حوار رانيا بدوي ٨/٩/٢٠٠٨
الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (١ - ٢) قوانين الإرهاب والطوارئ مخالفة للشريعة
القرضاوي يتحدث إلي «المصري اليوم»
الدين والدولة.. وفلسفة الحكم في الإسلام، قضية لم تحسم بعد فالمسلمون - منذ صدر الإسلام وحتي الآن، لم يختلفوا في العقيدة ولا العبادات، ولكن سياسة الدولة وطبيعة الحكم هي التي فجرت الصراعات وأدت إلي ظهور التيارات المختلفة، منها الشيعة والمعتزلة وغيرهما.
قضية طبيعة السلطة في الدول الإسلامية، شغلت العلماء كثيراً، اختلفوا عليها وحولها، ولكنها مازالت تطرح مع تزايد المد العلماني في بعض أنظمة الحكم، والفصل بين ما لقيصر وما لله، وتطرف بعض أنظمة الحكم الاسلامي.. وظهور شعارات دينية لا تري الحل إلا في دولة دينية.. أين نقف؟.. فلا الحكم العلماني أخرج العرب من ورطتهم ولا الديني صحح مسارهم..
لذا وجب السؤال من جديد: هل أوصي الإسلام بأن تكون السلطة علي المسلمين دينية، أم مدنية؟ أم أنه لم يحدد موقفاً ولم يوص بطبيعة محددة للسلطة. الثابت تاريخياً أن الإسلام لم يورث أتباعه قواعد محددة جاهزة تصبح بمثابة المعتقدات الجامدة التي لا تقبل المناقشة أو التغيير.
حول الدين والدولة فتحنا باب المناقشة مع الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين..
* هل يوجد في الإسلام ما يسمي «الدولة الدينية»؟
- الدولة التي يقدمها الإسلام ليست دينية بل مدنية، مرجعيتها الشريعة الاسلامية.. دولة مدنية يحكمها مدنيون ولا كهنة.
* الدين والدولة منفصلان أم ملتصقان؟
- الإسلام عقيدة وشريعة كما عبر عنه الشيخ محمود شلتوت، وبتعبير آخر هو عبادة ومعاملة، دين ودنيا، دعوة ودولة، وهذا يعني شمول الإسلام، فهو ليس عقيدة لاهوتية، بل منهج شامل جاء ينظم حياة الناس في جوانبها الروحية والمادية، وليس من الإنصاف أن نحصر الإسلام في الجانب اللاهوتي والعقائدي وحده، فهناك آيات تتعلق بالعقيدة، وأخري بالعبادة، وآيات تتعلق بشؤون الأسرة وأطول آية في القرآن تخص بالمعاملات وهي آ ية المداينة، وتتحدث عن كيف يستطيع الانسان توثيق دينه حتي لا يضيع، إضافة إلي آيات خاصة بالعقاب والحدود والقصاص،
وأخري تتعلق بالجانب الدستوري، وبعض يتحدث عن العلاقات الدولية التي يأمرنا ديننا بأن الأصل فيها هو السلم، وألا نحارب إلا من حاربنا إذ يقول المولي عز وجل في كتابه العزيز «فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً»، حتي بعد الحرب إذا أرادوا أن يسالمونا سالمناهم فالقرآن يقول «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله» صدق الله العظيم، والمقصود أنه حتي وإن أرادوا الخداع فاستجب إلي دعوة السلم.. فكيف نقول إن الإسلام محصور في ركن في المسجد.
* لكن بعض الإسلاميين يشتركون مع العلمانيين في القول بابتعاد الدين عن السياسة باعتبارها مدنسة وإذا اختلط بها الدين ربما حملوه أخطاء السياسة والسياسيين؟
- المشكلة أن الناس في عصرنا هذا ساء ظنهم بالسياسة التي تقوم علي الغدر والمكر والعبث بالأخلاق، كما أساءوا الظن بالسياسيين واعتبروهم قوماً لا ذمة لهم ولا ضمائر تحكمهم، فكره الناس السياسة والسياسيين، لذا قالوا أبعدوها عن الدين لأنها شر، لكن السياسة الحقيقية هي تدبير أمر الخلق مما يجعل الناس أقرب إلي الصلاح والبعد عن الفساد وما يحفظ عليهم دينهم ونسلهم وعقلهم وأموالهم وأن يعيشوا حياة طيبة، وإذا انحرف الناس بالسياسة فالدين لا ذنب له.
