ضعف الإيمان : الدلائل والعلاج

clip_image001

عبد العزيز كحيل

الشكوى من ضعف الإيمان شيء معتاد عند الملتزمين بدينهم،وتلك ظاهرة صحيّة إذا تجاوزت حالة التشكي إلى تشخيص الداء وتحديد أعراضه ومواجهته بالدواء المناسب.

والإيمان محله قلوب العباد،وهو تبعا لذلك يزيد وينقص ويقوى ويضعف ويحي ويموت،وهذا ثابت بالقرآن والسنة والتجربة.

قال الله تعالى:"وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا،فأمّا الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون،وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون" - سورة التوبة124.

فالآية صريحة في زيادة الإيمان وفي أن محلّه القلب فدلّ ذلك بداهة على أن الزيادة يقابلها النقصان بسبب "مرض القلوب".

وهذه أهم الأعراض والمظاهر التي يستطيع المؤمن أن يعرف من خلالها أن في إيمانه ضعفا فيبادر إلى تقويته وتغذيته.   

1.     التمادي في المعاصي والإصرار على الذنوب:

لا تكمن المشكلة في ارتكاب الخطإ والوقوع في الخطيئة،فهذا شيء ملازم للبشر،الإنسان خطّاء والله تعالى عفوّ غفور رحيم،لكنّها تكمن في استمراء مخالفة أمر الله تعالى ونهيه والتعوّد على ذلك والتمادي في الانحراف والإصرار على الذنب،وهذا دليل على ضعف الإيمان المستند إلى قلب مريض ،لأن قويّ الإيمان كلما استدرجه الشيطان إلى شرود عن صراط الله المستقيم استفاق وسارع إلى الرجوع إلى حياض الدين تائبا منيبا مستغفرا:

قال الله تعالى:"إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون" - سورة الأعراف.201

وقال عن المتّقين ذاكرا بعض صفاتهم:"وإذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون" - سورة آل عمران 135.

إن المتعامل بالرشوة مثلا يألف هذه المعصية ويعايشها يوميا فلا يحسّ بوخز النّدم أو تأنيب الضمير فيصاب في إيمانه الذي لا يجد حينذاك ما يتدارك ضعفه ويقوّيه،ويحدث نفس الشيء للمرأة غير المحجّبة التي تعتاد التبرّج حتى تنسى أنه حرام،فماذا يفيد هؤلاء الصلاة أو الصيام أو الصدقة؟

2.     التكاسل في أداء العبادات:

من المفروض أن المؤمن يتلذّذ بعبادة ربّه فهو يسارع إليها بهمّة ونشاط ممتثلا أمر الله تعالى:"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم..." - سورة آل عمران133

"وسابقوا إلى مغفرة من ربكم..." - سورة الحديد 21

لكن ضعيف الإيمان يقوم إلى العبادة كأنها عبء ثقيل ينوء بحملها :"وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا" – سورة النساء 142 

فليعلم من وجد هذا التكاسل في نفسه أنه قد أصيب في إيمانه فليبادر إلى معالجة الوضع وتجديد الإيمان.

3.     عبادات لا تأثير لها:

للعبادات المختلفة تأثير نفسيّ وسلوكيّ على المؤمن، لها حلاوة يجدها في قلبه كما أنّها تغيّره نحو الأحسن في علاقته بالله والناس، فإذا ضعف الإيمان تلاشى هذا التأثير وأصبحت العبادات طقوساً باردةً وأشكالاً لا حياة فيها، فالصلاة _ في هذه الحالة _ لا تقرّبه من الله ولا تنطبق عليه الآية الكريمة "فاسجد واقترب" _ سورة العلق 19 -، كما أنّها لا تمنعه من الوقوع في أنواع المعاصي الخبيثة لأنّها فقدت الفعاليّة الّتي أشارت إليها الآية "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" -  سورة العنكبوت45 - .

وقد يصوم صاحب هذا الإيمان الضعيف الفريضة والنافلة لكنّه لا يحصّل التقوى الّتي هي مقصد الصيام :"يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون" _ سورة البقرة 183_، وإنّما يكون نصيبه من الصيام الجوع والعطش.

وقد يزكّي ماله لكن بطريقة آليّة لا روح فيها فلا ينال بذلك طهراً ولا تزكيّةً كما أشار إليهما قول الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها" _ سورة التوبة 103 _

فلا بد أن يحرص المسلم على العلاقة التفاعليّة بين العبادات وتقويّة الإيمان حتى ينتفع بالقربات فيتلذّذ بها في قلبه وتقوده إلى الاستقامة والصّلاح في حياته.

4.     عدم التأثّر بالقرآن الكريم:

عندما يتلو المؤمن كتاب الله أو يستمع إليه منصتاً فإن آياته تحرّك قلبه بالخشوع والخشية والرغبة والرهبة وأنواع المشاعر الإيمانية، فإذا كان إيمانه ضعيفاً فإنّه يفقد الحسّ المرهف فلا يتفاعل مع الذّكر الحكيم ولا يتجاوب معه، يمرّ بآيات الوعد والوعيد والأمر والنهي وكأنّه غير معنيّ بها، لأنّ ضعف الإيمان نسج على قلبه غشاوة حوّلته إلى جلمود صخر لا يؤثّر فيه ذكر الجنّة والنار والنعيم والعذاب والمأمورات والمحظورات والرقائق والعظات، ولو كان إيمانه قويّاً لاقشعرّ جلده وخفق قلبه وارتعدت فرائسه وسالت دموعه وانطلقت زفراته رغباً في رحمة الله الّتي تبشّر بها هذه الآيات، ورهباً من عذاب الله الّذي تنذر بها آيات أخرى.

فهذا مقياس آخر لتقويم مستوى الإيمان.

