وحدة المسلمين والمودة في القربى

 

وحدة المسلمين والمودة في القربى

قال تعالي‏:‏ {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} ‏[‏الشورى‏:23],‏ وهكذا أمرنا سبحانه أن نصل رحمه صلى الله عليه وسلم، ولذلك قام أهل السنة والجماعة من لدن الصحابة وإلى يومنا هذا بحب آل البيت وإكرامهم‏,‏ وآل البيت من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة الكبار أحبوا الأمة وعملوا على إظهار ما في قلوبهم من الود لهم‏,‏ فكانت أمة واحدة نفخر بوحدتها إلى يومنا هذا وكل ذلك كان وما زال بعيداً عن الألاعيب السياسية والمصالح الإقليمية والرؤى الساذجة حيث إن ترابط الأمة هو الذي يبقى بعد كل المتغيرات وتياراتها‏.
1- حرص الإمام البخاري في صحيحه كلما ذكر السيدة فاطمة‏,‏ أردف ذلك بقوله‏:‏ عليها السلام ولم يكتف بالترضي عليها كشأن الصحابة الكرام، وفعل ذلك أكثر من عشرين مرة في صحيحه الذي هو أصح كتب الحديث التي وصلت إلينا، واتهم الإمام البخاري أنه لم يرو عن أهل البيت الكرام وأئمتهم وهو خطأ بليغ‏,‏ فقد روى عن محمد بن علي في نحو أربعة عشر حديثاً‏,‏ وذكره في أصل الإسناد‏,‏ ومحمد هو الإمام الباقر بن علي زين العابدين بن سيدنا الحسين بن سيدنا علي رضي الله تعالي عنهم أجمعين، وروى أيضاً عن أولاده عبد الله بن محمد الباقر والحسين بن محمد الباقر‏,‏ ومن ظن أنه لم يرو عن أهل البيت إنما جاء من عدم روايته عن جعفر الصادق‏,‏ والبخاري كان شافعي المذهب ولم يرو عن الإمام الشافعي ولم يذكره إلا في موضعين‏,‏ فليس في عدم الرواية عن أحدهم أي موقف‏,‏ بل ما احتاج إليه ذكره وما لم يحتج إليه لم يذكره‏.
2- تزوج سيدنا عمر بن الخطاب‏,‏ رضي الله عنه‏,‏ من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وتزوجت فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب من عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو حفيد عثمان بن عفان الخليفة الثالث‏,‏ رضي الله تعالي عنه‏,‏ وتزوجت أم الحسن بن الحسن بن علي من عبد الله بن الزبير وبقيت معه حتى مات عنها‏,‏ وتزوجت رقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب من عمرو بن الزبير بن العوام‏,‏ وتزوج الحسن الأصغر بن علي زين العابدين من خالدة بنت حمزة بن مصعب بن الزبير‏,‏ كما تزوجت السيدة سكينة بنت الحسين وضريحها مشهور بالقاهرة من مصعب بن الزبير بن العوام‏,‏ والمصاهرات لو تتبعناها لخرجت مجلدات فهي كثيرة جداً تبين الحب والود بين أفراد الأمة سواء أكانوا من أهل البيت أو من غيرهم‏,‏ وأن الأمة ستبقي واحدة ولو كره المبطلون وستتجاوز محنتها مهما طال تحكم أصحاب الأغراض فيها واختزالهم الدين في إحداث الفتن‏.
‏ 3- ولقد سمي أهل البيت أبناءهم بأسماء كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وسمى الصحابة الحسن والحسين وعلي وكذلك حال التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا‏,‏ مما يدل على الحب المتبادل الذي أمر به الدين‏,‏ فسمي الحسن أولاده بأبي بكر بن الحسن وعمر بن الحسن وطلحة بن الحسن وجميعهم استشهدوا في معركة كربلاء مع عمهم الحسين‏.
4- ولقد ورد الثناء من أهل البيت على الصحابة ومن الصحابة على أهل البيت كثيراً ومثال ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب حين قال‏:‏ لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم‏,‏ ولقد كانوا يصبحون شعثاً غبرا‏,‏ وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم‏,‏ وهناك أيضاً ما روي عن عبد الله بن العباس‏,‏ ترجمان القرآن‏,‏ في مدحه لعثمان بن عفان‏,‏ رضي الله عنه‏,‏ حين قال‏:‏ رحم الله أبا عمرو‏!‏ كان والله أكرم الحفدة وأفضل البررة هجاداً بالأسحار‏,‏ كثير الدموع عند ذكر النار‏,‏ نهاضاً عند كل مكرمة سباقاً إلى كل منحة‏,‏ حبيباً أبياً وفياً صاحب جيش العسرة ختن رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏ وعندما سئل الإمام محمد الباقر عن أبي بكر وعمر فقال‏:‏ والله إني لأتولاهما واستغفر لهما‏,‏ وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما‏.‏ وتتعدد كذلك أمثلة ثناء الصحابة الكرام على أهل بيت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‏,‏ فيقول أبو بكر لعلي رضي الله عنهما‏:‏ والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ‏(البخاري‏),‏ وكان سيدنا عمر بن الخطاب يقول كلما أقبل عليه عبد الله بن عباس‏:‏ جاء فتى الكهول‏,‏ وذو اللسان السؤول والقلب العقول‏,‏ وكان طلحة بن عبد الله يثني على ابن العباس ويقول‏:‏ لقد أعطي ابن العباس فهماً ولقناً وعلما‏.
5- ولقد كانت لهذه الوحدة أكبر الآثار في نشر الدعوة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها وأكملت اتحاد المسلمين على كتابهم وعلى كعبتهم وعلى صيام شهرهم وعلى نبي واحد هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وعلى رب واحد يعبدونه ولم يستطع أن يفتت هذه الوحدة أحد من الناعقين ولا المفرقين لأنهم امتثلوا لقوله تعالي‏:‏ {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} ‏[آل عمران‏:103].

الإمام العلامة علي جمعة

جميع الحقوق محفوظة © الماسة