الدين يجب أن يدخل ويشترك في الحكم ليقي السياسة من الدنس وإن وقعت فيه يطهرها، هذه هي مهمة الدين.. الدين إذا دخل في شيء أصلحه.. وهذا أفضل من ترك السياسة لمن لا دين لهم.. لأن هذا يعني أن يسوس الناس من ليس لهم ضمير ولا دين ولا وازع أخلاقي لخير الناس، ومن مصلحتهم أن يحكموا من أناس يعرفون الدين ويتقون الله فيهم، ويرحمون الخلق، أما إذا تحالف أهل المال والسلطة أي رجال الأعمال مع الحكومة وأعضاء مجلس الشعب فسيكون الضحية هم الشعب.. فهؤلاء يعملون علي كسب الملايين علي حساب قوت من لا يجدون ما يمسك الرمق ولا يطفئ الحرق، لذا من الخير أن يدخل الدين في السياسة.
* هل كان الرسول صلي الله عليه وسلم رجل دين وحاكما في الوقت نفسه؟
- نعم كان يؤم الناس في الصلاة ويحكم بينهم في أمورهم.. وكان يسوس الناس ويقودهم في أمورهم الحياتية، وهكذا سار علي نهجه الخلفاء الراشدون وظل الإسلام ديناً ودولة ١٣ قرناً.
* البعض يقول إن الرسول كان نبي أمة جاء لتعميم الفضيلة والأخلاق وليس حاكم دولة.. والفرق بينهما كبير؟
- بل كان الاثنين معاً فنحن ندرس في علم أصول الفقه تصرفات الرسول صلي الله عليه وسلم، ورأيناه في وقت من الأوقات يتصرف بوصفه المفتي الأعلي والقاضي الأحكم والإمام الأعظم، والإمامة هي الرئيس الأعلي، ونجد علماء السياسة الشرعية عندما يعرفون معني الخلافة يقولون هي «نيابة عن رسول الله في حراسة الدين وسياسة الدنيا به» إذن الخلافة دين ودنيا معا، فالخليفة لم يكن سلطة روحية ومعه حاكم أو سلطة زمنية.
* بماذا ترد علي من يقولون إن النصوص القرآنية لم تتضمن المزيد من التفاصيل الخاصة بالحكم ولا كيفيته ولا ماهيته وإنما اهتمت بالشريعة والمعاملات والعقيدة؟
- لأن هذه هي طريقة الإسلام.. يترك في الشريعة أموراً مفتوحة لتكون متماشية مع الأقطار الاسلامية علي اتساعها وعلي امتداد أزمنتها، لأن شريعة الإسلام هي آخر شريعة لذا يجب أن يكون فيها من المرونة ما يسع كل التغيرات، فهناك أمور كثيرة غير الحكم وكيفيته لم يتطرق إليها القرآن وتركها لعقول المسلمين، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول «ما حلل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه الله فهو حرام وما سكت عنه فهو عف، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسي شيئاً» ثم تلا قول الله تعالي «وما كان ربك نسيا»، وهذا ما نسميه نحن منطقة العفو أو منطقة الفراغ من التشريع والتي يجتهد العلماء في ملئها بالقياس أو بالمصلحة أو برعاية العرف أو بالاستحسان أو بالاستصحاب.
القرآن بطبيعته في كثير من مواقعه نجده كلياً وليس فيه تفاصيل فمثلاً و«أمرهم شوري بينهم» أو «وشاورهم في الأمر» ولم يذكر لنا آليات الشوري، ومن الذين نشاورهم ولا عددهم ولا في أي أمور نأخذ بالشوري، ترك التفاصيل للعقل الإسلامي، لكل عصر أن يجتهد بما يلائمه، وكل دولة بحسب ظروفها، ومع ذلك هناك أمور وردت في القرآن بمزيد من التفصيل مثل شؤون الأسرة والزواج والطلاق والدين لأنها أمور لا تتغير بالزمن.
* البعض يخشي الحكم بالدين فتعود نظرية «الحق الإلهي» التي ظهرت في الحضارة المسيحية في القرون الوسطي ويصبح كل ما يقوله أو يتخذه الحاكم من قرارات محصناً وغير قابل للنقاش تحت دعوي أنه يحكم بالدين.. ومن يستطيع التجرؤ علي الدين؟!
- نعم نظرية «الحق الإلهي» التي تتحدثين عنها كانت أحد اختراعات الكنيسة الغربية لمزيد من إحكام قبضتها علي الشعوب، وكانت النتيجة أن ظهرت العلمانية في وجه هذه النظرية لتفصل الدين عن الدولة، والمقصود هنا دين الكنيسة التي تحكمت في الناس ومصائرهم، فحينما جاءت النهضة - التي تدين بالفضل إلي الحضارة الإسلامية - كانت الكنيسة هي التي تقف في وجه التقدم وتتبني أفكاراً ضد العلم، وكان العلم والدين في تعارض دائم. الكنيسة وقفت مع الحكام ضد الشعوب ومع الجهل ضد العلم، ومع الإقطاعيين ضد الفلاحين، فكان لابد من الوقوف في وجه الدين الذي كان يقف عقبة في سبيل العلم والحرية فانتصروا علي دين وجمود الكنيسة...
* وكيف انتقلت العلمانية إلي الإسلام؟
- انتقلت من باب التقليد الأعمي بدعوي أن الغرب لم يتقدم إلا عندما تحرر من الدين فعلينا أن نفعل مثلهم وهذا خطأ، لأن دين الغرب غير ديننا، والأزهر غير الكنيسة، والمسيحية غير الإسلام، فالعلم عندنا دين والدين عندنا علم.
والغرب غير الشرق وتاريخهم غير تاريخنا، وقد فرضت العلمانية علي المسلمين بالقوة وبالحديد والنار وبالرصاص وبالسجون، وظهر ذلك جلياً في تركيا، حيث انتصرت العلمانية علي الشعب التركي بهذه الطريقة وبقوة الجيش، وحتي اليوم الجيش هو الذي يحرس العلمانية في تركيا.
* في رأيك إلي أيهما تميل الشعوب العربية: الحكم الإسلامي أم العلماني؟
- الشرق عموماً مازال يرفض هذه الفكرة فلو عملت استفتاء في مصر نصه: هل ترضي بالعلمانية أم بالشريعة الإسلامية لحكم مصر؟ طبعاً الأغلبية ستشير إلي الشريعة الإسلامية، وعندما أتحدث عن الشريعة الإسلامية فيجب أن نفهمها فهماً صحيحاً في ضوء اجتهاد عصري صحيح وليس في ضوء الجمود والانغلاق.
* ألم يكن تزايد الاتجاه إلي العلمانية بسبب عدم وجود شخصيات إسلامية جيدة قادرة علي تسيير الأمور وحكم البلاد؟
- دولنا كلها تحكم بالعلمانية، ولا توجد دولة تقول بأنها تحكم بالشريعة الإسلامية إلا السعودية.. فإذا كان هناك خلل في الحكم فهو بسبب العلمانية وليس حكم الإسلام.
* ومع ذلك لم تقدم السعودية نموذجاً يحتذي به في الوطن العربي؟
- ولا البلاد الأخري التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية، مثل سوريا والعراق ولا مصر، فلا أحد منهم تقدم وهم يحكمون بالعلمانية.. الشريعة الإسلامية لا تحكم وحدها بل عن طريق رجال، لذا يجب أن نربي رجالاً قادرين علي الحكم.. نحن نقول الآن في مصر إننا نحكم بالديمقراطية فهل نحن نحكم بالديمقراطية فعلاً؟ هذا ليس عيباً في الديمقراطية، إنهم يتبعون ديمقراطية الثلاث تسعات، وهذه ليست ديمقراطية فنحن كما ندعي الديمقراطية ولا نحققها، ندعي أيضاً الإسلام ولا نحققه.. وحتي الآن لم نجد دولة واحدة تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية باجتهاد عصري صحيح. ولكن عموماً الإسلاميون أكثر قبولاً لدي الشعوب العربية والإسلامية.
* ما الدولة التي تعتبرها تطبق الحكم الإسلامي كما يجب أن يكون؟
- ولا دولة.
* أليس غريباً أن تقول إنه لا توجد دولة إسلامية بحق في العالم كله، أليست مسألة تستحق التوقف؟
- إذا لم يسع الناس إلي إيجاد النموذج الإسلامي، فإنه لن ينزل لهم من السماء.. الدولة الإسلامية يجب أن يقيمها المسلمون وإن لم يسعوا لذلك فلن تقوم، فهي مسؤولية المسلمين قبل كل شيء.. يجب أن يتعاونوا فيما بينهم ويتوقفوا عن سوء الظن في بعضهم البعض، وأن يتشاركوا ويتفاهموا.
* وكيف تقيم تجربة الحكم في ماليزيا التي مزجت بين الحكم العلماني وتطبيق الشريعة الإسلامية، وما وصلت إليه من تقدم وازدهار ملموس عالمياً؟
- ماليزيا نموذج له طبيعة خاصة، لأنه يقوم علي عناصر مختلفة منهم الملاويون وهم أصل البلاد ويمثلون حوالي ٥٥% من عدد السكان، إلي جانب العنصر الصيني والهندوسي وباقي الأقليات، وحتي تنجح في التعامل مع هذا التآلف وهذه التعددية حكمت بالعلمانية، ولكنها علمانية غير متطرفة وليست ضد الدين الإسلامي، إضافة إلي إخلاص ماليزيا في التنمية فقد اتبعت المنهج العلمي واستغلت قوة العنصر الصيني المسيطر حقيقة علي معظم ثروات البلاد، رغم أن الملاويين المسلمين هم الأغلبية فالفنادق والبنوك والأبنية الضخمة ملك الصينيين، وهو ما يجعلنا حذرين من التجربة الماليزية، ولكنها حققت التنمية وإن كانت ليست النموذج الأمثل الذي ننشده وأتمني أن تحاول ذلك في المستقبل.
* قلت إن العلمانية في ماليزيا غير مضادة للدين، فهل يمكن أن تكون العلمانية غير مضادة للدين؟
- أقصد أنه كما توجد أنواع من العلمانية المتطرفة المعادية للدين، مثل العلمانية الماركسية التي هي دائماً معادية للدين، وتعتبره أفيون الشعوب هناك علمانيات هادئة لا تضطهد من يدينون بالدين الإسلامي ووسطية في ممارستها الحكم.
* وأين تري العلمانية المتشددة؟
- في تركيا وتونس، فهما نموذجان للتطرف العلماني في مواجهة الإسلام.. فمثلاً الحكومة الديمقراطية المنتخبة في تركيا كاد يطاح بها بحكم محكمة، وهي طبعاً محكمة أسسها علمانيون.
* إذا لم تستطع المحكمة العلمانية التغلب علي أردوغان وجول بانتماءاتهم االإسلامية في تركيا إلا أن العسكريين تغلبوا علي حكومة ديمقراطية منتخبة، وأزاحوها بين ليلة وضحاها في موريتانيا الدولة الإسلامية؟
- المشكلة أن الكثير من البلدان العربية يحكمها العسكريون من وراء ستار.. ففي موريتانيا بمجرد أن حاول الرئيس المنتخب أن يستخدم سلطاته ويعزل رئيس الأركان ورئيس الحرس، انقلبوا عليه.
وهذا ما فهمه وأدركه رجب طيب أردوجان وعبدالله جول في تركيا، فهما يملكان سلطة تغيير أعضاء المحكمة ووضع عدد من القضاة الإسلاميين بدلاً منهم، ولكنهما خافا لأنهما لو فعلا ذلك ستيدخل قادة الجيش، فهم الحكام الفعليون في منطقة الشرق الأوسط والبلاد العربية.
* لماذا وضعت تونس ضمن هذه القائمة رغم أنها دولة عربية إسلامية؟
- العلمانية التونسية شديدة التطرف، فهي مثلاً تري أن من يصلي الفجر مضاد للدولة، يجب أن يوضع علي القائمة السوداء، والمرأة المحجبة تمنع من دخول المدرسة والجامعة ودخول القطاع العام، ولا تستطيع أن تلد في مستشفي حكومي إلا إذا خلعت الحجاب، لذلك تعد نموذجاً للعلمانية المضادة للدين الإسلامي.
* وماذا عن العلمانية المصرية؟
- معقولة، فهي تحكم بغير ما هو في الشريعة، ولكنها تترك الناس، كل واحد حر، وإن كانت لا تخلو من بعض المضايقات والاضطهاد كمنع المذيعة المحجبة من الظهور علي شاشة التليفزيون المصري.. ومطاردة الجماعات الإسلامية.
* هل يراعي الدستور المصري الشريعة الإسلامية؟
- الدستور الحالي لا أستطيع أن أحكم عليه لأنني لم أقرأه قراءة مستوعبة، ولكن أعتقد أن من أكثر الدساتير التي كانت تراعي الشريعة الإسلامية في التاريخ المصري الحديث هو دستور ٢٣، إما مراعاة مباشرة أو بشكل غير مباشر، بحيث لا يكون مضاداً تماماً للشريعة.
* ما القوانين التي تراها ضد الشريعة؟
- القوانين التي تبيح الربا وتعطل الحدود، والقوانين التي تبيح الخمر والخلاعة ولا تضع لهما حدوداً، وقوانين تقييد حرية الإنسان مثل قوانين الإرهاب والطوارئ، وهي مخالفة للشريعة الإسلامية مخالفة بينة.
* في رأيك.. لماذا الخوف من وصول الجماعات الإسلامية إلي كرسي الحكم؟
- المجتمع الإسلامي ليس رافضاً للجماعات الإسلامية، بل يرحب بهم، وفي وقت من الأوقات أقبل الناس علي انتخاب الإسلاميين وحصلوا علي ٨٨ مقعداً في البرلمان المصري من حوالي ١٠٠ منطقة رشحوا أنفسهم فيها، أي حوالي ٨٠% من المناطق التي تنافسوا عليها رغم عدم وجود ديمقراطية، والأصل في الأزمة أن الحكام هم الذين لا يريدون أن يتزحزحوا عن مناصبهم.
* وهل أنت شخصياً مقتنع بكفاءتهم للوصول إلي الحكم؟
- نعم ماداموا سيحكمون وفقاً للشريعة.. ولكن فلنقل إنني أساساً مع الديمقراطية، وأن يختار الشعب من يحكمه، يختار الإسلاميين.. يختار الديمقراطيين، أو القوميين، المهم أن يكون للشعب حق الاختيار، وإن أساءت الشعوب الاختيار فعليها تحمل مسؤولية اختيارها.
* مثلما حدث مع حماس؟
- حماس لم تستطع أن تحقق ما تريد، ومنذ يوم وصولها إلي السلطة يحاصرونها بالمشاكل، ولم يمكنوها من عمل شيء، وكما قال الكاتب فهمي هويدي فإنها لم تكن طرفاً في الانقلاب، بل قامت ضد الانقلاب، لأنه كان يدبر لها انقلاب، فسبقت وقامت هي به أولاً، وقالت: «أتغدي بيهم قبل ما يتعشوا بي»، ومع ذلك هناك أمور وتفاصيل كثيرة لا أحب الدخول فيها لكنني أدعو الجميع في فلسطين إلي الوقوف صفاً واحداً، فحرب الفلسطيني للفلسطيني من المحرمات.
وعلي أي حال، تجربة حماس ليست التجربة الإسلامية المنشودة في الحكم، وليست النموذج برغم أنها لم تتمكن - كما قلت - من فعل ما يمكننا من الحكم علي نجاحها أو فشلها.
* إذا كنت مع وصول الإخوان إلي الحكم لماذا خرجت من عباءتهم، وهل هذا يعني خلافاً غير ظاهر بينكما، أو عدم رضا عن أدائهم؟
- خرجت من تنظيم الإخوان المسلمين لأنني لا أريد أن أحصر جهودي في جماعة معينة، وأريد أن أخدم الأمة بأكملها، ففي وقت من الأوقات عرضوا علي منصب المرشد العام للجماعة واعتذرت، أفضل أن أكون مرشداً للأمة بدلاً من أن أكون مرشداً لجماعة معينة.. لكنني أؤازرهم وأدعمهم وأنصحهم.
* ولكنك تعيب علي الإخوان المسلمين من حين لآخر.. وأذكر عنك انتقادك لهم لاستغراقهم في العمل السياسي الذي يستهلك جل طاقتهم وإغفالهم العمل الاجتماعي؟
- نعم، فهم لم يعدوا العدة ليندمجوا في الشعب كما يجب، ولا فهموا احتياجات الشارع كما ينبغي.. وانشغلوا بالسياسة.. وانتقادي لهم من باب التقويم، وأنا والحمد لله لا أميل للمغالاة ولا أرضي بالتفريط ولا بالتشدد.
* وهل ملحوظاتك هذه علي الجماعات الإسلامية هي التي جعلتك تؤلف كتابك «فقه الأولوليات»؟
- ما كتبته في كتابي هذا طويل المدي في أفكاره حتي ٣٠ عاماً قادمة، فقد كنت مهتماً بأولويات المجتمع الإسلامي ككل في المرحلة القادمة، ومن بينها أولويات الحركات الإسلامية في العقود الثلاثة القادمة، فكتبت هذا الكتاب وتناولت الأولويات في الجانب الفكري والسياسي والتربوي.
* وماذا جاء علي رأس أولويات الجماعات الإسلامية؟
- العلم، لا يمكن أن نتقدم إلا بالعلم، والإسلام يحثنا علي اتباع المنهج العلمي، وليس مجرد الحصول علي الشهادات، بل منهج وروح يجب أن يسيطر علينا ويشملنا، والبعد عن عاطفية والغوغائية والارتجالية، عليهم بالتخطيط والإحصاء ولغة الأرقام.. عليهم الانغماس في الشارع وتفهم احتياجاته.
* هل تعتبر الإخوان حزباً سياسياً في وضعهم الحالي؟
- ماداموا مشغولين بهموم الأمة ومسألة الحكم ودخول الانتخابات فهم حزب سياسي أراد الآخرون أم لا.. هم يقومون بكل الممارسات الحزبية وأنا أعتبرهم «حزب وزيادة شوية».
* بمعني؟!
- لديهم اهتمام أكثر بالجانب التربوي والأخلاقي، إلي جانب السياسة، وهذا ما يميزهم عن باقي الأحزاب.
* رغم أنهم غير معترف بهم وليست لديهم شرعية كباقي الأحزاب؟
- الشرعية الحقيقية هي التي يمنحها لك الشارع وليس الحاكم، والأحزاب الموجودة الآن غير حقيقية.. فالأحزاب تنشأ أولاً ثم تأتي بالحكومة، ولكن هذه أحزاب أنشأتها الحكومة، فهي مصطنعة تقوم علي المنفعة، والحزب الوطني ليس حزباً حقيقياً، بل حزب تكون أعضاؤه ممن لهم مصالح ويريدون الانتفاع بدخولهم فيه وليس عن إيمان بمبادئه.