5.     عدم التأثّر بالموت والمواعظ:

تكمن قمّة الموعظة في رحلة الموت من احتضار المحتضر وبلوغ الروح الحلقوم إلى تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وإهالة التراب عليه، وكلّها مواقف جديرة بخلخلة المؤمن الّذي يشاهدها لأنّها تذكّره بمصيره القريب فيكون أدنى إلى رقّة القلب والرجوع إلى الله، فإذا أصيب إيمانه بالضعف مرّ بهذه المشاهد  باهتا  - ولعلّه يضحك - كأنّه غير معني بها أو هي بعيدة عنه، وقد قيل "من لم يتّعظ بالموت فستكفيه جهنّم واعظاً"

وقريب من هذا ما يسمعه من دروس دينية تحرّك القلوب والأحاسيس وتدفع دفعاً إلى الوثبة الإيمانية والتوبة النصوح، قال تعالى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" _  سورة ق 37 _

إذا لم يتفاعل المسلم مع عظة الموت والدرس فليسأل نفسه أحيّ هو أم أنه في عداد الموتى ولو كان يدبّ على الأرض؟

6.     الغفلة عن الله:

ممّا يضعف الإيمان في القلوب ويكاد ينسفه نسفاً الانغماس في المشاغل الدنيويّة واللهث وراء الغايات المادية إلى درجة الغفلة عن الله تعالى وحقوقه ويوم لقائه، هذه العبودية للحياة الدنيا سبب لضعف الإيمان من جهة ونتيجة له من جهة أخرى، يترتّب عنها التحوّل من عبد لله إلى عبد للعاجلة: "نسوا الله فنسيّهم" - سورةالتوبة 67 -، والتعلّق بالدنيا غير الاشتغال بها، فهذا ضروري وواجب للفرد والمجتمع، بينما التعلّق هو حصر الاهتمام في الدنيويات وتغافل عن الدين والمصير، ونستطيع ملاحظة ذلك في تعلّق القلب _ وليس اليد _ بالمناصب ومزيد من المشروعات التجاريّة وبكرة القدم  ونحو ذلك بحيث لا يذكر الإنسان ربّه _ إن ذكره _  إلاّ عرضاً وقليلاً كأداء صلاة الجمعة مثلاً، ولهذا أمرنا الله تعالى بالإكثار من الذكر ليحدث التوازن المحمود في أنفسنا ودنيانا بين المطالب الحياتية والواجبات الدينية: "يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا وسبّحوه بكرةً وأصيلا" _ سورة الأحزاب _41-42.

7.     عدم الاهتمام بأمر المسلمين:

يترتّب عن ضعف الإيمان التقوقع على الذات وعدم المبالاة بأمور المسلمين فلا يهتمّ المؤمن حينئذ بمعاناة إخوانه المسلمين من الاحتلال الأجنبي والتسلّط الصهيوني والظلم السافر والفقر المنتشر ونحو ذلك من المصائب،لا يلتفت إلى معاناة المسجد الأقصى- فضلا عن أن يفكّر في تحريره - ولا حصار غزة ولا دماء الأبرياء في أكثر من مكان،إلى جانب قضايا المسلمين المصيرية.

وبعد،فبعلاج هذه المظاهر يقوى الإيمان في القلوب وتستقيم حياة المسلم. . أمر الله تعالى:وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.رع إليها بهمة ونشاط ممثلا قويه،ويحدث نفس الشيء للمرأة غير المحجبة التي تعتاد التبرج حت . فهل من مدّكر ؟

clip_image002 clip_image002[1] clip_image002[2]

أصول مواحق الطاعات**2**

clip_image001

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

بعد أن عرفنا في الجزء الأول من الدراسة الأصل الأول من مواحق الطاعات ألا وهو الرياء ننتقل في هذا الجزء إلى الأصلين الأخريين وهما:

2)  ذنوب ومعاصي الخلوات:

ثاني أصل من أصول المواحق والمحبطات ، انتهاك محارم الله في الخلوات ، بحيث ترى العبد في ظاهره فإذا هو حريص على الطاعة مداوم عليها بشتى أنواعها ، منخرط في صفوف الصالحين ، مقبل على كل أبواب الخير والمعروف ، يعب منها عبا، شغوف بكل عمل صالح مهما صغر، ولكنه إذا خلا بنفسه واختفى عن أعين الرقيب من البشر ، تجرأ على الآثام ونزع لباس الحياء ووقع في الحمى ، وتخلص من قناع الورع والتقوى والخشية  وانتهك محارم الله وتجاوز الخطوط الحمر ، وتخلص من ربقة الصلاح وغرق في براثن الرذيلة حتى النخاع، مستمرئا المعصية ، غافلا عن مراقبة مولاه ، جاعله أهون الناظرين إليه ، مستهترا وغير آبه بالرقيبين الملازمين من الملائكة ، طاويا لصفحة الإيمان ولو لفترة مؤقتة ، فيكون ذلك سببا في فري طاعته فريا ومحقها محقا ، وجعلها هباء منثورا.

هذا المآل السيئ والمصير المرعب يصوره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا وناصحا ومبينا العاقبة الوخيمة لهذا الفعل   المداومة على ذنوب الخلوات   يوم القيامة ، ومحوه لرصيد الصالحات مهما كثرت ، وهدمه لجبال الحسنات مهما عظمت ،ومحقه لخزان الطاعات مهما كان ممتلئا ، وإحباطه لصندوق الأعمال مهما كان عامرا، ويحشر العبد بعد ذلك خالي الوفاض ، فارغ اليدين ، فاقدا لأسباب النجاة بعد ظنه أنه قد أحسن صنعا، عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)( سنن ابن ماجه).

ماأخطر ذنوب الخلوات ، وما أبشع معاصي السر ، وما أشد آثام الإنفراد، أعمال أمثال جبال تهامة تجعلها هباء منثورا ، وتردها قاعا صفصفا ،إضافة إلى أنها تهتك الستر وتورث الفضيحة ، كما قال ابن القيم :(للعبد ستر بينه وبين الله ، وستر بينه وبين الناس، فإن هتك الستر الذي بينه وبين الله ، هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس).

لذلك نفقه لماذا كان من دعاء النبي  صلى الله عليه وسلم:(أسألك خشيتك في الغيب والشهادة)(جزء من حديث رواه أحمد والنسائي).

