خير تربية لخير جيل 2

 

خير تربية لخير جيل 2

استمرارا لتأمل تربية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم‏ ),‏ نتأمل فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه كان جائعا يسقط من طوله من الجوع ينتظر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرسل له شيئا ـ وأهل الصفة أضياف الإسلام‏,‏ لا يأوون علي أهل ولا مال ولا علي أحد‏,‏ إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا‏,‏ وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ـ تعرض لرسول الله‏,‏ فرأي فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أثر الجوع فقال‏:‏ ألحق أبا هر ـ يعني اتبعني ـ وذهب إلي البيت‏,‏ فوجد لبنا قد أهدي له فقال:‏ ( الحق إلي أهل الصفة فادعهم لي ‏)‏ وفي الطريق تحدث نفس أبي هريرة أبا هريرة فيقول لنفسه‏:‏ كنت أولي بأن أشرب هذه الشربة من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تسد جوعتي‏..‏ ماذا تفعل هذه الشربة في أهل الصفة ؟‏!‏ لو أنني قد أتيت بهم لشربوها قبلي ولكن ـ وهكذا يقول ـ ولكن ليس هناك بد من طاعة الله ورسوله‏..‏ إذن فقد كان يحدث نفسه وقد كان جائعا قليل الإمكانيات‏,‏ ولم يستطع أن يتغلب علي الحاجة البشرية من جوع أو عطش‏,‏ ولكن لم يكن من طاعة الله ورسوله بد‏..‏فذهب فأحضر أهل الصفة وأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعطي القدح لكل واحد منهم فيشرب حتى يرتوي ويشعر بالري في نفسه وبالشبع في بطنه‏,‏ حتى انتهي كل من حضر من الشرب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلي أبي هريرة وقال له‏: ( بقيت أنا وأنت‏ )‏ قال‏:‏ لم يبق إلا أنا وأنت يا رسول الله‏,‏ قال‏: ( اقعد فاشرب ‏)‏ فقال‏:( اشرب‏ ),‏ فشربت‏,‏ فما زال يقول‏: ( ‏اشرب ‏),‏ حتى قلت‏:‏ لا والذي بعثك بالحق‏,‏ ما أجد له مسلكا‏,‏ قال‏: ( فأرني ‏)‏ فأعطيته القدح‏,‏ فحمد الله وسمي وشرب الفضلة‏ (‏ رواه البخاري ‏). ‏ من هؤلاء الذين خرجوا إلي العالم بنور الهداية ؟ أي إنسان رباه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )‏..!!‏ التربية صحبة وهم صحبوا خير الخلق ( صلى الله عليه وسلم ) فكانوا خير الناس‏,‏ جعل الدنيا في أيديهم وأخرجها من قلوبهم‏..‏ ورتب لهم الأولويات‏..‏ بني فيهم الهمة‏.‏ فهل يمكن أن نستخلص من ذلك مجموعة من الصفات التي يجب علينا أن نربي أبناءنا عليها حتى نجعل الدنيا في أيديهم ولا نجعلها في قلوبهم‏.. ‏ حتى نعود مرة أخري إلي الهمة العالية‏..‏ إلي ترتيب الأولويات التي رتبها ربنا لنا‏..‏ إلي أن نأمر أنفسنا بالمعروف وأن ننهاها عن المنكر‏,‏ وأن نعمل بلا ملل أو كلل‏,‏ من غير كسل ولا طلب لأجر سوي من الله‏,‏ كل هؤلاء كانوا يعملون من غير أجر‏,‏ يعملون لقضية وغاية وهدف‏,‏ يلتفون حول المثل الأعلى والإنسان الكامل .( صلى الله عليه وسلم ) وهو أمرنا أن تكون لنا قضية وأن يكون لنا هدف وأن نلتف حول الأسوة الحسنة‏,‏ نهانا عن أن نخرج عن ذلك علي مر العصور‏,‏ فخالفنا وقدمنا الدنيا علي الآخرة‏,‏ والمعصية علي الطاعة‏,‏ والفرقة علي السداد والوحدة‏,‏ فماذا حدث ؟ تسلط علينا شرار الناس من الشرق والغرب‏,‏ وأخذوا يضربون في جسد الأمة الإسلامية كما كانت تضرب في كل وقت وحين‏,‏ وبدأت الأمة الإسلامية تشكو وتئن من كثرة الضرب‏..! ‏وملخص ذلك كله أن الإنسان لابد أن يكون له هدف في هذه الحياة الدنيا وهو‏:‏ عبادة الله‏,‏ وأن تكون عنده همة‏;‏ فإن الأمور ليست بالأماني وإنما بالعمل والاستمرار عليه‏,‏ وأن يكون عنده ترتيب للأولويات فيعرف حكمة الخالق سبحانه وتعالي ومراده‏,‏ ويقدمه علي ما سواه‏,‏ وأن تكون هناك ثقافة شائعة‏..‏ جو عام‏..‏ أن تكون هناك أصول معتبرة نسير عليها جميعا‏;‏ فننكر المنكر‏,‏ ونأمر بالمعروف وننهي عن كل ما يؤدي إلي الفساد في الأرض‏..‏ نتكاتف ونتعاون ونعمل فريقا واحدا من أجل الله ورسوله‏..‏ أن نهتم بتعليم أبنائنا بعد أن فشا فينا هذا التفرق وذهبت الأصول وأصبحت الثقافة العامة هي ثقافة الكذب وعقلية الخرافة بدلا من هذا الإنسان الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏..!‏ليس السبب في تخلفنا أن لدينا شهوات فقد كانت الصحابة لديهم شهوات‏,‏ أو لأننا نحتاج إلي الأكل والشرب ولا نستطيع أن نتزاوج فقد كانت الصحابة كذلك رضي الله تعالي عنهم وأرضاهم‏,‏ وقد رضي الله عنهم وأرضاهم وقدمهم‏..‏ إنما المسألة أنهم كانوا يعملون لوجه الله لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا‏..‏ إنما المسألة في أنهم كانوا يحبون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وينزلونه المنزلة الأجل في أنفسهم وحياتهم وسكونهم‏..‏إنما المسألة أنهم كانواأصحاب قضية وكانوا أصحاب أصول‏,‏ فعملوا للقضية ونصروا الغاية‏,‏ فخرجوا للعالم بنور الهداية‏,‏ وكانت لهم ثقافة شائعة لا ينكرها أحد إلا المنافقون في الخفاء‏.لابد علينا أن نرجع بإعلامنا وبتربيتنا وبقرارنا السياسي إلي هذا‏,‏ وإلا فأنتم كما ترون تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة إلي قصعة الطعام‏ { لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون‏ }‏ [التوبة:10]..‏ لابد علينا أن نبلغ دين الله للعالمين‏,‏ فاللهم يا ربنا يا كريم بلغ بنا دينك‏..‏ وانقلنا من دائرة سخطك إلي دائرة رضاك‏,‏ وعلمنا مرادك‏,‏ وأعنا علي أنفسنا‏,‏ ووحد قلوبنا يا كريم‏.‏

الدكتور: علي جمعة

جميع الحقوق محفوظة © الماسة