك، فدل هذا على أن المعنى بالنوع: دوام السبب المحرك، فمن أين أتى الحبشي بأن مراد ابن تيمية بالنوع الأزلي: أي: حركة المخلوقات أزلية؟

ولم يزل ابن تيمية يكرر في كتبه الكثيرة يفند أقوال الدهرية القائلين بقدم العالم، فيقول:"ومذهب الدهرية أن العالم قديم …" ثم قال:"فقالوا إما أن يكون العالم مخلوقا أو قديما، وهذا الثاني كفر ظاهر معلوم فساده بالعقل والشرع، فلو كان العالم قديما وجب أن يكون مع الله قديم آخر" وقال:"وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضا رادا لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء مع الله، بل القول بقدم العالم قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه، وجماهير أساطين الفلاسفة معترفون أن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن"[126].

ويقول:"فلا يلزم دوام النوع قدم شيء بعينه والنص دل على أن كل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن"[127].

وبهذا يتبين أن ما اتهم به ابن تيمية هو محض تقول وزور وخطل.

على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان[128] ومن وافقه من المعتزلة، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة وأئمتها، ولذا اشتد إنكار السلف عليهم لقولهم بفناء الجنة والنار"[129].

وقال أيضا:"وقد أخبر الله تعالى ببقاء الجنة والنار بقاء مطلقا"[130].

وله كتاب:"الرد على القائلين بفناء النار"[131] أبطل فيه قول من يقول من الجهمية والمعتزلة بأن النار تفنى ولا تبقى.

فكيف يتكرر منه هذا القول في كتبه، ثم ينقض إجماع المسلمين – كما زعم الحبشي – ويقول بفناء النار؟ وان شيخ الإسلام حمل على الجهم بن صفوان لقول الجهم "بفناء الجنة والنار" حمل عليه الشيخ في تسعة عشر موضعا.

ابن عربي والشعراني هم من قالوا بفناء الجنة والنار

وأنكر الشعراني صحة القول بفناء النار إلى محيى الدين بن عربي، مع أن ذلك موجود في كتبه فقد قال الشعراني:"ثم إنه بتقدير صحة نسبة ذلك إلى الشيخ ابن عربي فالشيخ لم ينفرد بذلك فقد قال به جمع الظاهرية وفرقة من الحنابلة والقدرية بفناء النار"[132].

وقد كتم الأحباش عقيدة ابن عربي في فناء النار والصقوها بالشيخ ابن تيمية!

شهادة أهل العلم لابن تيمية

أثنى كثير من الأئمة أهل العلم المستقيمي الحالة المعروفين بالصلاح والبعد عن الزيغ والشطط على شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذه عبارات من أقوالهم:

قال الذهبي فيه:

"ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون، وهابوا وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه، وبدَّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المرُ الذي أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه"[133].

وقال أيضا:"وكان من بحور العلم من الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف وسارت بتصانيفه الركبان لعلها ثلاث مائة مجلد"[134].

وقال الحافظ الذهبي أيضا:"كان يحضر المدارس والمحافل في صغره، ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي مما يتحير منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة، وشرع في الجمع والتأليف في ذلك الوقت"[135].

وقال الحافظ ابن كثير فيه:

"هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة ومفتي الأمة وبحر العلوم، فريد العصر، شيخ الإسلام وترجمان القرآن قامع المبتدعين وأخر المجتهدين تقي الدين أبو العباس أحمد ابن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمة الحراني ثم الدمشقي التيمي" وقال:"وكان ذكيا كثير المحفوظ، فيقال: إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره"[136].

وقال الحافظ ابن عبد الهادي:"كان بحرا لا تكدره الدلاء، وخيرا يقتدي به في الأخيار الألباء، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار"[137].

كذلك ثناء الحافظ ابن حجر على ابن تيمية ووصفه بشيخ الإسلام عند تقريظه كتاب الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية كافر لابن ناصر الدين "كما أورده السخاوي في كتابه "الجواهر والدرر" في ترجمة الحافظ ابن حجر يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني "وشهرة إمامه الشيخ التقي الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باق إلى الآن على الألسنة الذكية ويستمر غدا كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف"ويتابع"ولو لم يكن من الدليل على إمامه هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير ابن البرازلي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته عندما مات فاجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين "ومن المعلوم أن الإمام أحمد بن حنبل عندما عزل في منزله أيام المأمون كانت المعتزلة تعيره بذلك فقال لهم قولته المشهورة:"بيننا وبينكم الجنائز" ويتابع ابن حجر قائلا "وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا، شهدها ما بين مئتي ألوف" أي مائتي ألف ويقول ابن حجر "فإنه شيخ الإسلام بلا ريب"، ويقول ابن حجر في تقريظ ابن تيمية في "الرد الوافر" قائلا "ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم قياما على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا يدخل تحت الحصر فيا قرة أعينهم إذا رأوا من يكفره من أهل العلم" ويتابع" ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته".

ويرد الحافظ ابن حجر قائلا" فالذي يطلق عليه – مع هذه الأشياء – الكفر أو على من سماه شيخ الإسلام: لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ويذعن للصواب. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل".

وكنت أتمنى على إخواني وبعض أصدقائي أن يقرأوا هذه المقالة لعالم الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في تكريمه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله وأن لا يلتفتوا إلى ما يقوله هذا المهرف الشعوبي الباطني الحبشي وأن ينصبوا الميزان ما بين أقوال ابن حجر في شيخ الإسلام وما بين مزاعم وتحريفات الحبشي.

وقال البزاز:"أما معرفته بصحيح المنقول وسقيمه فإنه في ذلك من الجبال التي لا ترتقي ذروتها ولا ينال سنامها"[138].

ومما ذكروا عنه رحمه الله تعالى:" وكان ابن تيمية رحمه الله تعالى يقوم بنفسه بإزالة المنكرات، فقد مر على قوم يلعبون بالشطرنج على مسطبة بعض الحوانيت الحدادين، فنقض الرقعة وقلبها"[139].

"وفي يوم دار الشيخ رحمه الله ومن معه على الخمارات والحانات في بلاد الشام، فكسروا آنية الخمر وشققوا الظروف وأراقوا الخمور، وعزروا جماعة من أهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش، ففرح الناس بذلك"[140].

وطلب منه السلطان قلاوون أن يستصدر منه فتوى بقتل العلماء الذين أفتوا بوجوب حبسه ظلما، لكن حلم ابن تيمية وعفوه منعاه من ذلك وثقل عليه أن ينتصر لنفسه وقد جعل انتصاره كله للدين فقال للسلطان:"من آذاني فهو في حل مني، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنت إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم"[141].

فأين قول العلماء هؤلاء وشهادتهم لشيخ الإسلام من ذلك الحبشي اللعان، الذي لا يفتأ يذكره بسوء وينسبه إلى الكفر والضلال؟

سرد أسماء الذين أثنوا على ابن تيمية من علماء المسلمين

الشيخ ناصر الدين الشافعي في كتابه "الرد الوافر" والحافظ عمر بن علي البزاز في كتاب "الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية"، والشيخ مرعي ين يوسف الكرمي الحنبلي في كتابه "الشهادة الذكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية"، وابن عبد الهادي في كتاب "العقود الدرية في مناقب ابن تيمية"، وبدر الدين ابن جماعة في كتابه "عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان".

فممن أثنى عليه من الأئمة الأعلام من علماء الإسلام:

ابن دقيق العيد، والحافظ الذهبي، والحافظ أبو الحجاج المزي، وأبو حيان النحوي، وسبب ميله عنه أنه قال – أي أبو حيان – وسئل عن السبب فقال:"ناظرته في شيء من العربية، فذكرت له كلام سيبويه، فقال: ما كان سيبويه نبي النحو ولا كان معصوما بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعا ما تفهمها أنت"[142].

وابن فضل الله العمري، ومحمد بن عبد البر السبكي الذي قال "والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به"[143].

وابن كثير صاحب التفسير، وابن عبد الهادي، وخليل بن كيكلدي العلائي، والحافظ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، والحافظ عبد الرحيم العراقي، وعمر بن سعد الله بن نجيح، وأبو بكر الرحبي، وابن سيد الناس ومحمد بن علي الزملكاني وابن منجا التنوخي، وشيخ الحزاميين الواسطي الذي كتب رسالة في الثناء عليه والوصاية به، وإبراهيم بن عبد الرحمن الغزاري.

والحافظ ابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام عمر بن رسلان البُلقيني، والشيخ محمد ابن أحمد العيني إمام الحنفية، والشيخ قاسم بن قطلوبُغا الحنفي، والشيخ محمد بن صفي الدين الحنفي الذي كان يقول:"إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن"[144]، والشيخ عبد الوهاب الشعراني الذي كان يلقبه بـ"شيخ الإسلام"[145].

افتراءات الأحباش على الإمام محمد بن عبد الوهاب

قال الأحباش:"وسنروي لكم ما يتداوله مسلمو الهند من مخازي محمد بن عبد الوهاب وهي أنه أصيب مرة بمرض البواسير، فأدخل عصا في دبره فارتاح فقال: "عصاي هذه خير من …" – يعنون النبي صلى الله عليه وسلم – لذلك فإن أهل الهند في ماليبار يسمونه مبتلع العصا[146].

اللهم سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك كبير يردي أصحابه إلى سواء الجحيم.

ومن حقدهم على هذا الإمام المصلح الداعية إلى التوحيد في عصر ارتدت فيه الأعراب وركنوا إلى الشرك وتعظيم القبور، أنهم قالوا:"إن الوهابين يكرهون حتى كلمة لا إله إلا الله يحاربونها وهم ضد كلمة وحدوا الله، وضد الاحتفال بالمولد النبوي، وضد الإسراء والمعراج، وضد استعمال السبحة، ولكنهم يتفقون مع الذين يقولون إن الله خلق السموات والأرض ثم تعب استراح وأنه ساكن في السماء وجالس على العرش"[147].

أما قولهم إنهم يكرهون كلمة لا إله إلا الله، فهذه كذبة رخيصة، فإن دعوة محمد بن عبد الوهاب إنما كانت لإعادة الناس إلى التوحيد الخالص ونبذ الشرك، كسؤال أهل القبور وطلب قضاء الحوائج منهم أو دفع المصائب وسؤالهم الغيث والرزق والشفاء منهم، حتى كتب الله لدعوته النجاح والفلاح فطهر جزيرة العرب من بدع الشرك، وأعادهم إلى توحيد الله عز وجل.أما قولهم إنهم ضد الاحتفال بالمولد النبوي، فهذا الاحتفال بدعة لأنه مستحدث في دين الله تعالى، ولم يكن عليه أهل القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وإن من استحدثه هم العبيديون الذين حكموا مصر بعد منتصف القرن الرابع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد"[148].

وكالقول في بدعة المولد يقال في الإسراء والمعراج.

أما قولهم في أنه ضد استعمال السبحة، فالسبحة من البدع، فالثابت أنه كان يأمر بالتسبيح باليمين فقال صلى الله عليه وسلم :"اعقدن بالأنامل فإنهم مسئولات مستنطقات"، أما الحديث الذي يذكرونه :"نعم المذكر السبحة"، فهو حديث ليس بالذي يصح.

أما زعمهم بأن ابن عبد الوهاب وأتباعه يقولون إن الله خلق السموات والأرض ثم تعب واستراح فهذا من أبين الكذب وأعظم الافتراء، فالله تعالى يقول: (ولقد خلقنا السموات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب) [ق:38]، فهو إنما كانت دعوته لأمر الناس بالعمل بما في هذا الكتاب والأحباش لا يملكون ولو دليلا واحدا فيما هم فيه يدعون.

أما فريتهم بأنهم يقولون إن الله ساكن في السماء، ففرق بين من يقول هذا وبين من يقول: إن الله في السماء، والثابت أن هؤلاء الأحباش هم من الجهمية المعطلة.

أما زعمهم بأن ابن عبد الوهاب ومن سار على هديه يقولون إن الله جالس على العرش، فهذا إفك وزور، ففرق بين هذا المتقوِّل عليهم، وبين قولهم باستواءه على العرش، قال تعالى: (ثم استوى على العرش).

فها هو الشيخ عبد الباسط الفاخوري الذي يستشهد الأحباش بكتبه يثني على الإمام محمد بن عبد الوهاب، ويقول إن عقيدته وقواعده التي أسسها لا تختلف عن عقيدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، غير أن الأحباش، وهم المعروفون بحقدهم وزيغهم حذفوا من كتاب الفاخوري ما يقارب الست صفحات في النسخة التي طبعتها دار الحنان.

وهذا الحبشي ذو ضِغنة على من يسميهم بـ"الوهابيين" أو "المشوشين" ويشيع أنهم يعتقدون أن الذي يجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان مثل الذي يزني بأمه[149].

وزعم أن محمد بن عبد الوهاب قاتل العلماء، وكان – حسب افتراءه – يعرض بالنبوة، ويأمر بقتل من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

وأفتى كذلك – أي الحبشي – بجواز قتل أربعين منهم لعدم اعتبارهم من المسلمين، وهو دائما ينهى الصلاة خلفهم بل والسفر إلى بلادهم، وهو لا يسمح لتلاميذه المقيمين في بلاد مخالفة له في الاعتقاد (كنجد والحجاز) بحضور الجمعة والجماعات في مساجدهم، ويرخص لهم بأكل الثوم والبصل يوم الجمعة حتى يصيروا – بزعمه – معذورين غير ملامين عن حضور صلاة الجمعة.

وإذا ألجئوا إلى حضور الجمعة سألوا قبل ذلك: هل يستشهد خطيب المسجد بابن تيمية ؟ فإن قيل لهم: لا، حضروا الجمعة، وإن قيل: نعم، تخلفوا عن الصلاة.

مهاجمة الشهيد سيد قطب

لقد زعم هذا الحبشي أن سيدا:"لم يسبق له أن جثا بين يدي العلماء للتعلم ولا قرأ عليهم ولا شم رائحة العلم، كان في أول أمره صحفيا ماركسيا"[150].

أقول: لو ثبتت ماركسيته في أول عمره ثم آل إلى الإسلام، فإن ماضيه لا يضيره، والصحابة كانوا مشركين قبل أن يهديهم الله ويجعلهم هداة يهدون بأمر الله تعالى، وقد يعلم القاصي والداني النهاية التي ختم الله بها حياته لامتناعه عن التزلف للحكام الطغاة كما يفعل الأحباش اليوم، فلو كان سيد مثلهم لمالأ الحكام ولنال دنيا عريضة وجاها ومناصب، ثم هو يوم القيامة من المقبوحين، لقد آثر سيد الموت في سبيل الله على إعطاء الدنية في دينه.

وقال الحبشي فيه:"ثم يخالف جميع علماء الإسلام في قوله:إن قول الله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم) [الحديد 4]:هو على الحقيقة لا على الكناية والمجاز، فالله سبحانه مع كل أحد ومع كل شيء وفي كل مكان" وعقب الحبشي:"بأنه جعل الله منتشرا في كل مكان في العالم، وهذا كفر"[151].

وتتمة كلام سيد:"… مطلع على ما يعمل، بصير بالعباد"[152]. لم يذكره الحبشي لأنه لو أتمه فسيتبادر إلى الأذهان أن سيدا إنما أراد: بعلمه، فطمس الحبشي هذه التتمة، وعلى فرض ذلك، فأين حمل الناس على أحسن المحامل والتماس الأعذار لهم بدلا من تقنص هفواتهم والطيران بها فرحا أو كما قال:

إذا رأوا خلة طاروا بها فرحة مني وما علموا من صالح دفنوا

جهلا علينا وجُبْناً عن عددهم لبئست الخَلَّتانِ الجهلُ والجُبْنُ

افتراء الحبشي على الشيخ المولوي فيصل والرد عليه

قال الحبشي عن الشيخ فيصل المولوي بأنه يحكم بكفر القضاة المدنيين في لبنان وغيره مطلقا لأنهم يحكمون بالقوانين الوضعية، فيقول:"إن القاضي المدني يتولى إصدار الأحكام مباشرة وفق القوانين الوضعية التي تخالف الشريعة الإسلامية في أساسها ومنطلقاتها، كما تخالف في كثير من جزيئاتها، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يكون قاضيا مدنيا في ظل هذه القوانين الوضعية، لأنه مضطر لأن يحكم بغير ما أنزل الله، والله تعالى يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة 44][153].

فالحبشي على عداء دائم مع الثالب للقوانين الوضعية، فهو يستنفر الناس ويدعوهم لاحترام القوانين الوضعية، وعنها يذب ويناضل، فهو يدين لها بالتجلة والإكبار، ويقف في وجه من يدعو إلى الحكم بما أنزل الله.

واستنكر الحبشي فتوى الشيخ فيصل في النهي عن السفر إلى بلاد المشركين إلا لضرورة ماسة كطلب العلم أو بنية الدعوة إلى الله تعالى فقال الحبشي:"فيا أيها العقلاء طالبوه بدليل شرعي لأنه يصدر هذه الفتاوى باسم فتاوى شرعية، أي آية أو أي حديث شرعي فيه ما ادعاه من هذا الحكم". ثم قال:"فانظروا أيها العقلاء كيف حرف دين الله"[154].

وهذه الفتوى ليست مما تفرد به المولوي بل شاركه فيها غيره كالشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ عبد الله بن باز والشيخ الألباني والشيخ كشك وغيرهم، وقالوا: إنه يجب على المقيم في بلاد الكفر إذا أراد أن يقيم بينهم يجب عليه الإقامة بنية الدعوة إلى الله، ودليل ذلك قول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) [النساء97] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"[155].

ولو لم يكن النهي عن الإقامة في ديار الشرك مستفادا من الكتاب والسنة، ولو لم يوجد في الكتاب والسنة النهي المؤكد عن ذلك، لوجب على المسلمين الانتهاء إليه والخلاص إليه، وذلك من بعد أن لمسوا ما نتج عن الاحتكاك بالكفرة والإقامة في ديارهم من خراب ودمار حل بالمسلمين وبأخلاقهم وبديارهم وبدينهم، حتى أصبحوا لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ولا يعرفون من القرآن إلا رسمه.

وذكر الحبشي قول الشيخ فيصل المولوي:"إن الحرام لا ينتقل إلى ذمتين" فقال:"هذا والعياذ بالله كفر"[156].

فقد وصف الحبشي الشيخ فيصلا بالكفر مع أن هذه مسألة خلافية، ومثال ذلك رجل استدان دينا، ثم طالبه الدائن بدينه، فلم يستطع المدين الوفاء به، لكنه ذهب فسرق المال فوّفى صاحب الدين دينه، فيكون الإثم في هذه الحالة على السارق فقط وهذا ما قصده المولوي.

مع أن هذا الحبشي يفتي باستحلال المال المسروق فيقول:"إن من كان لديه مال من حرام واشترى به متاعا أو سيارة فيجوز له أن يتخذ هذا المتاع وهذه السيارة لأنها صارت من ملكه"[157].

وحكم على الشيخ فيصل بأنه يفتي بغير ما أنزل الله، لأن فيصلا حرم الاختلاط بالنساء، إلا لضرورة شرعية وحرم النظر إلى المرأة إن كان بشهوة أو بغير شهوة، فقال الحبشي:"بل المنصوص عليه أن ينظر الرجل إلى وجه المرأة الأجنبية إن كان بشهوة حرام عليه أما بغير شهوة فلا يحرم"[158].

المديح الحبشي لمـن استحـق التجريـح

المحيط بضلالات عبد الوهاب الشعراني

والمكرمين والأولياء لدى الأحباش

عبد الوهاب الشعراني : عده الأحباش من أولياء الله، وجعلوه شاهدا على صلاح ابن عربي وعلى براءته مما هرف به من الكفر في كتبه، فقد قال الحبشي:"إن الشعراني قال: إنه اطلع على النسخة الأصلية فوجدها خالية من الكفريات"[159] والنسخة المقصودة بنسخة الفتوحات المكية لابن عربي.

هكذا استشهد الشعراني وقبل شهادته مع أنه غير ثقة وليس أهلا لها لأنه قال من الكلام ما يعد كفرا ولا يدري ما يصدر من فيه ولا كرامة.

أما حكاياته وهي ذكر ما يسمى بالكرامات عن أناس ينعتهم بالأولياء، يقول في كتابه "لواقح الأنوار" المعروف بـ"الطبقات الكبرى":

ومنهم الشيخ إبراهيم العريان رضي الله عنه ورحمه"كما يقول الحبشي": وكان رضي الله عنه يطلع المنبر، ويخطب عريانا، فيحصل للناس بسط عظيم، وكان يخرج الريح بحضرة الأكابر ثم يقول: هذه ضرطة فلان ويحلف على ذلك، فيخجل ذلك الكبير منه، مات سنة نيف وثلاثين وتسعمائة[160].

انظر كم يترضى على هذا المأفوك.

ومنهم إبراهيم المتبولي رضي الله عنه "كما زعم الحبشي".

نام عنده جماعة من فقهاء الأزهر، فوجدوا عند الشيخ مملوكين أمردين من أولاد الأمراء ينامان معه في الخلوة فأنكروا عليه، ثم رفعوا أمره إلى الشرع بالصالحية فأرسل القاضي وراءه فحضر فدخل الصالحية فقال:مالكم؟ فقال القاضي: هؤلاء يدعون عليك أنك تختلي بالشباب وهذا حرام في الشرع، فقال: ما هو إلا هكذا وقبض على لحيته بأسنانه وصاح فيهم فخرجوا صائحين فلم يعرف لهم خبر بعد ذلك الوقت، ثم جاء الخبر أنهم أسروا وتنصروا في بلاد الإفرنج. ورماه أهل بيت باللواط مع ولدهم، فقال: هتك الله ذراريهم، فمن ذلك اليوم صار أولادهم مخانيث وبناتهم زانيات إلى يومنا هذا"[161].

فانظر كيف يعظم اللواطين ويعتقد استجابة دعائهم ويشمت في خصومهم بأن صاروا مخانيث ودعَّار وأن أعراضهم هتكت.

كرامات أبو الشيخ أبو خوذة "كما زعم الحبشي".

وكان إذا رأى امرأة أو أمرد راوده عن نفسه وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير، ولو كان بحضره والده أو غيره، ولا يلتفت إلى الناس ولا عليه من أحد، وكان يفعل في العبيد الفاحشة، ثم قال الشعراني:"رضي الله عنه ورحمنا به وبالمسلمين"[162].

فانظر كيف يمجد اللائط بالعبيد، أفكان يفعل بهم الفاحشة ولا يفعلون؟ أكان من قوم لوط ويترضى عنه ثم يتوسل به؟؟!!

ومنهم إبراهيم بن عصيفير رضي الله عنه آمين "كما يقول الحبشي": وكان بوله كاللبن الحليب وكان يتشوش من قول المؤذن الله أكبر فيرجمه، ويقول: عليك يا كلب، نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا علينا، وكان يقول: أنا ما عندي من يصوم حقيقة إلا من يأكل اللحم الضاني أيام الصوم "كالنصارى" وأما المسلمون الذين يأكلون اللحم الضاني والدجاج أيام الصوم فصومهم عندي باطل"[163].

كرامات سيده إسماعيل:

" وكان يخبر أنه يرى اللوح المحفوظ، ويقول، يقع كذا وكذا لفلان فيجيء الأمر كما قال"[164].

فتأمل هذا الشرك الأكبر، ونشفق لهذا الذي يورده ولم يدرك خطره، وأن علم الغيب اختص بالله عز وجل إذ قال: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير).

ومنهم الشريف المجذوب: كان يأكل في نهار رمضان، ويقول أنا معتوق اعتقني ربي[165].

ومنهم الشيخ شعبان المجذوب رضي الله عنه "كما زعم الحبشي".

وكان يقرأ سورا غير السور التي في القرآن على كراسي المساجد يوم الجمعة وغيرها، فلا ينكر عليه أحد، وكان العامي يظن أنها من القرآن لشبهها بالآيات في الفواصل، وقد سمعته مرة يقرأ على باب دار على طريقة الفقهاء الذين يقرأون في البيوت، فأصغيت إلى ما يقول فسمعته يقول: وما أنتم في تصديق هود بصادقين، ولقد أرسل الله لنا قوما بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين، ثم قال: الله اجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان إلى آخر ما قال، وكان عريانا لا يلبس إلا قطعة جلد أو بساط أو حصير أو لباد يغطي قبله ودبره فقط. ثم ترضى الشعراني عنه[166].

ومنهم الشيخ العبد الصالح عبد القادر السبيكي:

أحد رجال الله تعالى، خطب مرة عروسا فتعرى لها بحضرة أبيها، وقال: انظري أنت الأخرى حتى لا تقولي بعد ذلك بدنه خشن أو فيه برص…"[167] والباقي كلام لا يقال.

ومنهم علي الوحيشي:

كان الشيخ يقيم عندنا في خان بنات الخطا، وكان كل من خرج يقول له: قف حتى أشفع فيك قبل أن تخرج، فيشفع فيه، وكان إذا رأى شيخ بلده أو غيره ينزله عن الحمارة ويقول له: امسك رأسها حتى أفعل فيها، فإن أبى الشيخ تسمر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة وإن سمح حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه"[168].

ومنهم الشيخ محمد الحضري:

أخبرني الشيخ أبو الفضل السرسي، أنه جاءهم يوم الجمعة، فسألوه الخطبة فقال: بسم الله، فطلع المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ومجده، ثم قال: وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام !!!، فقال الناس: كفر، فسل السيف ونزل، فهرب الناس كلهم من الجامع، إلى أن قال الشعراني: وكان يقول: لا يكمل الرجل حتى يكون مقامه تحت العرش على الدوام، وكان يقول: الأرض بين يدي كالإناء الذي أكل منه، وأجساد الخلائق كالقوارير أرى ما في بواطنهم. توفي سنة سبع وتسعين وثمانمائة[169].

فانظر كيف يترضى هذا الأحمق عن رجل ذكر من الكفر ما لا يقبله أحد.

كرامات محمد الشويمي: ومرض سيده مدين رضي الله …مرة أشرف فيها على الموت، فوهبه الشويمي عشر سنين، ثم مات في غيبة الشويمي …فجاء وهو على المغتسل، فقال: كيف مت؟ وعزة ربي لو كنت حاضرك ما خليتك تموت !! وكان الشويمي يدخل بيت الشيخ يحسس بيده على النساء، فكن يشكين لمدين، فيقول: حصل لكم الخير فلا تشوشوا"[170].

كرامات الشيخ مدين بن أحمد الأشموني:

وجاءته امرأة فقالت: هذه ثلاثون دينارا وتضمن لي على الله الجنة؟ فقال لها الشيخ مباسطا لها: ما يكفي، فقالت: لا أملك غيرها، فضمن لها على الله دخول الجنة !! فماتت ثم جاءت أهلها في المنام وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ فإني دخلت الجنة"[171].

فأي توثيق يرجى لهذا الشعراني الضائع العقل الذي يسوق أخبار اللاطة والزناة والفسقة والكفرة معجبا بأقوالهم وأفعالهم، مكثرا من الترضي عنهم، داعيا بلسان حاله إلى التأسي بهم، وهو إذ يغبطهم أشد الغبطة يتمنى أن يكون في مسلاخ أحدهم، فمثل هذا المأفوك لا يوثق به ولا كرامة، فهو مطَّرَح لا يدري ما يخرج من فيه.

أما عقيدته ففيها اختلال كبير، قال:"سمعت أخي فضل الدين يقول: حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرها من أجله كما هو الشأن في محبة الله عز وجل"[172].

وهو يسير في ركاب الكفرة والظلمة، فقد قال:"أخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيف داروا ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم ولو في أمور الدنيا وولاياتها"[173].

ويقول هذا الشعراني أيضا:"ثم إذا دخل الحضرة وحضر قلبه مع الحق تعالى، فليسكت حينئذ لأنه لا معنى للذكر اللفظي مع شهود الحق تعالى، ثم قال:

ألا بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب"[174]

فطمس الله بصيرة من يرى أن مثل هذا ثقة يؤخذ بكلامه في الرجال.

صب العذاب على الشيخ ابن عربي الأفاك

يمتدح الأحباش ابن عربي الصوفي كثيرا، مع علمهم بما في كتبه من صريح الكفر، لكن حبشيهم يزعم أن هذا الكلام مدسوس عليه، وقد ألفت كتب كثيرة في ذم هذا الشيخ ونسبه إلى الإلحاد من الأئمة الأعلام.

قال الذهبي في ترجمته من "السير": "..وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة، ومن أراد تواليفه كتاب "الفصوص" فإن كان لا يكفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه بالله!!

وذكر أن ابن دقيق العيد سمع الشيخ عز الدين بن عبد السلام"العز بن عبد السلام" يقول عن ابن عربي: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا"[175].

وقال في أول كتابه "فصوص الحكم" : "أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مبشرة أريتها من العشر الأواخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده كتاب فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا، فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة لإبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة أو نقصان"[176].

فهذا كذب صراح وافتراء لا براح، وإفك وتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم برئ من الكفر الذي ملأ به كتابه هذا مثل تكفير نوح عليه السلام والاعتقاد بأن فرعون آل إلى الإيمان حتى غدا يتقلب في النعيم، واستحسانه موقف السامري صانع العجل، وغيره من الكفرات الصُّلْلع والزندقات الشُّنْع.

وابن عربي إمام القائلين بوحدة الوجود، وهي عقيدة كفرية أساسها أن ليس في الكون غير الله ولا شيء آخر، وهذه المظاهر المشاهدة الموجودة ما هي إلا مظهر لذات واحدة عن الله، فتعالى الله وتقدس عن إفكهم.

قال ابن عربي:"فما في الوجود إلا الله، ولا يعرف الله إلا الله، ومن هذه الحقيقة قال من قال: أنا الله وسبحاني كأبي يزيد البسطامي"[177]

وقال:

الرب حق والعبد حق يا ليت شعري من المكلَّفْ

إن قلت عبد فذاك حق أو قلـت ربٌّ أنى يُكَلَّفْ

وقال:

فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ووقتا يكون الرب عبدا بلا إفك [178]

وإضافة إلى هذه العقيدة الضالة كان ابن عربي ممن يقول بأفضلية الولي على النبي، ويفضل خاتم الأولياء على الأنبياء[179].