فالنجاة كل النجاة ، والسلامة كل السلامة أن ترافق العبد خشية الله ومراقبته في الغيب والشهادة ، في السر والعلانية ، في الظاهر والباطن ، في الخلطة والخلوة، فإن وفقه الله لذلك وثبته عليه وختم له به ، فليتأكد من علو مقامه عنده في الدارين كما قال ابن عطاء:(إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك ، فأنظر فيما أقامك).

فقمة الخسران أن يكيل العبد بمكيالين بين ظاهره وباطنه ، بين الناس وخالقه ، فيظهر لهم الصالح من أعماله ، فإن هو اختلى بربه بارزه بالمعاصي  ، كما قال ابن الأعرابي:(اخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو اقرب إليه من حبل الوريد)(10).

ولخطورة هذا الأمر على عمل المؤمن ، كان الإمام أحمد رحمه الله يستحسن قول الشاعر ويكثر من ترديده:

إذا ماخلوت الدهر يوما فلا تقل               خلوت ولكن علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة               ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ

فمنتهك المحارم في الخلوات لايخرج من اثنين ، إما أنه جريء على ربه ، وإما أنه مستهزئ به   والعياذ بالله  ، قال سليمان بن عبد الملك لحميد الطويل): عظني، فقال له: إن كنت عصيت الله وظننت أنه يراك فلقد اجترأت على رب عظيم ، وإن كنت تظن أنه لايراك فلقد كفرت برب كريم).

يفعل المنتهك ذلك وهو يعلم يقينا  وإن غفل وكابر   أن الله مطلع عليه ، قال سبحانه:(وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً )(الإسراء17).

وقال أيضا:( وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )(البقرة74).

ويقول :(أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  )(البقرة77 ).

ويقول:(أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )(التوبة78).

ويقول:(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً )(النساء108).

ويقول:( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ )(فصلت22و23).

فإذا ماخلوت بريبة في ظلمة               والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل            لها إن الذي خلق الظلام يراني

ونستحضر في هذا المجال ذلك الحس الرقابي المرتفع والخشية المتأصلة لتلك الجارية المؤمنة ، والتي كانت تدرك عواقب ذنوب الخلوات ، لما اختلى بها رجل منطمس البصيرة غافل عن رقابة مولاه ، غلبته وطغت عليه شهوته قائلا ومراودا لها: لايرانا إلا الكواكب، فقالت له: وأين مكوكبها.

لذلك كانت درجة الإحسان أعلى من درجتي الإسلام والإيمان ، (قال: فأخبرني عن الإحسان. قال أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)( رواه مسلم. من حديث طويل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه).

ولذلك أيضا ندرك سبب علو مرتبة الذين يخشون ربهم بالغيب ، وسمو منزلتهم وسر تكريم الله لهم بمغفرته وعفوه ورضاه وجنته، وكثرة تأكيده على هذه الخصلة المباركة في كتابه الكريم،

قال تعالى:(إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِ يمٍ )(يس11).

وقال أيضا:( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ )(الملك12).

وقال أيضا:(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )(ق  31  35).

إذا السر والإعلان في المؤمن استوى           فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا

فإن خالف الإعلان سراً فما له                 على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا

3)  أذى الناس وظلمهم والتعدي على حقوقهم:

الأصل الثالث من أصول مواحق الطاعات ومحبطات الأعمال ، الإمعان في أذى الناس وظلمهم والاستطالة في إعراضهم والتعدي على حرماتهم وحقوقهم وأموالهم ، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي بصاحبه إلى درجة الإفلاس في الآخرة، وإن قدم على ربه بملء الأرض طاعة ومعروف وعمل صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم:(إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)(رواه مسلم).

قال النووي :( المفلس هو الهالك الهلاك التام ،و المعدوم الإعدام المُقْطِع ،فتُأخذ حسناته لغرمائه ،فإذا فرغت حسناته ،أُخذ من سيئاته فوضع عليه ثم أُلقيَّ في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه)(11).

فالغبن كل الغبن أن يتعب العبد في تحصيل الطاعات وجني الحسنات ، ثم بعد ذلك يهديها في طبق من ذهب إلى الآخرين ، فتكون سبب نجاتهم وتثقيل ميزانهم ودخولهم الجنة، ويتخلصون من سيئاتهم وتطرح عليه ثم تطرحه في النار ، والله إنها لصفقة خاسرة وتجارة فاسدة بأن يبادل المرء الطيب من حسناته والصالح من أعماله، بالخبيث من سيئات غيره والطالح من أعمالهم، ثم يكون مصيرهم بها النعيم ومآله الشقاء .

فالعاقل من كان بخيلا بحسناته ، شحيحا بطاعاته ، ضنينا بأعماله الصالحة عاضا عليها بالنواجذ ، إلى أن يلقاها كماهي عند مولاه يوم القيامة، أما السخي بها المبعثر لها بسبب أذاه للآخرين والولوغ في أعراضهم وأكله لأموالهم بالباطل وإطلاق لسانه في الانتقاص منهم والتماس عيوبهم وغفلته عن عيوب نفسه ، فإنه أحرى أن يقدم على الله يوم الحساب مفلسا معدما .

فالاشتغال بمالايعني المرء ولا يفيده بل يضره ويقضي على مكتسباته من الحسنات هو علامة من علامات إعراض الله على العبد وخذلانه له، كما قال الحسن رحمه الله:(من علامة إعراض الله على العبد ، أن يجعل شغله فيما لايعنيه).

وقال معروف رحمه الله:(كلام العبد فيما لايعنيه خذلان من الله عز وجل).

فالمشتغل بعيوب الناس الغافل عن عيوبه دائر بين مرتبتي الإعراض والخذلان، وكلاهما مصيبة المصائب.

فلا تلتمس من مساوي الناس ماستروا              فيكشف الله سترا من مساويكا

وأذكر محاسن مافيهم إذا ذكروا                      ولاتعب أحدا منهم بما فيك

فالوقوع في الناس مهلكة لدين العبد ، مفسدة لطاعاته ، محرقة لحسناته، كما قال سفيان رحمه الله:(إياك والغيبة ، إياك والوقوع في الناس فيهلك دينك).

