ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانت خير تربية لخير جيل على وجه هذه الأرض.. خرجوا حفاة عراة فغزوا العالم وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وبلَّغوا بإذن ربهم دعوة ربهم سبحانه وتعالى.
نشروا الخير والسلام وكانوا مثالا يحتذى، حتى قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) ( رواه البخاري ومسلم )، وقال فيهم ما رواه رزين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أصحَابِي كالنُّجوم بأيِّهم اقتدَيتُم اهتَديتُم ) ( مشكاة المصابيح )، وقال: ( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشدينَ الْمَهْدِيّين فَتَمَسَّكُوا بِها وَعَضُّوا عَلَيْها بالنَّواجِذِ ) ( أورده الترمذي في سننه )، وقال وهو ينهانا عن أن نخوض فيهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم: ( لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي. لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي. فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَـدَكُمْ أَنْفَـقَ مِثْـلَ أُحُـدٍ ذَهَبـاً، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ ) ( رواه البخاري ومسلم ).
( والمد مكيال معروف عند أهل المدينة يعادل ربع الصاع )، ويعني لو تصدق الصحابي بمُدٍّ من قمح فإن أحدنا لو تصدق بمثل أُحد ذهبا لا يبلغ ثواب هذا المُدّ.فلابد علينا أن نبحث في هذا الجيل، وعلام كان كذلك، ولِمَ نجح؟ ولم }رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ { [المائدة :119] ؟ ولِمَ أعز الله بهم الإسلام ونصرهم نصرا مؤيدًا ؟ ألأن كل الإمكانات كانت متوفرة عندهم؟ أو أنهم كانوا يعملون في عالم ملؤه الخير والسعادة فاستجاب لهم؟ أو أنهم كانوا قد وصلوا إلى مصاف الملائكة الكرام وخلوا أنفسهم من كل حاجة بشرية أو من كل شهوة ولم يقعوا أبدا في معصية ؟ أو أنهم ماذا كانوا..! هؤلاء الصحابة الكرام وهم يسكنون المدينة يحيط بهم العدو من كل مكان يريد أن يفتك بهم.. هؤلاء الصحابة الكرام كانوا في عدد قليل وفي عدة بدائية.. هؤلاء الصحابة الكرام يروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج نهارا في وقت القيلولة، في وقت لا يخرج فيه الناس بل ينامون قبل الظهر- وهكذا كانت عادتهم يبدءون يومهم بعد الفجر وينامون قبل الظهر- خرج فوجد أبا بكر وعمر فقال: ( مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَـٰذِهِ السَّاعَةَ ؟ ) قَالاَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: ( وَأَنَا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذَي أَخْرَجَكُمَا. قُومُوا ) -خاطبهم بالجمع، فذهبوا إلى ابن التيهان وهو رجل من الأنصار كان يسكن أطراف المدينة، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ. فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ: ( أَيْنَ فُلاَنٌ ؟ ) قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ- فإن الماء الذي في البئر عندهم غير صالح للشرب، فذهب يستجلب ويستعذب لهم ماءً من المدينة من الآبار التي كانوا يشربون منها- إذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إلَىٰ رَسُولِ اللّهِ وَصَاحِبَيْهِ- عرف ما بهم جوع- ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للّهِ. مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافاً مِنِّي.قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ. فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَـٰذِهِ- يسدون رمقهم ويذهبون جوعتهم به، وذهب يذبح لهم شاة- وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ-أي السكين- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ )- يعني لا تأخذ الشاة الحلوب، حتى نستفيد من لبنها، وحتى لا نقضي على مورد من موارد رزق تلك الأسرة، وهو في أطراف المدينة يعني وكأنه من الأغنياء، وعنده بستان فيه عرق من البلح وعنده شياه يستطيع أن يذبح للأضياف منها، وهو لما رآهم يقول نزل بي خير ضيف في العالم ( صلى الله عليه وسلم )- فَذَبَحَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَمِنْ ذٰلِكَ الْعِذْقِ، وَشَرِبُوا. فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَـٰذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ. ثُمَّ لَـمْ تَرْجِعُـوا حَتَّـىٰ أَصَابَكُـمْ هَـذَا النَّعِيـمُ) ( رواه مسلم )، }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ [التكاثر :8]...؛ هل هذا هو النعيم يا رسول الله ! .أي قائد هذا ؟! أي قائد هذا وأي زعيم يشعر بأتباعه ويقف معهم ويقول: ( إنما أنا لكم مثل الوالد للولد )(سنن الدرامي)، كان يَخِيطُ ثَوْبَهُ، ويَخْصِفُ نَعْلَهُ، ويَعْمَلُ ما يَعْمَلُ الرِّجالُ في بُيوتِهِمْ (مسند الإمام أحمد)، ويَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ ( صحيح الإمام مسلم ) وصدق ربه حيث وصفه }وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ [القلم :4].لا بد من طاعة الله ورسوله، لكنَّ ماعزًا قد زنا، ولكنَّ نعيمان قد شرب الخمر، ولكن المخلفين قد كذبوا في فعلهم وصدقت أقوالهم، ولكن المنافقين في المدينة يصلون مع المسلمين ولا يؤمنون....؛ لم تكن الأمور على سعة في المدينة بل كانت الأمور في ضيق في الخارج والداخل.. وفازوا. إذا اردتم نصر الله فأنصروه في أنفسكم أولاً، فإذا فعلتم فسترون خيرا إن شاء الله تعالى في الدنيا والآخرة، وإذا تركتم فإنه سيسلط عليكم الذل كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعاقـل خصيـم نفسـه وليتخيـر كـل منـا مـا أراد }فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا { [الكهف :29].العاقل خصيم نفسه.. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانـا