مقتل الخليفة المتوكل – بداية النهاية

الزمان/ الأربعاء 4 شوال - 248هـ

المكان/ سامراء- العراق

الموضوع/ قادة الجنود الأتراك يقومون بقتل الخليفة العباسي المتوكل .

الأحداث :

إنه التاريخ الحقيقي لسقوط الدولة العباسية رغم استمرارها قائمة بعد ذلك أكثر من أربعة قرون إلا أن هذا التاريخ هو الحقيقي والفعلي لذهاب قوة الدولة وهيبة الخلفاء وبداية النهاية لهذه الدولة العريقة , ذلك لأن السقوط لا يأتي دفعة واحدة دون مقدمات طويلة قبلها فهذا الكيان القائم لا يكون سقوطه فجأة أبداً وكما أن قتل الخليفة الأموي الوليد بن يزيد كان البداية لسقوط الدولة الأموية , فإن قتل الخليفة العباسي المتوكل كان البداية الحقيقة لسقوط الدولة العباسية وهذه الحادثة كانت أولى ثمرات غرس الخليفة المعتصم الذي استجلب أقواماً لا حلوم لهم ولا أخلاق لهم تمنعهم من فعل العظائم ولا دين يردعهم عن سفك الدماء الحرام وتلي ذلك سلسلة طويلة من الاعتداءات المؤسفة على حياة الخلفاء .

هو الخليفة العباسي المتوكل علي الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد المولود في شوال سنة 206هـ , نشأ في جو مشحون بالقول بخلق القرآن من أبيه المعتصم وأخيه الواثق ومن قبلهما عمه المأمون فكره ذلك بشدة لميله لأهل السنة وإحساسه بالظلم الواقع على أهل السنة من المبتدعين , لذلك فإن أخاه الواثق كان مبغضاً له في حياته ووكل به رجلين من أتباعه يراقبان حركاته وتصرفاته وينقلانها أولاً بأول له وضيق عليه في أرزاقه فكان لا يمضي له رزقه إلا بعناء شديد .

لما أخذ الله عز وجل الواثق أخذ عزيز مقتدر اجتمع كبار رجال الدولة لاختيار خليفة للمسلمين وهموا بتولية محمد بن الواثق ولكنه كان صغيراً دون البلوغ فاتفقوا على تولية جعفر بن المعتصم من باب حفظ الجميل لأستاذهم المعتصم سبب قدومهم وتحكمهم في أمور المسلمين , فشرع المتوكل من أول يوم وجعل أول أفعاله هو القضاء على بدعة خلق القرآن وأظهر السنة وأمر المحدثين بالجلوس للتحديث في جوامع بغداد فجلس ابن أبي شيبة صاحب المصنف في الجامع الكبير وأخوه عثمان في الجامع الآخر وحضر مجلسهما ستون ألفاً , وعمل المتوكل على إكرام أهل السنة خاصة الإمام أحمد بن حنبل وأهان أهل البدعة وعزلهم من المناصب التي احتلوها في عهد المأمون والمعتصم والواثق خاصة من منصب القضاء الذي كان حكراً عليهم وأبطل المتوكل مسائل الكلام والخوض فيه ومنع الجدل والمراء خاصة في القرآن وكان المتوكل ميالاً لمذهب الشافعي رحمه الله ويقيل أن تفقه فيه حتى قيل أنه أول خليفة تمذهب فقهياً .

من الأعمال التي أساء المؤرخون فهمها من المتوكل هو أمره بهدم مقام الحسين وهدم المساكن من حوله سنة 237هـ وقالوا أن ذلك راجع لكون المتوكل ناصبياً يكره علي بن أبي طالب وشيعته بل ذهبوا أبعد من ذلك فقالوا إن ابنه المنتصر استحل دمه بسبب ذلك , والحق أن المتوكل قد أمر بهدم قبر الحسين وما حوله لحدوث الكثير من المنكرات والبدع عند هذا القبر من احتفالات ونذور واستغاثات وكان المتوكل على مذهب السلف في العقائد فأمر بإزالة هذه المنكرات , ومما يدل على ذلك إكرامه لإمام الشيعة وقتها علي الهادي وبكائه عند سماعه لأبيات شعر منه في الوعظ وأمر له بمكافأة قدرها أربعة آلاف دينار.

كان المتوكل ينفر من استعمال أهل الذمة في الدواوين وأعمال الدولة ويكره أن يراهم بمظهر المسلمين هذا بالإضافة لكونه يتحرى تطبيق شرع الله ويستأذن ويستشير الإمام أحمد قبل أن يولي أحداً أو يعزل آخر , فأمر المتوكل سنة 235هـ بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية فألزمهم بلباس معين له لون معين وعزلهم من دواوين الدولة ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا يعلمهم مسلم وألزم بتلك الشروط كل بلاد دولة الخلافة .

كان المتوكل يشعر أن الأتراك المجلوبين منذ أيام أبيه هم سبب كل بلية تقع في بلاد المسلمين وشعر بقوتهم وتنامي نفوذهم داخل الدولة فعمل على إضعاف شوكتهم بتقليم أظافرهم وبدأ خطته بالفتك بأكبر رأس لهم وهو القائد إيتاخ وعمل عليه الحيلة حتى سجنه ومات إيتاخ في سجنه هماً وحزناً , ثم لشدة كره المتوكل عزم على نقل عاصمة الخلافة لدمشق وشعر الأتراك بذلك فخافوا من تحول سلطانهم إلى العرب ولكن المدينة لم تروق للمتوكل لاختلاف جوها عن العراق فاستوبأها وعاد بعد شهرين منها إلى بغداد ولكنه شرع في بناء مدينة جديدة يجعلها خالصة له ولأتباعه ليس للأتراك فيها سلطان ولا نفوذ وهذا الأمر جعل الأتراك يتخوفون منه بشدة ويعملون على الفتك به .

كان أيام حكم المتوكل كلها رفاهية وحسن ونضارة على العام والخاص وشكره الجميع على أفعاله وشبهوا أفعاله بأنها أحسن من السبيل ورخص السعر وأيام الشباب .

أما عن مقتله فلقد وقع المتوكل في نفس غلطة جده الرشيد عندما عقد الولاية لثلاثة من أبناءه الأمين فالمأمون فالمؤتمن وأدى ذلك لاقتتال شديد راح ضحيته الكثير في مقدمتهم الأمين نفسه , قام المتوكل بعقد الولاية لثلاثة من أبناءه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد , ولم تكن قلوب الأتراك مطمئنة إلى المتوكل فعملوا على استغلال كره المنتصر لأبيه المتوكل بسبب تفضيل المتوكل لولده المعتز على المنتصر ثم وقعت حادثة أشعلت نار الحقد في قلب المنتصر ضد أبيه عندما مرض المتوكل يوماً فأمر المعتز أن يخطب الجمعة مكانه فأجاد فيها وعظم في أعين الناس فخاف المنتصر فوات الخلافة منه لأخيه فتآمر مع بعض قادة الأتراك على قتل أبيه المتوكل وبالفعل في ليلة الأربعاء 4 شوال سنة 248هـ دخلوا على المتوكل فقتلوه بسيوفهم وقتلوا معه صديقه الفتح بن خاقان وأشاعوا أن الفتح هو الذي قتله وأنهم قتلوه لفعلته وولوا المنتصر مكانه وكانت هذه الحادثة إيذاناً ببدء سلسلة طويلة من قتل وعزل الخلفاء بعد أن ضاعت كرامتهم على يد الأتراك يوم أن استقدمهم المعتصم ليدخلوا بلاد المسلمين .

وقد رؤيت للمتوكل رؤى صالحة تدل على أن الله غفر له بسبب ما أحياه من السنة وأماته من البدعة والله أعلم بالعواقب

53777025dbcq2[1]

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © الماسة