واشتهر ابن عربي ببيت من الشعر يعضد عقيدته الزائغة:

وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامُهُ[180]

ويتبعه بيت آخر:

يعمُّ به أسماع كلِّ مُكَوَّنٍ فمنه إليه بدؤه وختامُه

الأحباش بين الجعفرية الشيعية والطريقة الرفاعية

إن الأحباش رفاعيو الطريقة، وشيخهم يدعو إلى تصوف يقسم مصدر المسلمين إلى حقيقة وشريعة وظاهر وباطن، ويدعي أنه من أهل العلم اللدني وبأرواح المشايخ وأخذ البيعة العهد عنهم وهم في قبورهم، واعتقاد أنهم متصرفون في الأكوان ذوو مراتب، فمنهم القطب والوتد والنجيب والبدل، وأن هؤلاء يعلمون الغيوب والأسرار، ويكاشفون الناس بما يفعلون في السر والعلن، وأنهم يمسكون الأرض أن تزول أو تقع، وغير ذلك من الترهات التي استمدها من الرفاعية.

وهو وأتباعه حريصون على نشر الطريقة الرفاعية بطقوسها الشركية الشيعية وتقديسها لرفاعيهم، وهم – أي الرفاعية – كانوا من كبار الخونة، إذ كانوا يترددون على سلاطين التتار ويوالونهم من دون المؤمنين ويأخذون منهم الأعطيات والهدايا[181].

والرفاعيون إمامية اثنا عشرية على نحو يعتقده الشيعة، ويعتقدون أن المهدي هو ثاني عشرهم محمد بن الحسن العسكري، الذي يزعمون أنه اختفى في سرداب بمدينة سامراء، وأنه سيظهر في آخر الزمان ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فيخالفون بذلك أهل السنة والجماعة، حتى في عقيدة المهدي.

إلا أن الرفاعية لا يكتفون بذلك بل زادوا شيخهم حتى غدى ثالث عشرهم[182].

ويؤمنون بكتاب الجفر الشيعي كما صرح الروَّاس الرفاعي[183] من كبرائهم.

ويعتقدون أن شيخهم يبيع عقارات وقصورا في الجنة[184].

وأنه يحيي العظام وهي رميم[185].

وأن السموات والأرضين كالخلخال في رجله[186].

وأنه يحيي أتباعه إلى يوم القيامة في حياتهم وبعد مماتهم ويدخلهم الجنة أمامه[187].

وأنه يطلع على المقدور والمكتوب فيغير الشقي سعيدا[188].

وأنه غوث الخلائق كلهم تستغيث به حتى النعجة التي يفترسها الذئب…إلى غير ذلك من الكفرات والترهات والخرافات، فإذا أضفنا إلى ذلك عملهم بالمخاريق والسحر وتلبس الشياطين بهم والإيحاء لهم بأعمالهم الشيطانية من ضرب بالسفافيد، ودخول للنار وابتلاع السم واللعب بالحيات والعقارب، أدركنا أن هؤلاء من جند إبليس وأن متبعيهم مثلهم.

قال الشافعي: لو أن رجلا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق وما لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد إليه عقله أبدا[189].

فينبغي للمسلمين أن يهجروا هؤلاء وينبذوهم لما اجتمع فيهم من الشرك بالله العظيم، ونسبة ما لا يجوز نسبته إلا إلى الله إلى شيخهم، والغلو فيه غلوا كبيرا، واستعمالهم المخاريق والأفعال الشيطانية، والركون إلى الدنيا وإلى الذين ظلموا من الحكام الكفرة الفجرة، واتباعهم غير سبيل المؤمنين، وأكلهم أموال الناس بالباطل وفعلهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وصدهم عن سبيل الله.

تكفير الحبشي من دعا إلى الحكم بما أنزل الله تعالى

لقد كفر الحبشي سيدا قطبا لأنه حرم على القضاة أن يقضوا بين الناس بموجب الأحكام المدنية الوضعية المناهضة لأحكام الشرع[190].

زعم الحبشي كما ذكرنا آنفا أن آيات الحكم بما أنزل الله خاصة باليهود، والصواب الذي عليه جمهور الأمة ومن أفاضل الأئمة كذلك أنه لا وجه لتخصيص اليهود في الآيات فهي على ظاهرها، والآية عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله، وإن كان نزولها إنما كان لسبب معين فهو لا ينافي هذا العموم، وكيف يسمي الله تعالى الحاكم بما أنزل الله كافرا ولا يكون كافرا، بل هو كافر، ومن زعم غير ذلك فقد أكبر على الله القول وكذب بالآيات وبالرسل وقد رد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قول من ظن ذلك فقال:"نعم الاخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لهم كل مُرَّه ولكم كل حلوة كلا والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك"[191].

قال شيخ الإسلام بان تيمية رحمه الله:"ولا ريب أن من لم يعتقد بوجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر، فمن استحل أن يحكم بما يراه عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تؤمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين للإسلام من يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسكان البادية، وكان الأمراء المطاعون يرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر" ثم قال:"بل إن استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار".

وقال ابن أبي العز الحنفي:" إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب أو أنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة ثم عدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص، ويسمى كافرا كفرا مجازيا أو كفرا أصغر"[192].

وقال الشيح أحمد شاكر:"إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس وهي كفر بواح لا خفاء فيه، ولا عذر لأحد ممن ينسب إلى الإسلام كائنا من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ نفسه وكل امرئ حسيب نفسه"[193].

وأفتى كذلك الشيخ أحمد وأخوه محمود شاكر بأن العمل بالقوانين الوضعية كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة.

وهذا غيض من فيض، إنما أردنا أن نذكر نموذجا لقول العلماء في من حكم بغير ما أنزل الله، ومن هذا يتبين للمسلمين مدى انحراف هذا الطائفة الحبشية عن الجادة بتكفيرهم جمهور أهل السنة والجماعة الذين يكفرون من لم يحكم بما أنزل الله وتزلفهم إلى الحكام الطواغيت وتقربهم منهم وثنائهم عليهم، مع أن حكمهم بالقوانين المستوردة من الفرنجة وبلاد الروم يشي بأنهم كفرة مرتدون وزنادقة ملحدون، فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وعميت أبصارهم عن رؤية الحق وران على قلوبهم بما كانوا يكسبون، فهم يحاربون كل داعية يدعو إلى الحكم بما أنزل الله، ويحشدون الجند ويتكثرون من السلاح احتسابا من دعوة داع أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.

وهاهم الأحباش يسخرون ممن ينادي بتحكيم شرع الله وبتطبيقه ويسمون من يدعو إلى ذلك بالأصولي أو إرهابي، ثم هم بعد ذلك يتقربون إلى الطواغيت من كفرة الحكام الذين يسوؤهم عودة الإسلام.

ويتبرأ أحد نوابهم السابقين مما يدعونه بالأصولية أملا في رضا الحكام الكفرة عنه وعن طائفته قائلا:" فنحن نخالف حزب الإخوان الهدام فلسنا أصوليين" ثم قال:" لا لهذه الأصولية التي تكفر حكام العرب المسلمين لمجرد أنهم حكموا بالقانون". مجلتهم منار الهدى 1/33

وهم بهذه الطريقة إنما يتخلصون من تحكيم شرع الله تعالى، يؤلبون الحكام على الدعاة المخلصين ويحرضونهم عليهم، لكي تبقى لهم مكاسبهم الرخيصة، ويفرح الحكام بهذا فيضربون الدعاة المخلصين بالدعاة المضلين، فيطول أمدهم ويذهب كمدهم: (والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف 8].

رأي علماء الأمة بفرقة الأحباش
بعض ما رد به الشيخ الألباني على الأحباش

قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله"إن الله تعالى قد وصف نفسه بهذه الآيات يقصد " الرحمن على العرش استوى"[طه 5 ] وكذلك "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"[فاطر10]ويتابع الشيخ رحمه الله وفي الأحاديث الصحيحة أن لله تبارك وتعالى صفة العلو فلا جرم أن المصلي حينما يسجد يقول "سبحان ربي الأعلى".

ثم يتابع رحمه الله في مكان آخر قائلا اسمعوا الآن ماذا يصفون ربهم "أي الأحباش" يقولون :"ليس فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن يسار ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه" ويتابع قائلا "ها نحن اتفقنا معهم أن المكان مخلوق وهو العالم، فالله ليس داخل العالم، لكن ما بالهم يقولون أيضا ليس خارج العالم … ؟؟".

ويتابع رحمه الله وقال "هذا هو الإلحاد وهذا هو الحمد المطلق، وزاد بعضهم "أي الأحباش" في الإغراق والتعطيل وفي النفي فقالوا بعد أن قالوا لا داخل العالم ولا خارجه" فقالوا:"لا متصلا به ولا منفصلا عنه"، هذا هو الجحد هذا هو الذي يقوله الدهريون جميعا. ويضيف رحمه الله ساخرا منهم فذكر القصة التي دارت بين شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصمه أمام الحاكم ولما تبين للحاكم ضلال العلماء خصوم ابن تيمية كما يقول الأحباش اليوم بأن الله ليس في مكان قال الحاكم قولته المشهورة "هؤلاء قوم أضاعوا ربهم".

وأضاف رحمه الله قول شيخ الإسلام أن أهل السنة والجماعة ليسوا معطلة ولا مجسمة وقال "الحقيقة أن المجسم يعبد صنما والمعطل أمثال الحبشي يعبد عدما"، ويتابع الألباني قائلا "أننا لو قلنا لافصح رجل باللغة العربية:صف لنا المعدوم الذي لا وجود له، لما استطاع أن يصفه بأكثر مما يصف هؤلاء معبودهم وربهم" يقصد رحمه الله الأحباش، وتابع قائلا"فالمعدوم هو الذي ليس داخل العالم ولا خارجه، فهل الله كذلك؟؟ حاش لله، كان الله ولا شيء معه".

وحديث الجارية عند مسلم والتي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أين الله، قالت: في السماء، فقال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة" ويتابع ومن منطلق هذا الحديث يسن لنا أن نسأل الأحباش "أين الله" فستراهم حيارى ويجب أن يكون جوابهم كما قالت الجارية: الله في السماء.

