أصول مواحق الطاعات**1**

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

إن المؤمن ما خلق إلا لغاية عظيم،وهي أن يعيش في ظلال عبودية الله عز وجل،ويتلمس أسبابها ويوفر لنفسه شروط القيام بها على أحسن وجه،ويوظف كل وسائل الثبات على طريقها،إلى أن يلقى ربه وهو عنه راض غير مبدل ولا مغير، تظهر ثمارها وآثارها في قوله وفعله وخلقه ومعاملته، في سره وعلانيته، في كل حركاته وسكناته، قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )(الذاريات56).

يقوم المؤمن بكل ذلك،استجابة لأمر الله ، و التماسا لحسن المآل والمصير:( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ،إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )(الشعراء88،89 ).

ورغبة في أن يحشر في زمرة أهل العبودية المكرمين في جنات النعيم:( الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً )(النساء69).

عند ذلك يكون قد نال مراده، وحقق أمنيته التي طالما تغنى بها وعمل لها وقدم دلائلها وأعطى عربون النزول بساحتها وهو يردد مع ذلك العاشق الولهان :

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

ويحدو مع الآخر المتيم:

أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى

وهو يدرك أن أعظم الغبن وأسوء الخسران أن يخبره الله في كتابه بأن الجنة التي أعدها لعباده المتقين عرضها السموات والأرض ، ثم لايجد فيها موضع قدم،كما روي أن رجلا من الصالحين قام يصلي بالليل، فمر بقوله تعالى:( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )(آل عمران133)، فجعل يرددها ويبكي حتى أصبح ، فقيل له:لقد أبكتك آية مامثلها يبكي ، إنها جنة عريضة واسعة ، فقال: يا ابن أخي وما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم.(1).

لذلك تجده حريصا على تقديم الثمن،عاملا بجد على تكوين رصيد كبير من الطاعات،وملء خزائنه بالحسنات، فلا يحقرن من المعروف شيئا ، ينوع مصادر حسناته،ويعدد مجالات طاعاته، يمارس العبودية المطلقة ويصطف في قوافل أهلها،ويربأ بنفسه أن يكون من أهل العبودية المقيدة ، كما قال ابن القيم رحمه الله:( الصنف الرابع ، قالوا : إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد : الجهاد،وإن آل إلى ترك الأوراد ، من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض ، كما في حالة الأمن.

والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب،وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل .

والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار .

والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل،الإقبال على تعليمه والاشتغال به .

والأفضل في أوقات الأذان ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن .

والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه،والمبادرة إليها في أول الوقت،والخروج إلى الجامع،وإن بعد كان أفضل .

والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال، الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .

والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه، حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره، والعزم على تنفيذ أوامره ،أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك .

والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .

والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد ، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد ، فهو أفضل من الجهاد غير المتعين .

والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم ، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم ، وإقرائهم القرآن ، عند كثير من العلماء .

والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته ، وحضور جنازته وتشييعه ، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك .

والأفضل في وقت نزول النوازل و أذاة الناس لك، أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم ، دون الهرب منهم ، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه .

والأفضل خلطتهم في الخير ، فهي خير من اعتزالهم فيه ، واعتزالهم في الشر ، فهو أفضل من خلطتهم فيه ، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم .

فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال ، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه .

وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق ، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته ، فهو يعبد الله على وجه واحد ، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت ، فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية ، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها ، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق ، الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب( إياك نعبد وإياك نستعين ) حقا ، القائم بهما صدقا ، ملبسه ما تهيأ ، ومأكله ما تيسر ، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا ، لا تملكه إشارة ، ولا يتعبده قيد ، ولا يستولي عليه رسم ، حر مجرد ، دائر مع الأمر حيث دار ، يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه ، ويدور معه حيث استقلت مضاربه ، يأنس به كل محق ، ويستوحش منه كل مبطل ، كالغيث حيث وقع نفع ، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها ، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله ، والغضب إذا انتهكت محارم الله ، فهو لله وبالله ومع الله ، قد صحب الله بلا خلق ، وصحب الناس بلا نفس ، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين ، وتخلى عنهم ، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها ، فواها له ! ما أغربه بين الناس ! وما أشد وحشته منهم ! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به ، وطمأنينته وسكونه إليه ! ! والله المستعان ، وعليه التكلان )(2).

