وفاة سليم الأول – موحد الأمة الإسلامية

الزمان / 9 شوال – 926هـ

المكان / بورصة – وسط آسيا .

الموضوع / وفاة السلطان سليم الأول أول خليفة عثماني على بلاد المسلمين ومنشئ الخلافة الإسلامية.

الأحداث :

مفكرة الإسلام : تعتبر الخلافة الإسلامية من أهم الروابط الإسلامية التي توحد بين المسلمين على شتى بلادهم فهي الزمام التي تزمهم و الإطار الذي يجمعهم والقيادة التي ينضوي تحتها المسلمون في كل مكان وقد تقلبت عهود الخلافة من بين خلافة راشدة إلى ملك عضوض إلى ملك جبري إلى تفكك وانحلال ثم تعود بإذن الله في آخر الزمان خلافة على منهاج النبوة كما ثبت ذلك في الصحيح وكان ترتيب دولة الخلافة كالآتي:-

خلافة راشدة من 11هـ حتى 40 هـ .

خلافة أموية من 40 هـ حتى 132 هـ .

خلافة عباسية من 132 هـ حتى 656هـ .

خلافة عباسية في مصر و الشام فقط من 659 هـ حتى 923هـ .

ومنذ أن سقطت الخلافة الإسلامية في بغداد سنة 656هـ باكتساح التتار لها تفرق الصف المسلم وتغلب كل متغلب على جزء من أملاك الخلافة, ولم تكن الخلافة الجديدة في مصر والشام كافية لاستعادة رابطة الوحدة الإسلامية مرة أخرى لضعفها وصغر مساحتها ونفوذها, حتى ظهر هذا الرجل القوي الذي استطاع أن يعيد بناء الأمة المسلمة ويحيي بناء الخلافة الإسلامية مرة أخرى ورغم ماله من سلبيات كثيرة إلا أن عمله هذا رفعه في كتب التاريخ إلى أعلى الدرجات.

هو السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح الذي كان محباً للجهاد في سبيل الله خاصة في أوروبا الصليبية وكان يحب أن يقتدي بجده السلطان محمد الفاتح صاحب الشرف الكبير بفتح القسطنطينية, وكان سليم محارباً طموحاً وأبوه بايزيد الثاني محباً للسلام والدعة والسكون وقد عينه أبوه أميراً على ولاية 'طرابزون' وأخاه كركود على شرقي الأناضول وأخاه أحمد على 'أماسيا' وهذا لم يعجب سليم المحب للجهاد في أوروبا والذي يحظى بتأييد العسكريين في الجيش العثماني, لذلك فإن سليم جمع أنصاره وقرر خوض الجهاد في أوروبا بمفرده دون والده الوديع وإخوته الباقين فرفض أبوه ذلك وقرر عزله وتأديبه ولكن أمام شعبية سليم الطاغية وسط الجيش تراجع عن قراره وهذا شجع سليم على التمادي في الانفراد بقراراته دون الرجوع لوالده فجرد له أبوه حملة عسكرية هزمت سليم ولكن قادة الجيوش ألحوا على بايزيد في العفو عن ولده سليم فعفا عنه وشعر السلطان بايزيد أن أيامه في الحكم قد غربت شمسها والجميع يسمع ويطيع لولده سليم فآثر أن يتنازل لولده سليم عن الحكم طواعية قبل أن يخلعه الناس فتولى سليم الأمر سنة 918هـ .

لم يرض باقي إخوة سليم على أن يكون سلطاناً عليهم فخرج عليه أخوه كركود وأحمد وأعلنا التمرد والاستقلال ببعض المقاطعات فظل يحاربهم حتى استطاع القضاء عليهم وقتلهم وخمسة من أبناءهم وهذه من الأمور السلبية والسنن السيئة التي سنها من قبل السلطان محمد جلبي عندما قتل إخوته حتى لا ينافسوه في الحكم, وقد حفظ التاريخ هذه الفعلة لسليم وإن كان معذوراً في أنهم هم الذي خرجوا عليه, وبعد أن تم له ما أراد واطمأن من المنافسة الأسرية عين ولده سليمان حاكماً على استانبول ليتفرغ لأموره التي في رأسه.

فكرة الخلافة الإسلامية:

رأى سليم أن دولته قد أصبحت أقوى الدول الإسلامية آنذاك لذا عليه أن يقوم بالمهمة الملقاة على عاتقه في توحيد أبناء الأمة المسلمة, ورأى سليم أن أوروبا الصليبية لا يمكن مواجهتها إلا بالمسلمين كافة لذا يجب أن يخضع المسلمون لخلافة تجمعهم ورأى أن المماليك قد ضعف أمرهم وأصبحت الخلافة عندهم صورية فقط ولم يستطيعوا أن يواجهوا التهديد البرتغالي من ناحية الجنوب في اليمن حيث كان يخطط هؤلاء الكفرة الصليبيون لاحتلال المدينة المنورة وأخذ جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم ليفاوضوا المسلمين به على تسليم القدس للصليبيين وفي نفس الوقت أظهر الشيعة الصفويون خيانة للإسلام والمسلمين والرسول عندما شكلوا حلفاً مع ألد أعداء الإسلام البرتغاليين من أجل القضاء على أهل السنة ولم يكتف الصفويون بذلك بل تحرشوا بالعثمانيين من ناحية الشرق لتخفيف وطأة العثمانيين على أوروبا الصليبية وساعد الشاه إسماعيل الصفوي الأمير أحمد أخا سليم على تمرده ضد سليم, كل هذه المعطيات والمرئيات تمثلت أمام سليم الأول صاحب العقلية العسكرية الفذة والتسلط المتناهي فقرر سليم الأول أن يسير في خطى إحياء دولة الخلافة مرة أخرى.