فهم دائرون ما بين كفر وكفر وذلك عاقبة من لا يتبع السلف الصالح ولذلك قيل: وكل خير في أتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف ولله الحمد والمنة. كان هذا بإيجاز عن جواب الشيخ الألباني رحمه الله في محاضرته التي ألقاها عن الأحباش في 17 رمضان 1413 الموافق للعاشر من آذار لعام ألف وتسعمائة وثلاث وتسعون.

رأي علماء الأزهر الشريف بفرقة الأحباش

رأي الأستاذ أحمد شلبي :

وقد رد الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي بالأزهر الشريف على سؤال مجلة "المجلة" عدد 679، حول رأيه بالأحباش فقال "هي فئة ضالة منحرفة في فكرها وليس لديها الفكر الشامل لمفهوم الإسلام لأن زعيمها عبد الله الحبشي نشأ في الحبشة في جو لم تتوافر فيه المعلومات والعلوم الدينية المختلفة فنشأت جماعته على أساس مجموعة من الأفكار البدائية في أفكارها". وتابع يقول "كما أنها تعادي الجماعات الإسلامية وأهل السنة والجماعة باعتبار أن ما يؤمنون به خطأ".

رأي الدكتور فكري إسماعيل :

قال الدكتور فكري إسماعيل وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون الدعوة :"أنه لم يسبق في التاريخ أن أختلف أهل السنة والجماعة حول عقيدتهم، ولم يحدث أن كفر علماؤهم أحدا من العلماء الذين اشتهروا بالتقي والورع وسعة العلم وعرفوا بإخلاصهم لدينهم لا في داخل لبنان أو خارجه. ولأول يأتيهم رجل غريب من الحبشة، غريب في أطواره وأفكاره وأسلوبه الذي يتبعه في إثارة الفتنة بين أهل السنة والجماعة".

ثم تابع قائلا "لقد كفر الحبشي كبار العلماء من أمثال ابن تيمية وابن قيم الجوزية وسيد قطب ومحمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي وسيد سابق وكذلك كفر مفتي لبنان حسن خالد والشيخ صبحي الصالح وفيصل مولوي وعددا كبيرا لا حصر له ولا عدد من رجال الأزهر الشريف".

وتابع الدكتور قائلا "لماذا يهاجم الحبشي كبار العلماء المشهود لهم بالعلم والمعرفة وهم رموز هذه الأمة الإسلامية وهم روضات العلم والمعرفة عقائديا وفكريا".

وأجاب عن السبب قائلا: هو الحقد والحسد وحب الظهور على حساب كبار أهل العلم فضلا عما في ذلك من إرضاء لأعداء النهج الذي التزم به أهل السنة والجماعة. فهو شعوبي يكره العرب من ناحية وباطني يحقد على أهل السنة والجماعة، وهو بالتالي يعادي المنهج الذي دافعوا عنه، وهو منهج أهل السنة والجماعة وإن ادعى أنه من أهل السنة فهذه الدعوى تحتاج إلى دليل"[194].

رأي الشيخ الحوالي بالأحباش

سئل الشيخ سفر الحوالي عن فرقة الأحباش، هل هم من أهل السنة الجماعة كما يدعون؟ فأجاب:

"إن الذين يعتقدون العقيدة الصحيحة [في لبنان] يُحاربون من كل الطوائف التي تحقد على أهل السنة والجماعة. كما تعلمون لبنان فيه من كل الطوائف والديانات في العالم، وإضافة إلى ذلك عوام المسلمين الذين عم أهل السنة تتنافسهم بدع وأهواء وضلالات كثيرة، ومن ذلك العقيدة الجهمية الخبيثة التي تنتشر هناك، تجهم باسم الأشعرية، وتعلمون الفرق بين عقيدة أبي الحسن الأشعري الذي رجع إلى عقيدة أهل السنة والجماعة وبين الجهمية التي تنفي صفات الله عز وجل، تنفي علو الله تعالى وتؤول كلام الله عز وجل، وتعتقد في الإيمان أنه التصديق بالقلب فقط، وتعتقد في القدر ما هو قريب من الجبر، وما أشبه ذلك.

وهؤلاء الجهمية في لبنان يمثلهم رجل من الحبشة، انظروا كيف ابتلى الله تعالى لبنان على ما فيه من البلاوى، يأتي هذا من الحبشة ويذهب إلى لبنان، وهو قد تعلم ودرس كتب الأشعرية وعلم الكلام، يدرس الناس في بيروت هذه العقيدة حتى يصبح لديها الانتشار بحيث أنه من أتباعها من يحملون السلاح في شكل ميليشيات، ويرغمون الناس على اعتقاد عقيدة الجهمية، باسم أنها العقيدة التي يقبلها الله وهي عقيدة أهل السنة، هذا هو عبد الله الحبشي المقيم في بيروت، وأتباعه معروفون في لبنان باسم الأحباش، وهم على هذه العقيدة الضالة والمضلة والعياذ بالله، وإذا ما أراد أحد من عوام الناس أن يتعلم العلم الشرعي يذهب إلى المساجد فيجد الأحباش يعلمون هذه العقيدة الضالة، حتى إنهم قتلوا أحد شباب أهل السنة والجماعة رحمه الله تعالى، لأنه خالفهم في مسألة العلو، وألف كتاب بعنوان:" إثبات علو الله تعالى على خلقه، ومات شهيدا إن شاء الله رحمه الله.

من أجل هذه العقيدة قتلوه، فهم يعلمون النساء هذه العقيدة الضالة فيقولون لهن:"لا تعتقدوا أن الله تعالى فوق العالم هذا كفر وهذا شرك" يفسدون عقائدهن فيحترن حتى كتب لنا بعضهن بذلك.

هذه العقيدة الباطلة – اعتقاد أن الله تعالى لا فوق ولا تحت ولا داخل العالم، ولا خارجه كما يقولون، تعالى الله عما يقول الظالمون، وسبحان الله عما يصفون، فهذه عقيدة اليونان، عقيدة وثنية يونانية قديمة، جاء بها هؤلاء وادخلوها باسم علم الكلام، والآن يقولون: هذه هي عقيدة أهل السنة، ومن يعتقد أن الله تعالى فوق العالم، ولهذا قال فرعون كما ذكر الله في كتابه العزيز: (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) [القصص 38]، فالناس جميعا: المؤمنون والكافرون يثبتون علو الله تعالى على خلقه، ولا يعني من هذا العلو أنه كالمخلوقين: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى 11].

لكن هؤلاء الناس – أي الأحباش- يعلمون الناس العقيدة الباطلة …، فالله المستعان، والحبشي هذا قد رد عليه – والحمد لله – بعض أهل السنة، وكتب الردود عليه موجودة.

وكتاباته – أي الحبشي – في منتهى الضحالة، فأي طالب علم في استطاعته أن يرد عليه"[195]

فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز بالأحباش

سئل الشيخ ابن باز عن حكم الشريعة الإسلامية في طائفة الأحباش، فأجاب:"من عبد العزيز بن باز إلى حضرة المستفتي: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فأشهد إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 212 وتاريخ 25/1/1406 هجري، الذي تسأل فيه عن الطائفة المنتسبة لرئيسهم الحبشي.

وأفيدك أن هذه الطائفة معروفة لدينا، فهي طائفة ضالة، ورئيسهم المدعو عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قول ما يقولون، ولا شك أن من أنكر أن الله في السماء فهو جهمي ضال كافر مكذب لقول الله تعالى: (أأمنتم من في السماء) [الملك 16].

وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رأي الداعية الإسلامي عبد الرحمن دمشقية بالأحباش

قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية:"إن الحبشي مذ قدم لبنان لم يزل يعمل على بث الأحقاد والضغائن ونشر الفتن تماما كما فعل في بلاده، وما إن خلا له الجو – أي لبنان – حتى بدأ يعاود الفتنة نفسها، فنشر عقيدته الفاسدة من شرك وترويج لمذهب الجهمية في تأويل الصفات وإرجاء وجبر وتصوف وباطنية ورفض وسب للصحابة رضي الله عنهم، فسب معاوية رضي الله عنه ووصفه ومن معه من الصحابة بأنهم فاسقون، ووبخ الذين توقفوا في القتال بين الفئتين المسلمتين، واتهم عائشة رضوان الله عليها بعصيان أمر الله عز وجل"[196].

رأي الشيخ سعيد شعبان بفرقة الأحباش

رد الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد الإسلامي السابق في لبنان على الحبشي الذي كان يقول: إن الأحباش يخالفون الحركات الإسلامية وأنهم ليسوا أصوليين وليسوا إرهابيين، فقال:

"إن هذه الفرقة – أي الأحباش – التي نفت عن نفسها الأصولية والإرهاب إنما بذلك قد تخلت عن روح الإسلام، لأن للإسلام أصولا ولكل ركن من الإسلام أصول، فللصلاة وللحج أصول ولكل ركن من أركان الإسلام أصول، ومن تخلى عن هذه الأصول فقد تخلى عن روح الإسلام. وكذلك من نفى عن نفسه الإرهاب لأعداء الله يكون بذلك رادا لصريح القرآن لأن الله سبحانه وتعالى قال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) فقد سمى الله سبحانه وتعالى المسلمين إرهابيين لأعداء الله وأعدائهم.

ثم تابع قائلا: إن كل عالم أو شيخ أو رئيس حزب يغريك على المسلمين وبعداوتهم هو إنسان ظالم، لأن الله تعالى يقول: (فاصلحوا بين أخويكم) [الحجرات 10] والحبشي يقول: فرقوا بين أخويكم، إن كل حزب يقول لك: نحن على حق والأمة على باطل، قل له: أنت على باطل والقرآن هو الحق الذي يقول: (إنما المؤمنون اخوة) [الحجرات 10].

إن كل جمعية تخرج بمفاهيم جديدة للحياة تخالف صريح القرآن هي جمعية دخيلة لا يجوز الانتساب إليها ولا الاعتراف بوجودها بين المسلمين."يقصد بالمفاهيم الجديدة أي البدع

وقال: بالأمس سمعت على التلفاز إنسانا معمما يقول إن الحكم بغير ما أنزل الله لا يعد كفرا، بالله عليكم هل من إنسان أجرأ على الله وعلى كتاب الله من شيخ معمم يقول بأن الحكم بغير ما أنزل الله لا يعد كفرا.

ألم يقل الله تعالى في القرآن: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) و (فأولئك هم الظالمون) و (فأولئك هم الفاسقون) [المائدة 44، 45، 47]، أوصاف ثلاثة هي أشنع أوصاف ذكرها الله في حكام يحكمون بغير ما أنزل الله، وبحكام الكفر العالمي.

ويأتي شيخ معمم لا أدري من أين اشترى عمامته ومن أين تقاضى ثمنها يكذب كلام الله بكل وقاحة، ويتحدث من أجل أن يتقرب إلى الحكام يريد أن يخطب ودهم، أتخطب ود الظالمين وتترك حب رب العالمين؟ هل أنت موفق إلى هذه الدرجة في اختيارك، تختار الظالمين أولياء وتترك الولي العزيز العظيم من أجل أن تتقرب إلى الحكام.

من هي الجمعية التي تدعو بهذه الدعوة والتي تحمل على المسلمين وتتهمهم في الوقت الذي تبرئ ساحة المجرمين في العالم، هذه الجمعية أو أي حركة تبدل كلام الله تعالى اجعلها تحت قدمك هي وشيخها.

فالأعز أن تجعل العزيز هو الذي ينطقك بالحق، ولا تترك ضالا مضلا يدعوك لأن تكفر بالمحكم من القرآن من أجل أن ترضي عنك الحكام يا ظالم.

أإلى هذا الحد تبلغ الجرأة ببعض الأحزاب أن يكفروا بالقرآن ليشتروا به ثمنا قليلا كبني إسرائيل. إن أحبار اليهود هم الذين بدءوا هذه البدعة الضالة، وإذا بكثير من هذه الأمة يفتي فتاوى تلغي كتاب الله من أجل عرض من أعرض الدنيا، ما أظن أن مسلما يفعل هذا.

وقال: ويبيحون - أي الأحباش - ما حرم الله بالنية، قال الحبشي:"إذا كانت النية صالحة يجوز للمرأة أن تخرج متعطرة إذا كانت بنية أن تفرح نفسها" وكذلك إذا قياسا على هذا يجوز أن تزني المرأة بحجة أن تبسط نفسها، هكذا يصبح كل حرام جائزا.

وبذلك تنتهي الشريعة، واستدل الشيخ – أي الحبشي – بحديث:"أيما امرأة خرجت متعطرة ليشم الناس من ريحها فهي زانية" قال: اللام لام الإرادة، لا لام التعليل يا حبشي.

وقال الشيخ سعيد رادا عليه: أين تعلمت اللغة العربية يا شيخ، ومن هم أساتذتك؟ من هم الجهلة الذين لقنوك أن هذه اللام لام التعليل؟ اقرأ إذن قول الله تعالى لتفهم معنى اللام: قال تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) [القصص 8] هل كانت نية فرعون وزوجته أن يربوا موسى ليكون لهم عدوا أم أن العاقبة التي انتهى إليها فرعون أن موسى صار عدوا له؟ إنها يا شيخ الضلال لام العاقبة، خرجت والريح يفوح منها، وسيحدث أن يشم الناس من ريحها، إذا فهي زانية يا شيخ، وأنت سمحت للزانية أن تخرج متعطرة، فاقرأ: اللغة العربية جيدا لأن لامك ليست لام التعليل، إنها لام العاقبة التي ستوصلك إلى جهنم العاقبة ما أصررت على الفتوى بغير ما أنزل الله وعلى تحريف كلام الله وتحريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: من هم أساتذتك الذين علموك، إنهم الذين علموك كيف تكره المسلمين، وكيف تفتري عليهم، كيف تثير الشبهات حولهم من أجل أن يرضى عنك اليهود والنصارى فقد قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) [البقرة 120].

إنكم تحبون الدنيا كنتم تقولون في الانتخابات :"لو أن النصارى اقترعوا لنجحنا" أي : أنكم تعتمدون على أصوات النصارى، وأنتم مرشحون باسم المسلمين، فأي تناقض هذا: أن تترشحوا باسم المسلمين وتعتمدوا على أصوات النصارى، لا يا شيخ، النصارى يختارون نصرانيا والمسلمون يختارون مسلما هذا هو الأصل الذي يجب أن تنطلقوا منه.

ثم قال: وان كنت في جمعية (الأحباش) فدعتك لأن تكره المسلمين وتكفر بعضهم، فاقفل هذا الباب على هؤلاء وانسحب من الجمعية، وقل لعنة الله على جمعية تفرق بين المسلمين.

رأي الندوة العالمية للشباب بفرقة الأحباش[197]

تبين أن الجذور الفكرية والعقائدية للأحباش تتلخص في الآتي:

المذهب الأشعري المتأخر في قضايا الصفات الذي يقترب من منهج الجهمية.

المرجئة والجهمية في قضايا الإيمان.

الطرق الصوفية المنحرفة مثل الرفاعية.

عقيدة الجفر الباطنية.

مجموعة من الأفكار والمناهج المنحرفة التي تجتمع على هدف الكيد للإسلام وتمزيق المسلمين ولا يستبعد أن يكون الحبشي وأتباعه مدسوسين من قبل بعض القوى الخارجية لإحداث البلبلة والفرقة بين المسلمين كما فعل عبد القادر الصوفي ثم المرابطي في إسبانيا وبريطانيا وغيرهما.

يتضح مما سبق أن الأحباش طائفة ضالة، تنتمي إلى الإسلام ظاهرا، وتهدم عراه باطنا، وقد استغلت سوء الأوضاع الاقتصادية وما خلفته الحروب اللبنانية من فقر وجهل في الدعوة إلى مبادئها الهدامة وإحياء الكثير من الأفكار والمعتقدات الباطلة التي عفا عليها الدهر مثل قضايا خلق القرآن، والخلاف المعروف في قضايا الصفات الذي تصدى له علماء السنة والجماعة في الماضي والحاضر، وقد تصدى لهم عدد من علماء أهل السنة والجماعة في عصرنا مثل المحدث الشيخ الألباني والشيخ ابن باز[198] والشيخ الداعية الإسلامي عبد الرحمن دمشقية.


1 انظر كناب الحبشي المقالات السنية ص4 وانظر رد الجمعية الصومالية في السويد تكذيبا لذلك في كتاب المقالات السنية في كشف ضلالات الفرقة الحبشية/ لعبد العزيز المالكي ص 206

2 النهج السليم 67.

3 النهج السليم للحبشي 67

3ءاظهار العقيدة للحبشي

4 الدليل القويـم7

5 ءاظهار العقيدة للحبشي 59

6 الدليل القويم للحبشي 173

7 شريط خالد كمعان ب/70

8 صريح البيان للحبشي 58

9 شريط الحبشي 3/640

10 مسجل بصوته.

11 بغية الطالب للحبشي305

12 الدليل القويم للحبشي 9-10

13 النهج السوي للحبشي 16

14 رواه البخاري

15 انظر بغية الطالب للحبشي41 والدليل القويم 145 والنهج السليم 57

16 انظر الأم 8/358

17 مسجل بصوته

18 مسجل بصوته

19 رواه البخاري ومسلم

20 مسجل بصوته

21 بغية الطالب للحبشي37 أو 47

22 بغية الطالب للحبشي 342

23 مسجل بصوته

24 مسجل بصوته

25 منار الهدى الحبشية 3/34

26 مسجل على شريط

27 النهج السوي للحبشي ص 3

28 انظر البحر المحيط 3/449 ولسان الميزان 2/384

29 أسرار الشريعة 82-83

30 الدر المفيد 136

31 بغية الطالب للحبشي 257

32 بغية الطالب للحبشي224 و 287

33 بغية الطالب للحبشي202

34 صريح البيان للحبشي 186 أو 350

35 بغية الطالب للحبشي351

36 صريح البيان للحبشي 178 و 329

37 صريح البيان للحبشي 191 و 329

38 مجلة الشراع العدد 574

39 ءاظهار العقيدة للحبشي 59

40 ءاظهار العقيدة للحبشي 40

41 بغية الطالب للحبشي411

42 تفسير ابن جرير 3/122

43 تفسير ابن جرير 3/122

44 تفسير ابن جرير 3/122

45 العزو الآنف.

46 الإتقان في علوم القرآن 2/3-4

47 النهج السوي للحبشي 24

48 النهج السوي للحبشي 42

49 المصدر الآنف 27

50 المصدر الآنف 42

51 رواه البخاري ومسلم

52 رواه الطبراني وهو صحيح

53 انظر بغية الطالب للحبشي 140

54 بغية الطالب للحبشي141

55 رواه مسلم واحمد

56 بغية الطالب للحبشي138-139

57 في صريح البيان للحبشي 156

58 رواه احمد والحاكم

59 بغية الطالب للحبشي192 أو 243

60 عن صحيفة الديار

61 أنظر صريح البيان للحبشي ص133

63 بغية الطالب للحبشي264

64 رواه البخاري ومسلم

65 رواه احمد، واصله في الصحيحين

66 مسجل بصوته

67 رواه البخاري ومسلم

68 رواه مسلم

69 رواه الطبراني وهو صحيح

70 رواه احمد والترمذي والحاكم وابن حيان والبيهقي

71 مسجل بصوته

72 فتح الباري 12/375

73 مسجل بصوته

73 بغية الطالب للحبشيص293-294، وص 330 من الطبعة الثانية

74 رواه أبو داود وهو صحيح

75 مسجل بصوته

76 الدليل القويم للحبشي ص155

77 رواه أبو داود

78 رواه الطبراني وغيره

79 صريح البيان للحبشي 144

80 رواه الطبراني عن معقل بن يسار، وانظر الصحيحة 226

81 رواه البخاري

82 صحيح. رواه الترمذي

83 صريح البيان للحبشي 134 أو 265

84 صريح البيان للحبشي 133-134

85 انظر تفسير ابن جرير 14/20

86 مسجل بصوته

87 المقالات السنية للمالكي ص128

88 صحيح رواه احمد وأبو داود والترمذي

89 صحيح. رواه النسائي

90 بغية الطالب للحبشي134

91 بغية الطالب للحبشي204

92 بغية الطالب للحبشي121-122

93 بغية الطالب للحبشي68

94 الدليل القويم للحبشي204

95 صريح البيان للحبشي 123

96 رواه البخاري

97 لطائف المنن والأخلاق للشعراني 561

98 بغية الطالب للحبشي99-100 و 132

99 رواه مسلم

100 رواه مسلم

101 رواه مسلم وأبو داود وغيرهما

102 مسجل بصوته

103 بغية الطالب للحبشي87 أو 119

104 رواه مسلم 564

105 رواه أحمد وأبو داود

106 المقالات السنية للأبي صهيب المالكي ص104

107 رواه مسلم 865 وغيره

108 رواه احمد 3/424 وغيره

109 رواه مسلم واحمد وغيرهما

110 بغية الطالب للحبشي257

111 مسجل بصوته

112 رواه ابن حيان والبيهقي

113 صريح البيان للحبشي 178

114 المرجع الآنف 179

115 مواهب الجليل 3/405

116 صريح البيان للحبشي 186

117 كشف القناع 1/82

118 صريح البيان للحبشي 186

119 الحلية 2/45

120 انظر المرجع الآنف

121 رواه البخاري في "الأدب المفرد" واحمد والطبراني والحاكم وغيرهم عن فضالة بن عبيد

122 رواه احمد

123 بغية الطالب للحبشي 446

124 بغية الطالب للحبشي 216-217

125 رواه أبو داود

126 رواه البخاري

127 رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم

128 رواه مسلم

129 رواه مسلم وغيره

130 رواه احمد

131 رواه الدار مي

132 رواه ابن خزيمـة والبيهـقي

133 مجلة المسلمون العدد 407

134 رواه أبو داود والحاكم

135 1 رواه احمد وأبو داود والترمـذي وابن ماجه

136 رواه أبو داود

137 رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي

138 رواه احمد وأبو داود وغيرهما

139 بغية الطالب للحبشي351

140 بغية الطالب للحبشي216-217

141 رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي

142 بغية الطالب للحبشي68 و 96

143 انظر تفسير ابن جرير 11/22-24

144 رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم

145 رواه مسلم وغيره

146 رواه البخاري ومسلم

148 مسجل بصوته على شريط

149 تفسير ابن جرير (3/71)

150 العزو الآنف

151 رواه احمد ومسلم عن جابر

152 مغيث الخلق للجو يني 35

153 سفر التثنية 23/19

154 بغية الطالب للحبشي207

155 نفس المصدر والعزو الأنفين

155 رواه البخاري ومسلم

156 رواه البخاري

157 كراس غازي الشريف 24

158 مجلتهم منار الهدى 2/30

159 رواه احمد

160 رواه احمد وابن ماجه

161 رواه الترمذي

162 رواه البخاري ومسلم

163 رواه البخاري ومسلم

164 بغية الطالب للحبشي99-100

165 مسجل بصوته

166 بغية الطالب للحبشي87 أو 119

167 ءاظهار العقيدة للحبشي 97

168 انظر صريح البيان للحبشي 110

169 الـمولـد الـنـبـوي للحبشي

170 سير أعلام النبلاء 23/48-49

171 لسان الميزان 2/384

172 بغية الطالب للحبشي100

173 مسجل بصوته

174 الدليل القويم للحبشي 33

175 الدليل القويم للحبشي 33

176 المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار الهمذاني 4/241-242

177 الجانب الإلهي لمحمد البهي 108

178 فصوص الحكم

179 الجانب الإلهي 109

180 منار الهدى 12/26

181 3/26-27

182 الاعتقاد 29

183 تبين كذب المفتري 157

184 الاسماء والصفات لابن تيمية 2/150-151

185 الدليل القويم للحبشي 47

186 رواه مسلم وأبو داود والترمذي

187 الصراط المستقيم للحبشي 24-25

188 تفسير ابن جرير الطبري 30/118

189 رواه عبد الله بن احمد في "السنة" 177

190 تفسير ابن جرير 2/191

191 نفس المصدر الآنف 2/192

192 الدر المنثور 1/241

193 تاريخ الفلسفة 1/249

194 الدليل القويم للحبشي 52

195 رواه البخاري ومسلم

196 رواه البخاري

197 رواه البخاري ومسلم

198 رواه مسلم

199 رواه أبو داود والترمذي

200 رواه مسلم

201 رواه البخاري ومسلم

202 رواه البخاري

203 رواه مسلم 2/890

204 رواه البخاري في خلق أفعال العباد 76، 89

205 رواه مسلم

206 رواه ابن خزيمـة في التوحيد

207 رواه البخاري في خلق أفعال العباد 43

208 رواه البخاري ومسلم

209 رواه احمد وابن ماجه والحاكم

210 رواه ابن خزيمة في التوحيد 120

211 رواه البخاري في الصحيح وفي خلق أفعال العباد 40

212 رواه البخاري ومسلم

213 رواه البخاري ومسلم

214 رواه احمد والبخاري ومسلم

215 رواه البخاري في خلق أفعال العباد 42-43

216 رواه احمد والترمذي وابن ماجه والحاكم

217 رواه البخاري ومسلم

218 الدليل القويم للحبشي 7

219 الدليل القويم للحبشي 9 و10 وبغية الطالب51

220 انظر تفسير ابن جرير الطبري 2/12 وابن كثير 1/189-191

221 مناقب الإمام احمد لابن الجوزي 153، 168، 173 والحديث النبوي رواه أبو داود والترمذي واحمد وغيرهم

222 منهج أهل الحديث والسنة 51-52

223 انظر العزو الآنف 4و5

224 الإبانة عن أصول الديانة 24

225 ءاظهار العقيدة للحبشي 37

226 تبيين كذب المفتري 150

227 الدليل القويم للحبشي 37

228 رواه البخاري

229 الدليل القويم للحبشي 39

230 العزو الآنف 38

231 الرد على الجهمية 18

232 رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 5/283-284 والبيهقي في "الأسماء والصفات" 415 واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" 3/899

233 الإبانة عن أصول الديانة 86-87

234 الفصل في الملل لابن حزم 2/123

235 انظر الأسماء والصفات للبيهقي: باب ما جاء في قول الله عز وجل:(الرحمن على العرش استوى)

236 نفس المصدر الآنف

237 التوحيد لابن خزيمة

238 رواه اللالكائي بأسانيد صحاح

239 تفسير ابن جرير 13/62

240 ابن جرير 1/52

241 اللالكائي 1/92 والخطيب في التاريخ 5/283

242 الغنية 54-57

243 فتح القدير 2/211

244 انظر ءاظهار العقيدة للحبشي 237 و 60

245 العزو الآنف 237

246 انظر تعليقات الكوثري على "الاسماء والصفات" للبيهقي

247 تفسير ابن كثير 4/398

248 تفسير القرطبي 17-18/215-216

249 تفسير المراغي المجلد الرابع جزء 29

250 رواه مسلم 537

251 بغية الطالب للحبشي32، 47

251 رواه البخاري ومسلم

252 رواه احمد والترمذي

253 حلية الأولياء 9/114

254 مناقب الإمام احمد لابن الجوزي، من عبارات متفرقة بين ص: 161-170

255 المصدر الآنف 165

256 الذهبي عن مقدمة المسند ص: 81

257 المناقب لابن الجوزي 160

258 كتاب السنة لعبد الله بن احمد

259 رواه الطبراني وابن عدي

260 رواه مسلم 2501

261 رواه ابن عبد البر في الاستيعاب

262 رواه ابن مردويه

263 رواه البخاري ومسلم

264 بغية الطالب للحبشي26

265 رواه احمد ومسلم

266 بغية الطال 325

267 رواه احمد

268 وانظر فتح الباري 3/224-225

269 أنظر شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة اللالكائي تحقيق أحمد حمدان 1/157-160

270 جامع البيان العلم وفضله 2/117 تحقيق عثمان محمد عثمان

271 انظر تاريخ بغداد 4/290 وسير اعلام النبلاء 14/201

272 التسعينية 238-239 وانظر شرح الاصفهانيه 5/31

273 التسعينية لابن تيمية 277

274 سير أعلام النبلاء 10/200-201 والحموية ص : 14-15 طبعة قصي الخطيب

275 انظر كتاب عقيدة الأشاعرة للدكتور سفر الحوالي ص:20

276 أنظر المنتظم لابن الجوزي لأحداث سنة 433 ج8وج9

277 الاستقامة ص:81-89 و 105-109

278 انظر الاستقامة 105 وتبين كذب المفتري لابن عساكر ص:410 بتحقيق الكوثري

279 الدليل القويم 33

280 2 الجانب الالهي د. محمد البهي ص 108 وكتاب افلوطين اثولوجيا (سانتلانا 127)

281 جامع البيان وفضله 2/92، صون المنطق والكلام 133

282 سنن الدارمي 121 والآجري في الشريعة 1/48 وصون المنطق 150

283 طبقات الشافعية للسبكي 3/260 – وصون الكلام والمنطق للسيوطي 184

284 مسجل بصوته

285 النهج السليم 48

286 فقه السنة ج2، ص402

287 بغية الطالب 27-28 للحبشي

288 في ظلال القرآن 3481

289 النهج السوي 14 للحبشي

290 الدليل القويم 147 للحبشي

291 مسجل بصوته في شريط خالد كنعان المشهور

292 الدائرة العلمية 27 وفتوى نبيل الشريف في مجلة منار الهدى 15/33

293 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/218. محققة

294 تفسير الطبري 1/128

295 إتحاف السادة المتقين9/489 وانظر 5/119

296 فتح الباري 668:8

297 شرح المقاصد للتفتازاني 4/41-42

299 تفسير الطبري مجلد 16 ج24، ص:51

300 فتح الباري 11/95

301 من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس بن مالك فتح الباري ج2، ص:495

302 وكان خازن عمر على الطعام مصنف ابن أبي شيبة6/356

عبد الله بن مالك الدار مولى لعمر بن الخطاب تهذيب الكمال 4635

"ومالك الدار لا أعرفه" الترغيب والترهيب 2/29 حديث 1369

303 وهو ثقة من الدرجة 6 تقريب التهذيب

304 رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح فتح الباري 2:495

305 سيف بن عمر التميمي ويقال الضبي سيف ويقال سيف الضبي كوفي ضعيف الحديث عمده في التاريخ. القول فيه مات زمن الرشيد تقريب التهذيب 2724 لابن حجر العسقلاني

306 تهذيب التهذيب 4/295

307 انظر التقريب ترجمة رقم 2724 ص:262 ط:دار الرشيد بحلب

308 تقريب التهذيب ج1/407

309 التاريخ الكبير 7/304 رقم 1295

310 رواه البخاري في صحيحه

311 الأجوبة المهمة 24 تحقيق مأمون محمد احمد منسوخ من مخطوط بدار الكتب المصرية

312 رواه البخاري 1597 ومسلم 1270

312 شرح نور الإيضاح باب أحكام الجنائز قال"وأكثر مشايخنا على أن الميت لا يسمع عندهم "ص:236

313 341 الطبعة الأزهرية

[1] إظهار العقيدة السنية 40

[2] المصدر الآنف 39-40

[3] مجلة منار الهدى 23/29

[4] رواه مسلم

[5] صريح البيان 57-62 والدليل القويم 173 والمقالات السنية 46

[6] بغية الطالب 51

[7] رواه أحمد 3/481-482

[8] انظر فتح الباري 6/410

[9] خلق أفعال العباد 123

[10] مسجل بصوته

[11] مسجل بصوته

[12] مسجل بصوته

[13] قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة

[14] التوسل 170

[15] التوسل 171

[16] الدليل القويم 4

[17] سير النبلاء 6/395-396 وتاريخ بغداد 13/231-232

[18] تاريخ المذاهب الإسلامية 2/133/134

[19] السير 6/400 وتاريخ بغداد 13/339-400

[20] مناقب أبي حنيفة 1/111

[21] صون المنطق 60

[22] نفس المصدر 32 وذم الكلام للهروي

[23] رواه الترمذي وابن ماجة والبخاري في خلق أفعال العباد

[24] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم

[25] رواه البخاري ومسلم

[26] رواه مسلم

[27] رواه الدارمي

[28] رواه البخاري ومسلم

[29] رواه مسلم

[30] رواه الدارمي والاجري

[31] تفسير ابن جرير 8/65

[32] شرح أصول الاعتقاد 2/37

[33] ذم الكلام للهروي وانظر صون المنطق 56-57

[34] جامع بيان العلم 2/94 وصون المنطق 134

[35] جامع بيان العلم 2/95

[36] آداب ومناقب الشافعي 82 و 186

[37] الحلية 9/116 وصون المنطق 65 والانتقاء 80 والتلبيس 82-83

[38] صون المنطق 19

[39] آداب ومناقب الشافعي 186 وصون المنطق 64 وابن بطة 1/54

[40] الحلية 9/111-112

[41] الانتقاء 80

[42] أداب ومناقب الشافعي 185

[43] الرد على الجهمية والزنادقة ص3

[44] مناقب الإمام أحمد 156

[45] صون المنطق 128 وتلبيس إبليس 83

[46] مناقب الإمام أحمد

[47] مناقب الإمام أحمد

[48] مناقب الإمام أحمد 186

[49] مناقب الإمام أحمد 172 وشرح أصول الاعتقاد للالكائي 1/157

[50] رواه الترمذي عن جابر (2019)

[51] رواه الدارمي 121 والآجري في الشريعة 1/48-52

[52] صون المنطق 49

[53] الإبانة لابن بطة 2/173 وذم الكلام للهروي 1/37

[54] صون المنطق 40

[55] المصدر الآنف

[56] شرح أصول الاعتقاد

[57] رواه الديلمي والدارقطنى في العلل 1/477 وهو مرفوع

[58] رواه الدارمي 1/110

[59] رواه البيهقي في الاعتقاد 118 والهروي في ذم الكلام 1/92 والآجري في الشريعة 56

[60] رواه الدارمي 1/109

[61] صون المنطق 131

[62] الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة 225

[63] شرف أصحاب الحديث 9

[64] جامع بيان العلم 2/92

[65] تلبيس إبليس 82

[66] تلبيس إبليس 49

[67] نهاية الاقدام للشهرستاني 3

[68] أبكار الأفكار 2/211

[69] أبكار الأفكار 1/298

[70] انظر درء تعارض العقل والنقل 1/159-165

[71] الدليل القويم 47

[72] المصدر الآنف

[73] المصدر الآنف

[74] انظر مناهج الأدلة 183

[75] تأويل مختلف الحديث 46-49

[76] رسائل إخوان الصفا 4/132 فما بعدها

[77] الرسالة الأضحوية 39 فما بعدها

[78] الدليل القويم 47

[79] المصدر الآنف

[80] رواه الشيخان وأحمد

[81] الملل والنحل للشهرستاني 1/118

[82] رواه مسلم وأحمد

[83] مناقب الإمام أحمد 155-156 و 174

[84] كتاب السنة لعبد الله

[85] الدليل القويم 66-69

[86] المنهج السليم 66

[87] إظهار العقيدة السنية 58-59

[88] العقيدة الطحاوية 24

[89] شرح العقيدة الطحاوية 176

[90] كتاب الحيرة 79-80

[91] شرح العقيدة الطحاوية 1/174

[92] الباجوري على الجوهرة 112-113

[93] صيد الخاطر 181-182

[94] الغنية 59

[95] الصراط المستقيم 33

[96] انظر مجموع الفتاوى 12/243 ومختصر الصواعق 2/309 وشرح العقيدة الطحاوية 176

[97] الدليل القويم 94

[98] بغية الطالب 270

[99] الدليل القويم 85 وبغية الطالب 270

[100] النهج السليم شرح الصراط المستقيم 67

[101] الدليل القويم 136

[102] الملل والنحل 87 والفرق بين الفرق 128

[103] شرح الفقه الأكبر 39

[104] إظهار العقيدة السنية 196

[105] المقالات السنية 15

[106] نقض المنطق 118

[107] الرسالة التدمرية 91

[108] الفتوى الحموية 17

[109] العقيدة الواسطية 3-4

[110] مجموع الفتاوى 5/106

[111] المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية 16 و 76

[112] التوسل والوسيلة 7

[113] المصدر الآنف 141

[114] تحفة النظار 110

[115] الدرر الكامنة 1/153

[116] انظر البداية والنهاية 14/123

[117] رحلة ابن بطوطة المسماة بتحفة النظار 102

[118] مجموع الفتاوى 11/482

[119] الدليل القويم 41-42 للحبشي

[120] مجموع الفتاوى 16/95

[121] منهاج السنة 1/224

[122] درء تعارض العقل والنقل 2/7-8

[123] المقالات السنية 57 و 76

[124] منهاج السنة النبوية 1/221-224

[125] منهاج السنة 1/236

[126] شرح حديث النزول 160، 170، 178

[127] منهاج السنة 1/118

[128] درء التعارض 1/305، 3-158

[129] درء تعارض العقل والنقل 8/345

[130] بيان تلبيس الجهمية 157

[131] الصفدية 2/163 ومجموع الفتاوى 3/304

[132] انظر جلاء العينين للألوسي 425 وفيه يعزو قول الشعراني إلى "الأجوبة المرضية"

[133] الذيل على طبقات الحنابلة 2/394

[134] تذكرة الحفاظ 4/1496

[135] العقود الدرية 4

[136] البداية والنهاية 14/136

[137] العقود الدرية 7، 10، 12، 26

[138] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية 32

[139] العقود الدرية 288

[140] البداية والنهاية 14/11

[141] العقود الدرية 195

[142] البدر الطالع 1/70

[143] الرد الوافر 95

[144] البداية والنهاية لابن كثير 14/142

[145] لطائف المنان 556

[146] مجلتهم منار الهدى 29، 61

[147] المجلة السابقة 29، 61

[148] رواه البخاري ومسلم

[149] إظهار العقيدة السنية 240 ومسجل بصوته

[150] النهج السوي 3-4

[151] النهج السوي 4

[152] الظلال 3481

[153] النهج السوي 20

[154] النهج السوي 26-27

[155] رواه أبو داود

[156] بغية الطالب 361

[157] مسجل بصوته

[158] النهج السوي 39-45

[159] الدليل القويم 152

[160] الطبقات الكبرى 2/142

[161] طبقات الشعراني 2/85

[162] الطبقات الكبرى 2/142

[163] طبقات الشعراني 2/140

[164] طبقات الشعراني 2/185

[165] الطبقات 2/150

[166] طبقات الشعراني 1/185

[167] طبقات الشعراني 2/184

[168] طبقات الشعراني 2/150

[169] طبقات الشعراني 2/107

[170] طبقات الشعراني 2/103

[171] طبقات الشعراني 2/102

[172] الأنوار القدسية 1/169

[173] البحر المورود 292

[174] الأنوار القدسية 1/86

[175] السير 23/48-49

[176] فصوص الحكم 47

[177] الفتوحات المكية 1/354

[178] ديوانه، وصوفيات 27

[179] انظر الفتوحات المكية 2/49

[180] الفتوحات المكية 4/141

[181] انظر البداية والنهاية لابن كثير والعبر للذهبي والفتاوى لابن تيمية

[182] القواعد المرعية 97، بوارق الحقائق 212، جامع كرامات الأولياء 1/237

[183] بوارق الحقائق 78 و 177

[184] قلادة الجواهر 270، روض الرياحين 440

[185] قلادة الجواهر 73 و 145

[186] الفجر المنير 19، وطبقات الشعراني 1/142

[187] قلادة الجواهر 233

[188] قلادة الجواهر 103 و 192، وطبقات الأولياء 98

[189] تلبيس إبليس 371

[190] النهج السوي 12 للحبشي

[191] رواه ابن جرير 6/253

[192] شرح العقيدة الطحاوية 446

[193] عمدة التفاسير

[194] المقالات السنية في كشف ضلالات الفرقة الحبشية 193 لأبي صهيب المالكي

[195] أسئلة اللقاء الأسبوعي، مسجل على شريط

[196] شريط دمشقية في الرد على الحبشي رقم 1

[197] مجلة المسلمين عدد 407

[198] انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/430-434ومجلة المسلمين عدد 407 

تأليف ؛ كمال احمد

لاهور/باكستان

جميع الحقوق محفوظة © الماسة