كما أنه ذنب عظيم يورد صاحبه سوء المصير وإن كان من أهل الطاعات ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل أن إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه)(السلسة الصحيحة).

وقد كتب رجل لابن عمر رضي الله عنهما يسأله عن العلم ، فكتب إليه ابن عمر:(إنك كتبت تسألني عن العلم ،فالعلم أكبر من أكتب به إليك ، ولكن إن استطعت أن تلقى الله كاف عن أعراض المسلمين ، خفيف الظهر من دمائهم ، خميص البطن من أموالهم ، لازما لجماعتهم فأفعل)(12).

فهذه أصول المواحق إن سلطت على الطاعة محقتها ، وإن أصابت العمل الصالح أحبطته وذهبت به أدراج الرياح ، وإن تسللت إلى الحسنات جعلتها هباء منثورا.

فليكن المؤمن على حذر وليحصن نفسه ضدها ، ويشدد الحراسة على أبواب قلبه وجوارحه ، وليكن يقظا لها أشد اليقظة، شديد المحاسبة لنفسه ، مستحضرا دوما رقابة الله سبحانه له ، دائم اللجوء والتضرع والانكسار إليه ، ليعينه على النجاة منها ، ويسدد خطاه ويحفظه في السر والعلن ، حتى لايسقط في بئر بوار.

clip_image002 clip_image002[1] clip_image002[2]

10  مختصر شعب الإيمان ص98

11  صحيح مسلم بشرح النووي

12 سير أعلام النبلاء3 ص 222

أصول مواحق الطاعات**1**

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

إن المؤمن ما خلق إلا لغاية عظيم،وهي أن يعيش في ظلال عبودية الله عز وجل،ويتلمس أسبابها ويوفر لنفسه شروط القيام بها على أحسن وجه،ويوظف كل وسائل الثبات على طريقها،إلى أن يلقى ربه وهو عنه راض غير مبدل ولا مغير، تظهر ثمارها وآثارها في قوله وفعله وخلقه ومعاملته، في سره وعلانيته، في كل حركاته وسكناته، قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )(الذاريات56).

يقوم المؤمن بكل ذلك،استجابة لأمر الله ، و التماسا لحسن المآل والمصير:( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ،إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )(الشعراء88،89 ).

ورغبة في أن يحشر في زمرة أهل العبودية المكرمين في جنات النعيم:( الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً )(النساء69).

عند ذلك يكون قد نال مراده، وحقق أمنيته التي طالما تغنى بها وعمل لها وقدم دلائلها وأعطى عربون النزول بساحتها وهو يردد مع ذلك العاشق الولهان :

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

ويحدو مع الآخر المتيم:

أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى

وهو يدرك أن أعظم الغبن وأسوء الخسران أن يخبره الله في كتابه بأن الجنة التي أعدها لعباده المتقين عرضها السموات والأرض ، ثم لايجد فيها موضع قدم،كما روي أن رجلا من الصالحين قام يصلي بالليل، فمر بقوله تعالى:( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )(آل عمران133)، فجعل يرددها ويبكي حتى أصبح ، فقيل له:لقد أبكتك آية مامثلها يبكي ، إنها جنة عريضة واسعة ، فقال: يا ابن أخي وما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم.(1).

لذلك تجده حريصا على تقديم الثمن،عاملا بجد على تكوين رصيد كبير من الطاعات،وملء خزائنه بالحسنات، فلا يحقرن من المعروف شيئا ، ينوع مصادر حسناته،ويعدد مجالات طاعاته، يمارس العبودية المطلقة ويصطف في قوافل أهلها،ويربأ بنفسه أن يكون من أهل العبودية المقيدة ، كما قال ابن القيم رحمه الله:( الصنف الرابع ، قالوا : إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد : الجهاد،وإن آل إلى ترك الأوراد ، من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض ، كما في حالة الأمن.

والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب،وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل .

والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار .

والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل،الإقبال على تعليمه والاشتغال به .

والأفضل في أوقات الأذان ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن .

والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه،والمبادرة إليها في أول الوقت،والخروج إلى الجامع،وإن بعد كان أفضل .

والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال، الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .

والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه، حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره، والعزم على تنفيذ أوامره ،أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك .

والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .

والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد ، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد ، فهو أفضل من الجهاد غير المتعين .

والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم ، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم ، وإقرائهم القرآن ، عند كثير من العلماء .

والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته ، وحضور جنازته وتشييعه ، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك .

والأفضل في وقت نزول النوازل و أذاة الناس لك، أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم ، دون الهرب منهم ، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه .

والأفضل خلطتهم في الخير ، فهي خير من اعتزالهم فيه ، واعتزالهم في الشر ، فهو أفضل من خلطتهم فيه ، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم .

فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال ، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه .

وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق ، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته ، فهو يعبد الله على وجه واحد ، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت ، فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية ، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها ، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق ، الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب( إياك نعبد وإياك نستعين ) حقا ، القائم بهما صدقا ، ملبسه ما تهيأ ، ومأكله ما تيسر ، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا ، لا تملكه إشارة ، ولا يتعبده قيد ، ولا يستولي عليه رسم ، حر مجرد ، دائر مع الأمر حيث دار ، يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه ، ويدور معه حيث استقلت مضاربه ، يأنس به كل محق ، ويستوحش منه كل مبطل ، كالغيث حيث وقع نفع ، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها ، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله ، والغضب إذا انتهكت محارم الله ، فهو لله وبالله ومع الله ، قد صحب الله بلا خلق ، وصحب الناس بلا نفس ، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين ، وتخلى عنهم ، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها ، فواها له ! ما أغربه بين الناس ! وما أشد وحشته منهم ! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به ، وطمأنينته وسكونه إليه ! ! والله المستعان ، وعليه التكلان )(2).

كلما سمع أو رأى أو دعي إلى باب من الخير والمعروف والطاعة والعمل الصالح يزود به الرصيد ويثقل به الميزان ويملأ به سجل صاحب اليمين، هرع إليه ولبى النداء وشمر على ساعد الجد من غير كسل أو تقاعس أو تلكؤ أو تثاقل أو تأخر ، ونال نصيبه من الأوائل، يتتبع مواسم الخيرات ومحطات التزود الإيمانية التي يكرم الله بها عباده ، فيستثمر فيها بجد ويستغل زيادة الكرم الإلهي فيها ويزداد كيل بعير ، يرفع شعار الصالحين الذي يقول:

إذا هـبت رياحك iiفاغتنمها
ولا  تغفل عن الإحسان iiفيها
وإن درت نـيـاقك iiفاحتلبها
وإن  ظفرت يداك فلا تقصر

 

فـإن  لـكـل خافقة iiسكون
فلا تدري السكون متى يكونُ
فما تدري الفصيل لمن iiيكون
فـإن  الـدهر عادته iiيخون

وبعد أن يحقق كل هذا الفضل ، ويكون كل هذه الثروة ، يأتي عليه واجب أكبر ومهمة أعظم ألا وهي تسييج رصيده من الطاعات والحسنات والعمل الصالح وحمايته من الآفات ، وضمان وصوله إلى الله عز وجل سليما معافى من كل عوارض الإحباط ، محفوظا من كل طوارق الإفساد ، محفوفا بكل شروط ومسببات القبول، وصيانته من المواحق والمحبطات التي إن طرأت عليه وخالطته ، جعلته في مهب الريح مهما عظم وكثر ، ونزعت بركته وحولت بوصلته ، ليصبح وبالا على صاحبه ، فيتحول من طوق نجاة وسعادة ،إلى دليل إدانة وسبب شقاء ، بعد أن كان حجة للعبد وجواز عبور به إلى الجنة ، يصبح حجة عليه وسائق له إلى النار والعياذ بالله.

فإن ضمن العبد قبول ولو جزء يسير من عمله من دون محبطات و مواحق فقد أفلح ،قال فضالة بن عبيد رحمه الله :(لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة ، أحب إلي من الدنيا و مافيها)(3).

وقد حذرنا المولى عز وجل من هذا الأمر الخطير ، ونبهنا إلى ضرورة التيقظ له ، والعمل على النجاة من عواقبه، وتجنب أسبابه ومسبباته، فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ )(محمد33).

وقال أيضا:( أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )(الحجرات2).

وقال أيضا:( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً )(الفرقان23).

وإن مواحق الطاعات ومحبطات الأعمال ومواحي الحسنات وموانع القبول كثيرة ولكن أصولها بالنسبة للمؤمن تحديدا ثلاثة وهي:

1) الرياء:

وهو أشد هذه المواحق وأخطرها، وأحد أصولها الذي تنبني عليه بقيتها، إن دخل الطاعة محقها ، وإن خالط العمل الصالح أفسده، وإن صاحب الحسنات ذهب بها ، وهو أحد أنواع الشرك الذي قال الله فيه:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(الزمر65).

وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر والشرك الخفي ، فعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أخوف ماأخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا : وماالشرك الأصغر يارسول الله؟، قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم ، إذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)(أحمد والبيهقي).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عليه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ ، قلنا: بلى يارسول الله ، قال: الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل)(ابن ماجة والبيهقي).

فالرياء من أخطر المواحق التي بسببها يرد الله عمل العبد عليه مهما عظم، ويتركه ولا يبالي به، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري معي تركته وشركه)(مسلم).

وقال الجنيد رحمه الله:( لو إن عبدا أتى بافتقار آدم وزهد عيسى وجهد أيوب وطاعة يحيى واستقامة إدريس وود الخليل وخلق الحبيب ،وكان في قلبه ذرة لغير الله ،فليس لله فيه حاجة)(4).

لذلك فإن الرياء أكثر مايجفل الصالحين ويخيفهم ، حيث كان في عرفهم وقاموسهم من المهلكات التي لاتبقي ولاتذر، قال حامد اللفاف رحمه الله:(إذا أراد الله هلاك إمريء عاقبه بثلاثة أشياء : يرزقه العلم ويمنعه العمل، يرزقه صحبة الصالحين ويمنعه معرفة حقوقهم ، يفتح عليه باب الطاعات ويحرمه الإخلاص).

وهو كذلك عندهم من دواعي اضمحلال الأعمال، قال الربيع بن خثيم رحمه الله:(كل مالا ينبغي به وجه الله يضمحل)(5).

كما أنه عندهم من رذائل العجز، قال الشيخ الغزالي رحمه الله:(إلى جانب قصور الهمم ووهن المناكب وضعف الإدراك ، وما إلى ذلك من رذائل العجز .. نجد رذيلة أخرى إذا لحقت بالأقوياء شانتهم وحطمتهم ، وهي سوء النية أو بتعبير أدق غش النية.

إن القصد المد خول يجعل الرجل يأتي عمل الأخيار ، وهو بضميره بعيد عنهم ، فيخرج منه ضعيفا لايصل إلى هدفه أو منحرفا لاينتهي إلى موضعه.

ثم إن صاحب هذا العمل محسوب على قوى الإيمان والإخلاص ، في حين أنه دسيسة مقحمة فيها ، أو هو في الحقيقة جرثومة تعمل ضدها وتثير داخل كيانها العلل..)(6).

والأشد من ذلك كله في باب الرياء ومحقه للطاعات حديث الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول الناس يُقضى عليه، رجل استشهد فَأَتى به فعرَّفه نِعمهُ فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدتُ. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقالَ جَريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقِيَ في النار. ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأُتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمتهُ وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليُقالُ عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسَّعَ الله عليه وأعطاه من أصناف المال كُلِّه، فأُتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جَوَاد. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)(مسلم).