خطوات التنفيذ:

كانت أولى خطوات التنفيذ هو ضرب التحالف الشرير بين الصفويين والبرتغاليين وقمع خطر الصفويين من ناحية الشرق فاتجه سليم بجيش كبير من أدرنه إلى ناحية بلاد الصفويين وقام بقتل جميع الشيعة الموجودين في شرق دولته حتى يأمن خيانتهم وكان هذا العمل أيضاً من سلبيات سليم الذي اشتهر في التاريخ بسفكه للدماء ولكن كان له ما يبرره من خيانة هؤلاء الشيعة للإسلام وأهل السنة ثم انقض كالأسد الكاسر على مدينة تبريز عاصمة الصفويين ودارت موقعة شرسة وهي موقعة جالديران في 2 رجب سنة920هـ انتصر فيها سليم الأول وفر الشاه إسماعيل الصفوي وهم سليم بتتبعه ولكن دخول الشتاء القارص حال دون تقدمه خاصة بعد أن تذمر كبار ضباط الإنكشارية بسبب البرد فعاد سليم إلى إستانبول وأعدم كبار ضباط الإنكشارية الذين رفضوا الأوامر العسكرية حتى لا تكرر الحادثة منهم ثم عاد مرة أخرى واستولى على بلاد الصفويين وحجمهم وقطع شرهم.

كان ثاني خطوات سليم نحو توحيد العالم الإسلامي هو عقد تحالف مع المماليك لضرب البرتغاليين وطردهم من جنوب اليمن ولكن سليم وجد أن المماليك رفضوا هذا التحالف وبقوة بل ذهبوا أبعد من ذلك وتحالفوا مع الصفويين ضد العثمانيين وكان هذا الأمر بمثابة إعلان الحرب على العثمانيين فقرر سليم الأول محاربة المماليك خاصة بعد أن راسله وجهاء الشام والحجاز يطلبون منه القدوم لإنقاذ المسلمين من خطر البرتغاليين وعندها شعر سلطان المماليك قنصوه الغوري بالخطر فأرسل رسولاً من عنده يعرض الصلح مع سليم الذي رفض العرض بدوره وطرد سفير قنصوه الغوري وجرد حملة ضخمة قادها بنفسه وتوجه إلى الشام والتحم الجيشان العثماني والمملوكي في 25رجب سنة 922 هـ في معركة مرج دابق وأثناء القتال انضم ولاة الشام للعثمانيين فانهزم المماليك رغم شجاعة قنصوه الغوري وكان رجلاً صالحاً في نفسه بطلاً من أبطال المسلمين ولكنه كان في الثمانين من عمره ولم تكن أيام دولته تسمح له باتخاذ قراراته بنفسه فثبت حتى قتل في أرض المعركة واستولى سليم على مدن الشام كلها.

كان المماليك في مصر قد اختاروا سلطاناً جديداً عليهم هو طومان باي فأرسل سليم الأول له يعرض عليه الصلح نظير أن يعترف بالسيادة العثمانية على مصر ولكن طومان باي رفض ذلك واستعد للقتال فسار سليم بجيوشه والتقى مع المماليك بقيادة طومان باي في 29 ذي الحجة سنة 922هـ فانتصر سليم الأول في الريدانية على أبواب القاهرة وقاد طومان باي مجموعة فدائية من جنده لقتل سليم الأول ودخل معسكره وقتل كل من وجده وأخذ الوزير سنان باشا وقتله طومان باي بيده ظناً منه أنه سليم ولما علم الحقيقة فر هارباً ولكنه ما لبث أن أمسكه سليم وشنقه على باب زويلة في 21 ربيع الأول 923هـ وعندها سقطت دولة المماليك وأعلن قيام دولة الخلافة العثمانية.

بقى سليم في القاهرة ما يقارب شهراً وزع فيه الأموال والصدقات وحضر الاحتفالات وجاء الخليفة العباسي محمد المتوكل على الله وتنازل عن الخلافة لسليم وسلمه مفاتيح الحرمين الشريفين وجاءه أمير مكة وأعلن له الطاعة وتسمى سليم يومها بخادم الحرمين الشريفين فكان بذلك أول من تلقب بذلك.

مواصلة الجهاد:

سافر سليم الأول بعدها إلى الأناضول عن طريق الشام وعين خير بك حاكماً على مصر وترك معه حامية من الإنكشارية ومكث بدمشق فترة بنى خلالها الجوامع وقرر مواصلة الجهاد ضد الشيعة الصفويين الذين جددوا دولتهم ولاح خطرهم مرة أخرى في الأفق فسار سليم بنفسه لقتالهم ولكنه مات في الطريق في 9 شوال سنة 926هـ بعد رحلة جهادية وحياة عسكرية طوال حياته جعلته يقدم على سفك الكثير من الدماء من أجل تحقيق حلمه بتوحيد العالم الإسلامي مرة أخرى ولعله قد اجتهد في ذلك والله أعلم بالعواقب.

53777025dbcq2[1]

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © الماسة