د.عثمان قدري مكانسي
قال الصحابة رضوان الله عليهم : يا رسول الله قلَّ الماءُ ، فما نكاد نجد ماءً . قالوا ذلك وهم منطلقون إلى غزوة تبوك .
قال : (( تشربون إن شاء الله تعالى )) .
فما إن ساروا ساعات حتى قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنكم ستأتون غداً إن شاء الله تعالى عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى يُضحي النهارُ ، فمن جاءها فلا يمسَّنَّ من مائها حتى آتي )) .
وانطلق الجيش يغذُّ السبر ليله حتى أصبح ، فقاموا يتيممون لصلاة الفجر ، فلما أدّوها تابعوا المسير حتى وصلوا عين الماء فوجودها لا ماء فيها سوى رشح ضئيل لا يكفي أحداً .
سأل رسول الله أصحابه : (( هل مسّها أحدٌ ؟ )) قالوا : يا رسول الله سبقنا إليها فلان وفلان وكانا منافقين فلم يأبها لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن مسِّها وشربا منها ، فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين ثم قال : (( ألم أنهكم أن تمسّوها ؟! فسكتا وعيونهما تنبئ عن غضب دفين ، ثم نزل إلى العين ووضع يده تحت الوشل (( الطين المبلول )) فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصبَّ حتى اجتمع له قليل من الماء ، توضأ منه ثم نضحه في العين ، ودعا بما شاء الله أن يدعو به . .
ولم تمض هنيهة حتى كبر المسلمون وهللوا ، وصلوا على نبيهم الكريم ذي الفضل العظيم ، فقد رأوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم . . فماذا رأوا وماذا سمعوا ؟!! .
لقد تفجّر الماء من الصخر انفجاراً فملأ النبع واندفع بقوّة في مجراه ، يتسع ويتّسع ، وسمعوا لانفلاق الصخر صوتاً كحسِّ الصواعق ، وانفلق مُؤذناً للماء الحبيس أن ينطلق . .
فشرب الناس ، واستقوا حاجتهم منه ، وملؤوا أوعيتهم وسقوا دوابّهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لئن بقيتُم ، أو بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه )) .
وتبوك الآن واحة رائعة الاخضرار كثيرة الماء ، واسعة الانتشار . .
اللهم صلِّ على المبارك محمد ، واحشرنا معه في زمرة عبادك الصالحين اللهم آمين .
هذا النبي وعين الله تكلؤه قد فجَّر الأرض بالأمواه تندفع
يسقي العطاش بإذن الله خالقِنا وكم بفضل رسول الله ننتفع
وها هي الماء حتى الآن جارية وفي تبوك غراس الخير تتسع
قد أكرم الله بالمختار أمته على هداه إذا سرنا سنرتفع (1)
(1) الأبيات للمؤلف