كلما سمع أو رأى أو دعي إلى باب من الخير والمعروف والطاعة والعمل الصالح يزود به الرصيد ويثقل به الميزان ويملأ به سجل صاحب اليمين، هرع إليه ولبى النداء وشمر على ساعد الجد من غير كسل أو تقاعس أو تلكؤ أو تثاقل أو تأخر ، ونال نصيبه من الأوائل، يتتبع مواسم الخيرات ومحطات التزود الإيمانية التي يكرم الله بها عباده ، فيستثمر فيها بجد ويستغل زيادة الكرم الإلهي فيها ويزداد كيل بعير ، يرفع شعار الصالحين الذي يقول:

إذا هـبت رياحك iiفاغتنمها
ولا  تغفل عن الإحسان iiفيها
وإن درت نـيـاقك iiفاحتلبها
وإن  ظفرت يداك فلا تقصر

 

فـإن  لـكـل خافقة iiسكون
فلا تدري السكون متى يكونُ
فما تدري الفصيل لمن iiيكون
فـإن  الـدهر عادته iiيخون

وبعد أن يحقق كل هذا الفضل ، ويكون كل هذه الثروة ، يأتي عليه واجب أكبر ومهمة أعظم ألا وهي تسييج رصيده من الطاعات والحسنات والعمل الصالح وحمايته من الآفات ، وضمان وصوله إلى الله عز وجل سليما معافى من كل عوارض الإحباط ، محفوظا من كل طوارق الإفساد ، محفوفا بكل شروط ومسببات القبول، وصيانته من المواحق والمحبطات التي إن طرأت عليه وخالطته ، جعلته في مهب الريح مهما عظم وكثر ، ونزعت بركته وحولت بوصلته ، ليصبح وبالا على صاحبه ، فيتحول من طوق نجاة وسعادة ،إلى دليل إدانة وسبب شقاء ، بعد أن كان حجة للعبد وجواز عبور به إلى الجنة ، يصبح حجة عليه وسائق له إلى النار والعياذ بالله.

فإن ضمن العبد قبول ولو جزء يسير من عمله من دون محبطات و مواحق فقد أفلح ،قال فضالة بن عبيد رحمه الله :(لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة ، أحب إلي من الدنيا و مافيها)(3).

وقد حذرنا المولى عز وجل من هذا الأمر الخطير ، ونبهنا إلى ضرورة التيقظ له ، والعمل على النجاة من عواقبه، وتجنب أسبابه ومسبباته، فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ )(محمد33).

وقال أيضا:( أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )(الحجرات2).

وقال أيضا:( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً )(الفرقان23).

وإن مواحق الطاعات ومحبطات الأعمال ومواحي الحسنات وموانع القبول كثيرة ولكن أصولها بالنسبة للمؤمن تحديدا ثلاثة وهي:

1) الرياء:

وهو أشد هذه المواحق وأخطرها، وأحد أصولها الذي تنبني عليه بقيتها، إن دخل الطاعة محقها ، وإن خالط العمل الصالح أفسده، وإن صاحب الحسنات ذهب بها ، وهو أحد أنواع الشرك الذي قال الله فيه:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(الزمر65).

وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر والشرك الخفي ، فعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أخوف ماأخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا : وماالشرك الأصغر يارسول الله؟، قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم ، إذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)(أحمد والبيهقي).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عليه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ ، قلنا: بلى يارسول الله ، قال: الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل)(ابن ماجة والبيهقي).

فالرياء من أخطر المواحق التي بسببها يرد الله عمل العبد عليه مهما عظم، ويتركه ولا يبالي به، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري معي تركته وشركه)(مسلم).

وقال الجنيد رحمه الله:( لو إن عبدا أتى بافتقار آدم وزهد عيسى وجهد أيوب وطاعة يحيى واستقامة إدريس وود الخليل وخلق الحبيب ،وكان في قلبه ذرة لغير الله ،فليس لله فيه حاجة)(4).

لذلك فإن الرياء أكثر مايجفل الصالحين ويخيفهم ، حيث كان في عرفهم وقاموسهم من المهلكات التي لاتبقي ولاتذر، قال حامد اللفاف رحمه الله:(إذا أراد الله هلاك إمريء عاقبه بثلاثة أشياء : يرزقه العلم ويمنعه العمل، يرزقه صحبة الصالحين ويمنعه معرفة حقوقهم ، يفتح عليه باب الطاعات ويحرمه الإخلاص).

وهو كذلك عندهم من دواعي اضمحلال الأعمال، قال الربيع بن خثيم رحمه الله:(كل مالا ينبغي به وجه الله يضمحل)(5).

كما أنه عندهم من رذائل العجز، قال الشيخ الغزالي رحمه الله:(إلى جانب قصور الهمم ووهن المناكب وضعف الإدراك ، وما إلى ذلك من رذائل العجز .. نجد رذيلة أخرى إذا لحقت بالأقوياء شانتهم وحطمتهم ، وهي سوء النية أو بتعبير أدق غش النية.

إن القصد المد خول يجعل الرجل يأتي عمل الأخيار ، وهو بضميره بعيد عنهم ، فيخرج منه ضعيفا لايصل إلى هدفه أو منحرفا لاينتهي إلى موضعه.

ثم إن صاحب هذا العمل محسوب على قوى الإيمان والإخلاص ، في حين أنه دسيسة مقحمة فيها ، أو هو في الحقيقة جرثومة تعمل ضدها وتثير داخل كيانها العلل..)(6).

والأشد من ذلك كله في باب الرياء ومحقه للطاعات حديث الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول الناس يُقضى عليه، رجل استشهد فَأَتى به فعرَّفه نِعمهُ فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدتُ. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقالَ جَريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقِيَ في النار. ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأُتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمتهُ وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليُقالُ عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسَّعَ الله عليه وأعطاه من أصناف المال كُلِّه، فأُتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جَوَاد. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)(مسلم).

لذلك فإن العبد المؤمن دائم الحذر من الوقوع في الرياء، دائم التفتيش في أغوار نفسه ، دائم المرابطة على أبواب قلبه لئلا يلج إليه، دائم الحراسة لثروته الإيمانية من الطاعات لئلا يتسلل إليها فيمحقها ويحبطها ويورثه البوار والخسران ، إلى أن يلقى ربه وهو على هذه الحال من التيقظ ، قال الحارث المحاسبي رحمه الله:(ومن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا يوم القيامة ،غلب على قلبه حذر الرياء وتصحيح الإخلاص بعمله، حتى يوافي الله تعالى يوم القيامة بالخالص المقبول ، إذ علم أنه لايخلص إلى الله جل ثناؤه إلا ماخلص منه، ولايقبل يوم القيامة إلا ماكان صافيا لوجهه لاتشوبه إرادة شيء بغيره)(7).

أو ماسماها ابن القيم رحمه الله في مدارجه منزلة الإشفاق والتي شرحها بقوله:(.. وإشفاق على العمل : أن يصير إلى الضياع ،أي يخاف على عمله أن يكون من الأعمال التي قال الله فيها :(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، وهي الأعمال التي كانت لغير الله ، وعلى غير أمره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويخاف أيضا أن يضيع عمله في المستقبل ، إما بتركه ، وإما بمعاصي تفرقه وتحبطه ، فيذهب ضائعا ، ويكون حال صاحبه كالحال التي قال الله تعالى عن أصحابها:( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات) الآية، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة رضي الله عنهم : فيمن ترون هذه الآية نزلت ؟ فقالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، وقال : قولوا : نعلم ، أو لا نعلم ، فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، قال : يا ابن أخي قل ، ولا تحقرن نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لعمل ، قال عمر : لرجل غني يعمل بطاعة الله ، فبعث الله إليه الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق جميع أعماله) (8).

وسألت السيّدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم :على من يصدق قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )(المؤمنون60).أَهُمْ الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر وهم يخافون من الله ؟ فقال:( لا يا بنت الصديق ،ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم)(الترمذي وابن ماجة).

وللمرائي علامات يعرف بها ذكرها الإمام علي رضي الله عنه بقوله:( للمرائي ثلاث علامات : يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في النّاس ، ويزيد في العمل إذا أثني عليه وينقص إذا ذُمَّ)(9).

فالرياء أصل أصول مواحق الطاعات ، ورائد كل محبطات الأعمال ، من عالجه ووفر أسباب الوقاية منه نجا، ومن وقع في حبائله وأستسلم له واستلذه هلك.

يتبع....

*********************************

 

1 صفقات رابحة ، خالد أبو شادي ص 142

2 مدارج السالكين ، ابن القيم ج1 ص110، 111

3 سير أعلام النبلاء ، الذهبي ج3 ص116

4 مختصر شعب الإيمان، القز ويني ص98

5 المختصر ص97

6 من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث، محمد الغزالي ص7

7 الرعاية لحقوق الله، المحاسبي ص 155

8 المدارج ج1ص 514

9 الكبائر، الذهبي 1/143

 

جميع الحقوق محفوظة © الماسة