أسماء الله الحسنى

أسماء الله الحسنى

من حين لآخر يخرج علينا من يريد أن يفرض فكره ورأيه في مسألة شرعية خطرت في باله فعاش معها واستغرق فيها حتى رأى أنها الحق وحدها وأن ما سواها باطل وأن الأمة خفي عليها الأمر حتى خطر ببال هذا أو ذاك ذلك الرأي أو تلك الفكرة‏,‏ والمصيبة ليست في التفكير ولا في الدفاع عن رأي يقتنع به صاحبه ويرى أن الأدلة تؤيده في ظنه‏,‏ وإنما المصيبة الكبرى والبلية العظمي هي أنه يرى فكرته ورأيه هي الحق وأن ما سواها هو الباطل ويبدأ في التعالي ورفض كل الآراء من سواه‏,‏ ويفتقد في شعوره الداخلي إلى ما كان يذكره العلماء دائما من قولهم ‏والله أعلم‏,‏ والجانب السلبي في هذا التكبر العلمي يتمثل في إشغال بال الناس بقضايا تشكك عوامهم في كل الثوابت وتحول أمر الدين عندهم إلى محض ظن من ناحية‏,‏ وإلى بلبلة الأفكار وانشغال القلب والعقل من ناحية أخرى‏,‏ وإذا لم يكن من سلبية سوى هذا لكفى‏,‏ وتزيد المعالجة الإعلامية‏,‏ التي تميل إلى الإثارة دون الإنارة‏,‏ الأمر تعقيدا‏.
‏1- قال تعالى في سورة الأعراف‏:‏ {ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون‏} [الأعراف:180]‏ وقال تعالى‏: ‏{قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [‏الإسراء‏:110],‏ وقال تعالى‏:‏ {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى}‏ [طه‏:8],‏ وقال سبحانه وتعالى‏:‏ {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى}‏ [الحشر‏:24],‏ وروى الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة»,‏ في رواية أخرى عند البخاري ومسلم «من حفظها»‏,‏ وفي رواية الترمذي «وهي‏»:‏ وسردها بدءا من لفظ الجلالة الله وانتهاء بالصبور‏,‏ وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الجزء ‏5/17,‏ اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه تعالى وليس معناه أنه ليس له تعالى أسماء غير هذه التسعة والتسعين‏,‏ وإنما المقصود منه أن هذه التسعة والتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة‏,‏ وله أسماء أخرى كثيرة ولهذا جاء في الحديث الآخر‏:‏ «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وذهاب همي وجلاء حزني» أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في معجمه‏.
‏ ‏2- وأسماء الله سبحانه وتعالى منها‏:‏ ما هو أسماء جمال ومنها أسماء جلال ومنها أسماء كمال‏,‏ فأسماء الكمال كالأول والآخر والمحيي والمميت والضار والنافع‏,‏ وأسماء الجمال مثل‏:‏ الرحمن الرحيم والعفو الغفور‏,‏ وأسماء الجلال كالمنتقم الجبار المتكبر‏,‏ وقامت شبهة عند المعترض كيف يسمي الله بالمميت والضار ويجيب عن ذلك أئمة الإسلام فيقول الإمام الألوسي في تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف‏:‏ (ولله الأسماء الحسنى)‏:‏ ـ من أسمائه تعالى ما لا يجوز إطلاقه على غيره سبحانه وتعالى كـ‏:‏ الله والرحمن‏,‏ وما يجوز كـ‏:‏ الرحيم والكريم‏,‏ ومنها ما يباح ذكره وحده كأكثرها‏,‏ وما لا يباح ذكره وحده كالمميت والضار‏,‏ فلا يقال يا مميت أو يا ضار‏,‏ بل يقال يا محيي يا مميت‏,‏ يا نافع يا ضار‏,‏ وقال الإمام النسفي في تفسيره مجلد‏48/2,‏ من أسمائه سبحانه وتعالى ما يستحقه بحقائقه ‏(كالحي‏),‏ قبل كل شيء‏, (والباقي‏)‏ بعد كل شيء ‏(والقادر‏)‏ على كل شيء ‏(والعليم‏)‏ بكل شيء ‏(والواجد‏)‏ الذي ليس كمثله شيء‏,‏ ومنها ما تستحسنه النفس لآثارها كالغفور والرحيم والشكور والحليم‏,‏ ومنها ما يوجب التخلق بها كالعفو‏,‏ ومنها ما يوجب مراقبة الأحوال كالسميع والبصير ومنها ما يوجب الإجلال كالعظيم والجبار والمتكبر‏.
‏ ‏3- قال فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف في كتابه أسماء الله الحسنى بشأن حكم الاجتهاد في هذه الأسماء‏:‏ واعلم أن الأسماء الحسنى توقيفية كما يشير إليه تخصيصها بعدد التسعة والتسعين‏,‏ قال الخطيب الرازي في كتابه لوامع البينات‏:‏ مذهب أصحابنا أن الأسماء توقيفية‏,‏ وهو اختيار حجة الإسلام الغزالي‏,‏ ولذا لا يسمى الله عارفا ولبيبا ومدركا كما يسمى عالما‏,‏ مع أنها مرادفة لغة للعلم الذي وصف الله به نفسه في القرآن‏,‏ وقال العلامة الألوسي‏:‏ إن العلماء اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء والصفات على الباري ـ سبحانه وتعالى ـ إذا ورد بها الإذن من الشارع وعلى امتناعه إذا ورد المنع عنه‏,‏ واختلفوا حيث لا إذن ولا منع‏,‏ ولم يكن إطلاقه موهما نقصا في حقه ـ سبحانه وتعالى ـ بل كان مشعرا بالمدح فمنعه جمهور أهل الحق مطلقا للخطر‏,‏ واختار جمع من المتأخرين مذهب الجمهور‏,‏ وأما موهم النقص فلا يجوز إطلاقه عليه سبحانه وتعالى بحال‏.
‏ ‏4- ومن ذلك كله يتبين أن من يريد الضجيج حول الموروث المحفوظ للأمة إنما هو رأي يلزم به نفسه ولا يحل له أن يشغل بال الأمة وأن يلفتها عما هي فيه من المحن‏,‏ ولقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا حول هذه القضية يؤكد ما ذكرناه‏,‏ فعلى المجتهدين الجدد أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أمتهم‏,‏ وينبغي على الناس أمام هذه الحالة أن يحفظوا أسماء الله الحسنى وأن يعلموها أبناءهم‏.

الإمام العلامة علي جمعة‏

 

 

جميع الحقوق محفوظة © الماسة