لذلك فإن العبد المؤمن دائم الحذر من الوقوع في الرياء، دائم التفتيش في أغوار نفسه ، دائم المرابطة على أبواب قلبه لئلا يلج إليه، دائم الحراسة لثروته الإيمانية من الطاعات لئلا يتسلل إليها فيمحقها ويحبطها ويورثه البوار والخسران ، إلى أن يلقى ربه وهو على هذه الحال من التيقظ ، قال الحارث المحاسبي رحمه الله:(ومن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا يوم القيامة ،غلب على قلبه حذر الرياء وتصحيح الإخلاص بعمله، حتى يوافي الله تعالى يوم القيامة بالخالص المقبول ، إذ علم أنه لايخلص إلى الله جل ثناؤه إلا ماخلص منه، ولايقبل يوم القيامة إلا ماكان صافيا لوجهه لاتشوبه إرادة شيء بغيره)(7).

أو ماسماها ابن القيم رحمه الله في مدارجه منزلة الإشفاق والتي شرحها بقوله:(.. وإشفاق على العمل : أن يصير إلى الضياع ،أي يخاف على عمله أن يكون من الأعمال التي قال الله فيها :(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، وهي الأعمال التي كانت لغير الله ، وعلى غير أمره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويخاف أيضا أن يضيع عمله في المستقبل ، إما بتركه ، وإما بمعاصي تفرقه وتحبطه ، فيذهب ضائعا ، ويكون حال صاحبه كالحال التي قال الله تعالى عن أصحابها:( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات) الآية، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة رضي الله عنهم : فيمن ترون هذه الآية نزلت ؟ فقالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، وقال : قولوا : نعلم ، أو لا نعلم ، فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، قال : يا ابن أخي قل ، ولا تحقرن نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لعمل ، قال عمر : لرجل غني يعمل بطاعة الله ، فبعث الله إليه الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق جميع أعماله) (8).

وسألت السيّدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم :على من يصدق قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )(المؤمنون60).أَهُمْ الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر وهم يخافون من الله ؟ فقال:( لا يا بنت الصديق ،ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم)(الترمذي وابن ماجة).

وللمرائي علامات يعرف بها ذكرها الإمام علي رضي الله عنه بقوله:( للمرائي ثلاث علامات : يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في النّاس ، ويزيد في العمل إذا أثني عليه وينقص إذا ذُمَّ)(9).

فالرياء أصل أصول مواحق الطاعات ، ورائد كل محبطات الأعمال ، من عالجه ووفر أسباب الوقاية منه نجا، ومن وقع في حبائله وأستسلم له واستلذه هلك.

يتبع....

*********************************

 

1 صفقات رابحة ، خالد أبو شادي ص 142

2 مدارج السالكين ، ابن القيم ج1 ص110، 111

3 سير أعلام النبلاء ، الذهبي ج3 ص116

4 مختصر شعب الإيمان، القز ويني ص98

5 المختصر ص97

6 من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث، محمد الغزالي ص7

7 الرعاية لحقوق الله، المحاسبي ص 155

8 المدارج ج1ص 514

9 الكبائر، الذهبي 1/143

 

عام هجري جديد 1431 الهجرة احتفالية التغيير

 

الدكتور رشاد لاشين

ماجستير طب الأطفال / جامعة الزقازيق

وليسانس الشريعة الإسلامية،

تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام فتهب علينا رياح التغيير العظيمة التي غيّرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون لنا معه وقفات مهمة لنُعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة وليكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوال أمتنا نحو الأفضل، وهذا هو سر توفيق الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب بأن اختار الهجرة النبوية عنواناً للتاريخ الإسلامي وكان أمامه عدة مناسبات قوية يُمكن أن يستخدمها للتأريخ مثل غزوة بدر أو فتح مكة أو ميلاد أو بعثة الرسول صلى الله علية وسلم، ولكن كان توفيق الله تعالى لاختيار الهجرة حتى تكون محطة للتغيير الدائم لأمة الإسلام عبر السنين وصعوداً نحو المعالي بالهجرة والانتقال من الضعف إلى القوة ومن قهر الضلال وسيطرة الباطل إلى ريادة الإيمان والدور الريادي المنوط بها أصلاً.

مقومات التغيير الناجح من خلال الهجرة

1 ـ أن يكون هناك هدف عظيم يسعى الجميع من أجل تحقيقه: وهو إعلاء كلمة الله تعالى، وهذا ما وضحه لنا القران الكريم في التعقيب على الهجرة (((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة الآية (40).

2 ـ ومن أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: وكسب الأنصار الجُدد وتهيئة الأرض الجديرة بحمل الرسالة، وتمثل هذا في بيعتي العقبة الأولى والثانية وبعث سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في المدينة، فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء الإسلامي.

3 ـ التضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض: وتمثل هذا في ترك الأموال والبيوت والديار في مكة المكرمة والذهاب إلى المدينة المنورة، فكان الإسلام هو أغلى شيء في حياة المسلمين وكانت النتيجة النصر والتمكين.

4 ـ الاعتصام بالله تعالى: فالاعتصام بالله هو الفرج والمخرج، فرسول الله صلى الله علية وسلم يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجل لقتلة وهو يقرأ القرآن: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) يس الآية (9) ولا يخرج سالماً فقط بل ويضع التراب فوق كل الرؤوس وهذا شأن المعتصم بالله الآوى إلى ركنه الركين.

5 ـ تأمين الدعم الاقتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي:

فأبو بكر الصديق وفّر المال اللازم لشراء الراحلتين ودفع أجر الخبير الطوبوغرافي، وأسماء بنت أبي بكر كانت توصل الطعام، واختيارها كإمرأة تتحرك بسهولة لا يتعرض لها العرب بطبيعتهم سهَّل وصول الدعم اللوجستي لرسول الله صلى الله علية وسلم وصاحبه في رحلة الهجرة.

6 ـ التخطيط الجيد والعمل المنظم: وتمثل هذا في الآتي:

* تأمين حياة أفراد الأمة: فتأخير هجرة رسول الله صلى الله علية وسلم والأمر بخروج الأفراد سراً وفُرادى حتى لا يعلم أحد مقصودهم الجديد فينقضوا عليهم جميعاً فيه تأمين لخروجهم.

* خروج الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت غير معهودٍ الخروج فيه: وقت الظهيرة واشتداد الحر في رمضاء مكة.

* استئجار خبير في الطوبوغرافيا (عبد الله بن أريقط): حتى لا يسير في طريق معهود فيسهل الإمساك بهم.

* استخدام الإخفاء والتمويه: وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثل في الآتي:

أ - مبيت سيدنا علي مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه وذلك في المرحلة الأولى حتى يتمكن من الخروج من مكة.

ب - عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الآثار حتى لا يستطيع أحد أن يقتفي أثرهم.

ج - البقاء في الغار ثلاثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل مكان للبحث عنهم.

د - تغيير اتجاه المسير فبدلاً من الانطلاق في اتجاه الشمال وهو التفكير المنطقي لمن يُريد الملاحقة يتجهون إلى الجنوب أولاً حيث لا يخطر ذلك ببال أحد.

7 ـ توزيع الأدوار:

أ - الكبار يوفرون الدعم المادي للمساندة والصحبة.

ب - الشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية.

ج - المرأة تقوم بالدعم اللوجستي.

د - باقي الأفراد يُهيئون الدولة والأرض الجديدة ويُرتبون احتفالية الاستقلال: (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).

8 ـ الشجاعة والقوة في الحق وتحدي الباطل وعدم الاستكانة إليه:

وتمثل ذلك في موقف سيدنا عمر بن الخطاب وبطولته العظيمة حين صعد على الجبل وأعلن هجرته حتى يُعلم الظالمين درساً في قوة الحق وأن المسلمين لم يُهاجروا خوفاً ولا جُبناً ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة ولبناء دولة الإسلام في أرض جديدة، وكانت هذه رسالة لا بد من توصيلها في موقف سيدنا عمر بن الخطاب.

9 ـ رعاية جميع الحقوق حتى حقوق الأعداء: وتمثل ذلك في مقام سيدنا عليّ في مكة لتوصيل الأمانات إلى أهلها وهم الكافرون أعداء الدعوة.

10 ـ الفدائية: يحتاج التغيير إلى شباب فدائي على استعداد لتقديم روحة فداء لدعوة الله وتمثل هذا في مبيت سيدنا علي في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف يُعرضه للقتل على يد أربعين رجلاً متربصين بالخارج.

11 ـ استشعار معية الله لإنقاذ الأمة في أحلك الأوقات: في لحظة من لحظات الإحساس بقرب سيطرة الأعداء وبطشهم بالأمة وقضائهم عليها واستئصالهم لشأفتها (لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا) وتأتى النجاة باستشعار معية الله (((لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا))).

12 ـ الاستطلاع الجيد والمخابرات النشطة الفاعلة: وتمثل هذا في تكليف عبد الله بن أبي بكر الغلام الصغير أن يعمل "ضابط مخابرات" لحساب رسول الله صلى الله علية وسلم، فهو صغير يجلس في وسط القوم فلا يعملون له حساب ويتكلمون بما يُريدون وينقل هو كل خططهم لرسول الله صلى الله علية وسلم ولسهولة حركته أيضاً كغلام لا يلتفت له أحد، فهو يجلس معهم طوال النهار وينطلق في الليل إلى رسول الله صلى الله علية وسلم "جهاز مخابرات" ذكي ونشط وفاعل ولا يخطر على بال أحد.

13 ـ نفوس قوية لا يُصيبها الحزن ولا يعتريها الإحباط: مهما كانت قوة الأعداء ومهما اختلّت موازين القوى الظاهرة فمعية الله أقوى من أي قوة وتأييد الله بجنود غير مرئية تُلقي في قلوب المؤمنين الهدوء والسكينة والثقة والطمأنينة بحتمية نصر الله (((فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا))).

14 ـ الأمل في نصر الله: (ارجع ولك سواري كسرى) كمن يقول الآن (ارجع عن محاربة المسلمين ولك البيت الأبيض) كلام يقوله رسول الله لسراقة وهو خارج مطارد تطلبه قوى الشر في كل مكان.

استكمال طريق الهجرة

طريق الهجرة دائم مستمر عبر نهج رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قطعت أمتنا بعض الأشواط في طريق هجرتها ولكن الأمر مازال يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة، ويمتثل ذلك فيما يأتي: ـ

* الجهاد والنية: فلا يكتمل طريق الهجرة بدون النية الصالحة لبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأكملها ونجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى ولا يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية وأصحاب الأهواء الذين يُضيعون الأمة وكذلك محاربة المحتلين أعداء الأمة الذين يستذلونها وبذلك نحقق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).

* هجر ما نهى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". (رواه البخاري) ، وفي رواية (ابن حبان): "المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

فهيا بنا نهجر السيئات.. هيا نهجر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءً بالفرد وانتهاءً بالأمة، فتهجر الأمة معاصيها الكبيرة المتمثلة في الآتي على سبيل المثال:

ـ الاحتلال وتدنيس الأراضي ومقدسات المسلمين من قِبل الأعداء.

ـ التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يُسمى بالعالم الثالث.

ـ التفرق والتشرذم وعدم اتحاد الكلمة.

* الأخذ بمقومات التغيير لإصلاح شأن الأمة: وخاصة الاهتمام بنشر دعوة الإسلام عبر وسائل الإعلام، فدعوتنا تحتاج إلى الابتكار وتكريس الجهود لتوصيل الفكرة بأسلوبٍ راقٍ ومتميزٍ عن طريق الفضائيات و(الإنترنت) وبشتى لغات العالم، فنقدم رسالة الرحمة والإنسانية لكل أمم الأرض.

ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والارتقاء بشأن أمتنا وهجرها لأوضاعها غير السلمية في شؤون الدنيا والآخرة سيحدث التغيير المنشود ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله تعالى.

* تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى: هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى فنقيم الفرائض وننشر الفضائل ونُحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن معقل بن يسار: "العبادة في الهرج كهجرة إلي".

المارد بداخلك ..

 

محمود القلعاوي /مصر

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

هل فكرت يوماً بأن تغير حياتك ؟ .. هل فكرت أن تغيير أمراً اعتدت عليه ؟ .. هل حاولت أن تكون ضمن صفوف الأوائل ؟ .. لماذا تحلم دائماً بالتغيير ولا تأخذ خطوة واحدة نحوه ؟ .. ولماذا يبقى الوضع كما هو عليه سنوات وسنوات دونما تغيير ؟ ..

وهنا أقول :- مع اتفاق جميع الباحثين على وجود قوة خفية للتغيير في داخلنا .. ولكن المعادلة تكمن فى جهلنا بطريقة التغيير .. مشكلتنا فى التغيير ليست الإمكانية ولكنها المبادرة يا سادة ..

يقول المفكر الإسلامى عبد الدائم كحيل :- ( قبل عشرين عاماً بدأتُ أتعلّق بهذا الكتاب العظيم – كتاب الله – وبدأتُ أكتشف أشياء مذهلة لم أكن أعلمها من قبل .. وربما يكون الشيء الأهم الذي أحدَثَه القرآن هو إيقاظ قوة التغيير بداخلي ، هذه القوة التي بقيت مختفية ونائمة حتى جاءت كلمات القرآن لتوقظها فتبدأ بممارسة نشاطها .. إنها قوة عملاقة تكمن في داخل كل منا ، يمكن أن أسميها لك أخي القارئ " قوة التغيير" .. هذه القوة هي التي تجعل الإنسان غنياً ، وتجعل إنساناً آخر مبدعأً ، وتجعل بعض الناس قادة أو فنانين أو علماء .. )

_______________________________________

القرآن الكريم يسبق ..

قال تعالى :- ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) سورة الشمس : 7- 10.. وقال :- ( وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) سورة فاطر : 18 ...وقال تعالى :- ( وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) سورة العنكبوت : 6 .. وقال :- ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )سورة الرعد : 11 ..

إذن أيها الحبيب :- زمام أمرك في يدك وكلما تقدمت البحوث في مجال النفس الإنسانية كلما وجدناها تقترب من النصائح والحكم التي وردت في القرآن الكريم خاصة وفي الكتب السماوية عامة، وهذا ليس بالأمر المستغرب.. لأن الذي خلق الإنسان والذي أنزل الكتب السماوية هو إله واحد وكلما تطور الإنسان في عمله كلما اكتشف أكثر حكمة الحياة وعظمة الخالق العظيم ..

______________________________________

ضوابط إسلامية ..

يقول الأستاذ فؤاد حمودة :- ( وتعاليم الإسلام فيها كثيرٌ من الضوابط لهذه النفس، وأول هذه الضوابط الصيام فأنت في الصيام تمنع نفسك من الطعام والشراب وهو أمامك، وكذا زوجتك؛ لأنك مأمور بعدم الاقتراب منها فتمتنع عنها، أنت في هذه الحالة تتحكَّم في نفسك.

كذلك الصلاة خاصةً صلاة الفجر لا توجد أمة تقوم في هذا الوقت لتؤدي صلاةً لربها سوى أمة الإسلام، وهي صلاة تحتاج منك إلى قوة، وإبليس يحاول منعك من هذه القوة الإيمانية، وذلك ما يخبر به حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: "يعقد الشيطان على ناصية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، نم عليك ليل طويل، نم عليك ليل طويل، نم عليك ليل طويل، فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ".

الشيطان لا يريد منك أن تهبَّ من نومك وهو يستعمل مع كل إنسان ما يناسبه، فإن كانت صلاة الفجر تشغل بالك فهو يحدثك بأن تظل بعض الوقت إلى أن يضيِّعَها عليك، وإن كانت لا تشغل لك بالاً، فهو يخبرك بأن تنام فأنت مرهَق ولا حاجة لك بها )

المارد بداخلك…….

يقول " انتوني روبينز" في كتابه : أيقظ العملاق داخلك :- ( تقول الإحصائيات أن أقل من 10% ممن يشترون كتاباً ما هم فقط الذين يتعدون في قراءتهم الفصل الأول ، والحقيقة أن هؤلاء الذين لا يعرفون كيف يستفيدون من الكتب التي يشترونها يهدرون ثروات جبارة يمكنها أن تغير حياتهم .. ولا شك أنك أخي القارئ وأختي القارئة ليست ممن يميلون لخداع أنفسهم بالاستهتار بما يقرؤون ، وأنا على ثقة من أنك ستحاول الإفادة مما سنكتبه في هذه الرسالة والتي تتناول موضوع النجاح في الحياة والتي نقتبس بعضها ) ..

ويقول المفكر الإسلامى عبد الدائم كحيل :- ( في البداية أود أن أخبركم بأن هذه القوة موجودة في كل واحد منا، وهي تنتظرك حتى توقظها من رقادها، لتستمتع بالحياة وتعيش وكأنك ولدتَ من جديد. ولكن هنالك بعض الحواجز التي تغلف هذه القوة وتمنعك من الوصول إليها، فما هو الحل؟

أولاً يجب أن تعلم بوجود قوة التغيير في أعماقك، وأن تثق ثقة مطلقة بأنك ستصل إلى هذه القوة. وتكون بذلك قد قطعت نصف الطريق نحو التغيير. ويمكنك الحصول على هذه الثقة بأن تقنع نفسك بأنك ستتغير لأن الله يطلب منك ذلك وأسرتك تطلب منك ذلك والحياة تطلب منك ذلك!

______________________________________

تأمل وستجد الحل ..

أخي .. أختي ... في اللحظة التي تنوي فيها التغيير سوف تجد أن الله معك فهو القائل :- ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) سورة العنكبوت: 69

يقول صاحب الظلال :- ( الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه، ويتصلوا به .. الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا، فلم ينكصوا ولم ييأسوا .. الذين صبروا على فتنة النفس، وعلى فتنة الناس .. الذين حملوا أعباءهم، وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب .. أولئك لن يتركهم الله وحدهم، ولن يضيع إيمانهم ولن ينسى جهادهم .. إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم .. وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء )

جميع الحقوق محفوظة © الماسة